بدءاً أقدر للباحث جهوده الموفقة في إزاحة ما غيبته عوامل الزمن عن ولاية "الجهوة" في بلاد بني شهر.. تلك الولاية التي كان لها في بداية العصر الإسلامي مكانة أدبية وعلمية، وما يرتبط بها ومواقعها من آثار ونقوش تستحق العناية بها، وتقديرا للمؤلف على تلبية طلبي منه نسخة من الكتاب، وبعد مطالعة ما تضمنه من معلومات أوضحت للمؤلف بعض التنبيهات فيما يخص "عسير" القبيلة الأزدية "أزد شنؤه"، والتعريف بالشواهد والمسميات والآثار بهدف تصحيح أي لبس فيما ورد في بعض ثنايا الكتاب، فأقول وبالله التوفيق: أولاً: جاء في ص 35، الفصل الثاني الإشارة إلى أن الصحابي الجليل صرد بن عبدالله الأزدي، أزد شنؤه (حجري أثلي)، وهذا يخالف الواقع، فبني (أثلة قبيلة أزدية حجرية)، والاعتداد بما ورد يخالف نسب الصحابي صرد بن عبدالله الأزدي، فقبيلته معروفة، وهم "تلادة عبدل"، ومنزله في قرية المصنعة، إحدى قرى قبائل علكم عسير.. تلك القبيلة التي يرجع نسبها إلى أسلم بن عوف بن ثمالة الأزدي، أزد شنؤه، وجبل شنوه معروف في بلاد بني مالك عسير. وعن مقابلته مع الدكتور عبدالله دماك وتشابه الأسماء سواء بالضم أو الفتح أو بكسر السين، فهذا لا يعتد به إلا إذا كان لدى الدكتور الدماك بن الصرد مشجر يوصله إلى الانتساب إلى القائد والصحابي الجليل صرد بن عبدالله الأزدي الشنؤي، فالناس أمناء على أنسابهم، وإن كان غير ذلك فإن الشواهد أثبتت خلاف ما جاء في المقابلة. ثانياً: ورد في الكتاب الإشارة إلى فضيلة الشيخ هاشم، رحمه الله، وأن ما اعتمد عليه فضيلته فيما سجله من أن عسير قبيلة عدنانية حسب ما جاء عن الهمداني، وما كتبه في صحيفة اليمامة العدد 168 بتاريخ 12/10/1378 ، مستنداً على رسالة المؤرخ حسن بن عبدالله الضميدي في القرن الثالث الهجري، وفي كتابه تاريخ عسير بين الماضي والحاضر الطبعة الأولى الصادر في منتصف عام 1380. ثم إعادة طباعته بمناسبة المئوية وصدر عام 1419 ، وفيه يؤكد على عدنانية عسير القبيلة مع أنه أشار في ص 17، 18 من كتابه بقوله "وهذا لا ينفي وجود عشاير من الأزد القحطانية مختلطة بعسير فغلب عليهم اسم عسير، ومنهم صرد بن عبدالله الأزدي عامل رسول الله"، وهذا اعتراف بأن الصحابي الجليل عسيري أزدي (أزد شنوه). وفيما كتبه في مجلة العرب الجزء 11، 12 لسنة 1412 عن بارق نسبها وبلادها ص 736 استند إلى ما ذكر الحموي عن مورج السدوسي، ولكنه أشار إلى نزول بارق مع قبائل الأزد بالسراة حول جبل أوماء، وعندي والله أعلم أن الجبل هو غسان، المعروف بالسفح الشرقي في جبل تهلل، وضمنه حضن أسلم أحد أحياء أبها حالياً والماء أحد نبوع الأزد. ثالثاً: قد فند ما ورد عن الهمداني مجموعة من المهتمين والدارسين لبلاد عسير القبيلة ومنهم: أ- الأمير تركي بن محمد الماضي – رحمه الله – في تعقيبه في العدد 171 بتاريخ 19/11/1378 من صحيفة اليمامة على ما كتبه الشيخ هاشم – رحمه الله – في الصحيفة ذاتها العدد 168 بتاريخ 12/10/1378 وفي مذكرات معاليه. ب- علامة الجزيرة الأستاذ حمد الجاسر – رحمه الله – في بحث بعنوان التعريف بالأنساب والتنويه لذوي الإحسان في مجلة العرب الجزأين 5، 6 لشهري ذي