منذ 15 عاما والمقيم الأفغاني عبد القيوم هو المنقذ لدى كثير من الموظفات، خاصة المعلمات في محيط ينبع، اللائي لا يسعفهن الوقت لتجهيز "الفطير البلدي"، ويرغبن في "تصبيرة" خلال الدوام، لحين العودة إلا المنزل لتناول الغذاء مع العائلة. وتحظى الأكلات الشعبية القديمة باهتمام أهالي ينبع، وعلى الرغم من مرور الزمن، وتوفر الكثير من الأكلات الحديثة، بقيت الوجبات التقليدية محافظة على مكانتها الاجتماعية. ومن بين تلك الأكلات "الفطير البلدي" الذي كانت ربات البيوت يحرصن على إعداده في المنزل، واستخدامه في إعداد المرقوق والجريش، ولكن مع تغير الزمن انتقل إعداد هذه الأكلة من السيدات إلى العمالة المقيمة. يقوم "عبد القيوم" بعمل الفطير منذ الصباح الباكر بمساعدة عدد من العمال داخل "الفرن" في المحل الذي يعمل به والواقع وسط مدينة ينبع، ويرى عدد من المواطنين أنه "سحب البساط " من الأمهات وربات البيوت اللائي أصبحن يلجأن إليه لتجهيز الفطير لعدم وجود أفران "تنور" داخل المنازل الحديثة. وبينما أرجع عدد من ربات المنازل لجوءهن للعمالة لشراء الفطير إلى اختصار الوقت، بالإضافة إلى أن صنعه في التنور أفضل من حيث المذاق، ولا يتوفر ذلك إلا لدى المحلات المعدة لذلك. وبحسب عبدالقيوم فإن الفطير اكتسب شهرة واسعة خلال السنوات الماضية، وزاد عدد زبائنه خصوصاً المعلمات والموظفات الذين يفضلن الجمع بين لذته وقيمته الغذائية التي تزيد الطاقة، حتى يبقين طوال اليوم بحيوية ونشاط. يقول عبد القيوم إنه يجيد تحضير "الفطير البلدي" إلى حد كبير، حتى أصبح شبيها بما تصنعه سيدات المنازل، وأنه يبيع من 1500 إلى 2000 فطيرة يوميا، تزيد معدلاتها أوقات العمل الرسمي خلال الأسبوع، نظرا للإقبال عليه من قبل الموظفين والموظفات. وأضاف أن "الفطير" يحتوي على عناصر غذائية مفيدة، ويمنح النشاطا للجسم، كما أنه سهل التحضير، وقابل للتخزين داخل الثلاجات، لمدة تصل إلى شهور دون أن يتغير طعمه. وحول أغلب فئات المجتمع إقبالا عليه، أفاد عبدالقيوم أن أكثر زبائنه من المعلمات خاصة من يعملن بالقرى والهجر، وأن لديه زبائنه من المعلمات يحضرن من أملج، وجدة والمدينة المنورة، كن يعملن قبل سنوات بقرى ينبع والعيص، فيما لا يزال بعض المعلمات يحصلن على الفطير عن طريق زميلاتهن المتعينات حديثا. وقال عبدالقيوم إن الفطير يصنع من الدقيق المحلي أو المستورد، مشيرا إلى أن بعض الزبائن يضيف إليه عند الأكل السمن، أو العسل، أو اللبن، بينما يفضل بعضهم تناوله مع وجبات أخرى بدلا من أرغفة الخبز. وبذات السياق قالت نورة الحربي وهي (موظفة بالمدينة المنورة) إن "الفطير البلدي من رموز الحياة القديمة، تناقلت النسوة طريقة إعداده حتى اليوم، وهو يحتوي على قيمة غذائية لا تتوفر في غيرها، ويتميز بعدم دخول مواد مضافة أو مصنعة في إعداده"، مشيرة إلى أنها كانت تحرص على إعداده لزوجها وأبنائها في المنزل على الصاج، ولكنها بدأت مؤخرا في شرائه من الخارج، لعدم وجود متسع من الوقت لديها لصنعه. الثمانيني أبو عيد الجهني، قال ل"الوطن" "الأكلات الشعبية المصنوعة من الدقيق والحبوب خاصة ما يعرف ب"الفطير البلدي" أو القرصان كانت قديماً الطعام الرئيس لدى البادية، وهي مشهورة لدى أغلب الشعوب العربية، خاصة سكان الجزيرة، ويأتي ذلك بحكم العمل الشاق الذي كانوا يقومون به في الماضي، خاصة البدو، حيث كان يرتحلون مشياً على الأقدام. وأضاف أن "تناول الفطير البلدي المصنوع على جمر "حطب السمر" يزود الجسم بطاقة وحيوية، وكان البدو قديما يتزودون بكميات من الدقيق الذي يستمر معهم في سفرهم أسابيع وشهور لقطع مسافات طويلة".