تحرص أوساط رسمية وسياسية لبنانية على ترقب ما ستؤول اليه العلاقة بين رئيس الجمهورية ميشال سليمان و «حزب الله» خلال هذه المرحلة في ظل التباين الذي أخذ يتضح أكثر فأكثر في شأن طرح موضوع الاستراتيجية الدفاعية والسلاح على «هيئة الحوار الوطني» التي دعا رئيس الجمهورية الى استئناف أعمالها منذ 11 حزيران (يونيو) الماضي وفق جدول الأعمال الذي حدده ويتناول كيفية ومتى وأين يستعمل السلاح في الدفاع عن لبنان، والسلاح المنتشر في المدن وتنفيذ قرارات الحوار الوطني السابقة ولا سيما في إنهاء السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وضبطه داخلها. وتنطلق هذه الأوساط من التباين الحاصل بين الطرفين حيال الأزمة السورية، وفي رصد موقفيهما في شأن الحوار. وتعتبر أن «حزب الله» على رغم حرصه على الاحتفاظ بتاريخ العلاقة الجيدة بينه وبين الرئيس سليمان منذ كان قائداً للجيش وتنسيقه مع المقاومة في مواجهة العدوان الإسرائيلي، لم يخف التباين الحاصل بينه وبين سليمان في مواقفه العلنية والضمنية خلال الأشهر القليلة الماضية. موقف مزدوج وتشير هذه الأوساط الى ان الحزب ما زال يتعاطى مع هذا التباين ومع التوترات التي تتسم بها الساحة اللبنانية في ظل الانقسام الكبير في شأن الأزمة السورية، استناداً الى قراءته التي تملي عليه موقفاً مزدوجاً على الصعيد المحلي يقوم على المجاهرة بتأييد النظام السوري في المواجهة التي تخوضها معه المعارضة السورية من جهة، وعلى حفظ الاستقرار في لبنان منعاً لأي أحداث تستنزف الحزب والمقاومة في لبنان سياسياً وأمنياً، في شكل يضعف موقعه في المواجهة الإقليمية الكبرى الجارية بين إيران ودول الغرب والتي يضع ما يجري في سورية في إطارها معتبراً ان التغيير في سورية يستهدف إضعاف دول الممانعة وفي الطليعة إيران. وعليه، فإن الحزب يتجنب إضعاف موقعه بمواجهات داخلية توفيراً لإمكاناته وقدراته، إذ انه وفق قراءته، إذا حدث وخسرت ايران سورية، فإنه من باب أولى ان تتجنب أي توترات تساهم في خسارتها لبنان أيضاً. ولم يمنع كل ذلك الأوساط ذاتها من أن تسجل نقاط التباين بين الحزب والرئيس سليمان الذي سعى الى تحييد لبنان عن الأزمة السورية، منعاً لانعكاساتها المضرة على أوضاعه الأمنية والسياسية، مقابل انحياز الحزب الذي انضم الى تأييد سياسة النأي بالنفس عنها متأخراً، لسبب يتعلق بالشق الثاني من قراءته والقاضي بحفظ الاستقرار. وتردد هذه الأوساط مظاهر التباين في التعاطي مع انعكاسات الأزمة السورية على لبنان بالإشارة الى انزعاج الحزب من مواقف سليمان في محطات عدة أبرزها: 1 - موقفه من المذكرة السورية الى الأممالمتحدة التي تتهم فرقاء لبنانيين بتهريب السلاح والمسلحين من الشمال والبقاع الى سورية إذ انطلق الحزب في وسائل إعلامه وتصريحات مسؤوليه مما تضمنته المذكرة من وقائع لشن هجوم على خصومه اللبنانيين، فيما اعتبر سليمان ان ما نصت عليه المذكرة غير صحيح استناداً الى تقارير الأجهزة الأمنية وقيادة الجيش. وهو رد على ممثلي «حزب الله» في مجلس الوزراء حين تبنوا بعض ما جاء فيها بالقول لهم: «كلها غلط»، في شكل حاسم. 2 - تبني سليمان قبل أشهر تقارير الأجهزة الأمنية عن ان ما يحصل من تهريب سلاح محدود وهو يتم من تجار أسلحة وليس من جهات سياسية، في وقت تبنى الحزب ما ذكر في وسائل الإعلام عن اتهام «تيار المستقبل» بهذا التهريب واتهامه بالسعي الى قيام منطقة عازلة في الشمال لمصلحة الثوار السوريين. 3 - رفض الرئيس سليمان تسليم الناشطين السوريين الى السلطات السورية التزاماً بالاتفاقات الدولية المناهضة للتعذيب، مقابل تأييد نواب الحزب وقادته لتسليم هؤلاء، استناداً الى الاتفاقيات الأمنية مع سورية. 4 - إدانة الرئيس سليمان الخروق السورية المتكررة للحدود اللبنانية، من مقتل مصور تلفزيون «الجديد» الزميل علي شعيب وصولاً الى طلبه توجيه كتاب عبر السفير السوري في بيروت علي عبدالكريم علي الى السلطات السورية، للاحتجاج على توغل قوة سورية في الأراضي اللبنانية وتدميرها منزلاً وقصفها مناطق لبنانية. «سلوك مزعج» وتشير الأوساط السياسية الى ان «حزب الله» لم يكن مرتاحاً لسلوك الرئيس سليمان هذا في ما يخص تداعيات الأزمة السورية لبنانياً، لأنه يناقض التعبئة السياسية الإعلامية التي يخوضها من موقع تأييده النظام السوري، في مواجهة خصومه اللبنانيين الذين يؤيدون علناً الثورة السورية ضد