القعدة وذي الحجة 1411 ص390 وما بعده يخالف ما ذهب له الشيخ هاشم اعتمادا على رواية الهمداني. وأشار الأستاذ حمد في ص391 من المجلة ذاتها ما يلي (المعروف أن عسير من قبائل الأزد" أزد شنوه" وليسوا من عك وإن كان بعض النسابين ينسب عك إلى الأزد). وأشار إلى عدد من المراجع، منها السيرة النبوية لابن هشام 1/8 وما ورد عن ابن الأكلبي في الجمهرة، ومختصر كتاب الجمهرة مخطوط راغب باشا إسطنبول رقم 990 ص223، 214 ، وعن ابن حجر العسقلاني في الإصابة في تمييز الصحابة ص 182 ، وعن سيرة الصحابي القائد صرد بن عبدالله الأزدي، أزد شنؤه. وأورد في العدد ذاته ص 393 (وكان خاتمة النقاش في الموضوع كلمة لأديب بلاد عسير الأستاذ عبدالله بن علي بن حميد – رحمه الله – بعنوان تعقيب وإيضاح (حول نسب عسير)، استعرض ما سبقت الإشارة إليه عن وفد صرد بن عبدالله الأزدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأن آثار منازل صرد ومرابط خيله لا تزال موجودة في وادي حمرة قرية المصنعة، ولا تبعد عن أبها أكثر من عشرة كلم، والمصاحب لجبال شنوه التي يسكنها أزد شنوه وإلى مدينة جرش وآثارها وإلى تشابه الأسماء... إلخ)، بل إن راعي الغنم منهم حين يسأل ممن أنت؟ يقول من عسير، ثم ينتسب عسير من قحطان، ثم أورد الشيخ الحميد – رحمه الله – بعضاً من قصيدة للأمير محمد أحمد المتحمي يقول: من عسير ابن قحطان بن عابر هامة العود ما فينا لصيقة نكرم الضيف في عسر الليالي وأكثر الناس عيشتهم سويقه نكرم الضيف بالمجر المصفى والسمير الذي ينخل دقيقه نكرم الضيف باشحوم الخلايا فثلث عندنا ذبح اللحيقه ثم أشار إلى قصيدة للقاضي في عهد الأمير عايض بن مرعي الشيخ علي بن الحسين الحفظي – رحمه الله – في حرب الأتراك مع قبيلة عسير في السقاء عام 1251 بعنوان (أم عبد) ومنها: وإن كنت عنها في البعاد فسائل ففيها أسود من مغيد بمرصد ومنها ليوث الأزد من كل شعية يصالون نار الحرب ذات التوقد بأيدي رجال من شنوه جدهم حذابهم مجد إلى حذو فرقد أرسلت هذه القصيدة بعد الانتصار على غزو الأتراك إلى الإمام فيصل بن تركي آل سعود من الأمير عائض بن مرعي يهنئه فيها بالنصر، فأوعز الإمام إلى الشاعر أحمد علي بن مشرف الأحسائي فكانت القصيدة وبعض من أبياتها يمتدح عسير أزد شنؤه وذلك في عام 1285 ، الآتية: لا تنسى ذي الحي اليماني انه لشيعة أهل الحق بالحق مقتدي قبائل من همدان أو من شنؤه من الأزد اتباع الرئس المسود هموا قد حموا للدين إذ فضل عضبه وبدد منه الشمل كل مبدد ج- أورد الأستاذ أحمد بن حسن بن عبدالله النعمي في دراسته التحليلية لمذكرات الفريق سليمان باشا متصرف لواء عسير في العهد العثماني مخطوطا، وفيه أن الهمداني استقى معلوماته نقلاً عن لسان رجل من جنب مربه أثناء سيره إلى موسم الحج دون تثبت ص13، وأكد ذلك الأمير تركي الماضي في مذكراته عن الخلط الذي وقع فيه الهمداني. د- أشار المؤلف الدكتور عمر بن غرامة العمروي في كتابه قبائل إقليمعسير المجلد الأول ص 172 وما بعده عن موقع جبل شنوه وعن أزد شنوه. و- أورد الشيخ عبدالله بن علي بن مسفر – رحمه الله – في كتاب أخبار عسير الصادر عام 1398 (قبيلة الأزد