هذا النظام. ومن نافل القول وفق هذه الأوساط ان سلوك سليمان كان مزعجاً ليس للحزب وحده بل للقيادة السورية أيضاً. وبهذا المعنى، فإن دمشق والحزب غير معتادين على هذا النوع من الرؤساء اللبنانيين لأنه يتصرف باستقلالية في حساباته لكيفية ممارسته مسؤولياته على الصعيد اللبناني ولوسائل مواجهته الانقسامات الداخلية اذ انه يحرص على أخذ هذه الانقسامات الحاصلة في المجتمع السياسي المحلي في الاعتبار في مواقفه. لكن هذه الأوساط تلاحظ ان التباين لم يتوقف عند مسألة الأزمة السورية وانعكاساتها في لبنان، بل شهدت عليه مواضيع حساسة أخرى، منها الطريقة التي سعى بها الى معالجة مسألة تسليم داتا الاتصالات الى الأجهزة الأمنية، كشرط وضعته «قوى 14 آذار» للمشاركة في اجتماعات هيئة الحوار الوطني، فكان له دور أساسي في إيجاد الآلية التي قضت بالإفراج عن هذه الداتا لكي تواصل الأجهزة الأمنية تحقيقاتها في محاولتي اغتيال رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، والنائب بطرس حرب. وتذكر هذه الأوساط بانزعاج الحزب من جدول الأعمال الذي وضعه الرئيس سليمان لدعوته الى استئناف الحوار ونصها على مسألة السلاح صراحة، وتقول: «لم يراع حزب الله في انزعاجه من الدعوة موقع سليمان الذي يوجب عليه أخذ مواقف الأطراف كافة في الاعتبار. وهو في كل الأحوال لم يأخذ بشروط قوى 14 آذار بضرورة بحث استقالة الحكومة من أجل استئناف الحوار بل رفض هذا الشرط علناً، ورفض أيضاً، علناً شرط 14 آذار بأن يسلّم الحزب بمرجعية الدولة في شأن سلاحه كأحد مستلزمات عودتها الى الحوار، واعتبر أنه لا يجوز المجيء الى الحوار بمواقف مسبقة أو بحسم الموقف من جدول الأعمال قبل حصول الحوار في شأنه. وهو موقف كان موجهاً الى الحزب مثلما كان موجهاً الى قوى 14 آذار». «خطاب الإفطار» وترى الأوساط نفسها ان انزعاج الحزب من تشديد الرئيس على جدول الأعمال وحديثه في خطابه في الإفطار الذي أقامه في 25 تموز (يوليو) عن أن لا غلبة للسلاح وأن السلاح بات في صلب النقاش الوطني، يطرح السؤال عما إذا كان رئيس الجمهورية يجب أن يمتثل بما يقوله النائب رعد، أم أن على النائب رعد أن يراعي ما تقرره هيئة الحوار التي تبنت جدول الأعمال الذي دعاها الرئيس على أساسه كما جاء في «اعلان بعبدا» (البند 16 منه)، فدعوة الرئيس سليمان تعكس روح الإجماع الذي يفترض أن الحزب شريك فيه، خصوصاً ان الاستراتيجية الدفاعية اتفق على ان تكون البند الوحيد المتبقي على طاولة الحوار منذ انطلاقتها برئاسة رئيس البرلمان نبيه بري عام 2006. «وإلا ما مبرر دعوته الى الحوار؟». ويضيف الأوساط نفسها ان الرئيس سليمان أكد رؤيته للحوار حين شدد في خطابه في 1 آب (أغسطس) على ان استراتيجية الدفاع ترتكز الى الجيش الذي لا شراكة معه ومع القوى الأمنية في الأمن والسيادة، ما دفع السيد حسن نصرالله الى أن يتبنى في اليوم نفسه مقولة النائب رعد عن الحاجة الى استراتيجية تحرير إضافة الى استراتيجية دفاع. وتقول هذه الأوساط إن مظاهر التباين في شأن موضوع الحوار سبق أن ظهرت قبل دعوة الرئيس هيئة الحوار الى الاجتماع حين أكد في محاضرة ألقاها في وزارة الدفاع قبل شهرين ان سلاح المقاومة مرتبط بالصراع اللبناني - الإسرائيلي، في رد غير مباشر للسيد نصرالله عن أن المقاومة ووجودها مرتبطان بالصراع العربي - الإسرائيلي. ولا تستبعد الأوساط السياسية المتابعة لهذا التباين ان يكون انزعاج الحزب من توجهات الرئيس هي التي دفعت قيادته الى التلويح بأن يعتصم أهالي المخطوفين اللبنانيين ال11 في قصر بعبدا الثلثاء الماضي حين جرى توجيه هؤلاء الى القصر، وسط الأسئلة عن سبب عدم توجيههم الى رئاسة الحكومة أو وزارة الخارجية مثلاً. وتنتهي الأوساط نفسها الى القول إن سعي سليمان الى التخفيف من الاحتقان عبر الحوار وعبر طرح المواضيع الجدية التي تسبب هذا الاحتقان، من دون أوهام حول سرعة التوصل الى اتفاقات وحلول، يفترض أن تدفع الحزب الى إيجاد صيغة للانسجام مع هذه التوجهات، لا سيما ان الحزب يشترط وجوداً فاعلاً للدولة كي تتولى المرجعية في الدفاع عن لبنان، ويكتفي وفق قول السيد نصرالله الأربعاء الماضي بمعادلة الجيش والشعب والمقاومة، ما دفع الرئيس سليمان الى القول في خطابه أول من أمس في قصر بيت الدين إن هناك جهة ما يجب أن تدير الدفة في التعاون بين الجيش والشعب والمقاومة للدفاع عن لبنان، قاصداً بذلك الدولة.