من كهلان من أصل قحطان ومن أعظم الأحياء وأكثرهم بطوناً. وقد قسم الجوهري قبائل الأزد إلى ثلاثة أقسام هي أزد شنوه ابن نصر الملقب شنوه، وسمي عليه جبل شنوه، ويشمل جبالا وأودية)، في بلاد عسير القبيلة ويضم أحد عشر نبعاً منها (نبع جراده) (نابطه) (العين بن يعلا) (عين بن مصافح). وأشار إلى تجمعات الأزد في قرية الدارا بقيادة حميضة بن نعمان وله تنسب قرية آل بن نعمان شرق أبها). ز- وفي كتاب قبيلة الأزد من فجر الإسلام إلى قيام الدولة السعودية تأليف محمد بن علي بن حسن الحريري يقول إن شنؤه بنو نصر الأزدي ومعنى شنؤه طاهر النسب، وأن جبل شنؤه وشهود شنؤه في بني رزام، مستنداً على محاضرة للحميد محمد سنة 1390. وكتاب في سراة غامد وزهران للجاسر والإعلام للزركلي ص 258ج3 والقاموس المحيط ودائرة المعارف والإصابة تاريخ الطبري ص3571. رابعاً: والغريب أن الشيخ هاشم النعمي – رحمه الله – في كتاب تاريخ عسير بين الماضي والحاضر في طبعتيه لم يشر إلى منزل ومقر الصحابي الجليل والقائد صرد بن عبدالله رضي الله عنه، ولا إلى قريته المصنعة التي هي على وادي عشران، وعليه أيضاً قرية العكاس مسقط رأس الشيخ هاشم وقريته وقبيلة الصحابي تلاده عبدل إحدى قبائل علكم. الشيخ هاشم كان رده على كل من الأمير تركي الماضي والأستاذ عبدالله بن حميد رحمهم الله جميعا في مجلة العرب ص 737 وما بعده عدد الجماديين عام 1412 بعد وفاتهما، فالأمير تركي رحمه الله توفي في 6/11/1385 وأديب عسير ومؤرخها وشاعرها الأستاذ عبدالله بن حميد رحمه الله المتوفي في 1399. خامساً: التنبيه على بعض الرؤى التي وردت في كتاب (ولاية الجهوة)، وخاصة فيما يتعلق بانتساب عسير القبيلة إلى أزد شنؤه، ونسب الصحابي الجليل القائد صرد بن عبدالله الأزدي. وما جاء في كتاب إمتاع السامر بتكملة متعة الناظر ص 88 شعيب الدوسري كما يلي: هم علكم بني أسلم بن ثمالة الأزدي واسم ثمالة (عوف).. إلخ. وفي موقع آخر إن مغيد وعلكم يعرفان بولد أسلم. وقد مر في هذه الرؤى الإشارة إلى تلادة عبدل، ولكن لأهمية التأكيد على ضرورة أخذ هذه الملاحظات بعين الاعتبار. حيث أورد أن القاسم بن يزيد بن علكم بن عمر الأزدي، مستشهداً بالبيت الآتي: (سل أبا الصرد عن علاه تجده يتصدى بصارم وعمرو) ثم قال (أبوالصرد هو عبدالله أبو الصحابي صرد بن عبدالله الأزدي، وإن الصحابي صرد بن عبدالله الأزدي أمير عسير قبل الإسلام وبعده، وأبناؤه يعرفونه بتلادة عبدل (أي أولاد عبدالله) من علكم. وبدراسة إجمالية للنقوش التي برزت من خلال دراسة الدكتور العواجي تبين أن أغلبها غير مؤرخ تمشيا مع السائد في زمانها، إلا أنها تبين مدى ثقافة ومعرفة السكان في ذلك الوقت، رحمهم الله. وكان الاعتماد في المراسلات والتدوين والذكريات من خلال الخط الكوفي القديم غير المنقوط، ومع ذلك فإن أي مطالع يجد فيها شواهد ذات قيم أثرية، ومنها نقش من آثار بني رزام قرية الفية، شمال أبها (20 كلم) على طريق أبها الطائف بالخط الكوفي غير منقوط نصه كما يلي: (اللهم خفف عن حبيب ابن أبي مفرح بن الجوسي الحربائي بعد بره بوالديه يوم الجمعة الأول من جمادى الأول سنة ثمان وستين ومئة).