يقع سوق حباشة على جنبات وادي قنونا، ويعد من أشهر أسواق العرب في الجاهلية، ويشتهر باسم «سوق أحد»، كما تشير الروايات التاريخية إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد نزل به، وباع فيه واشترى وهو تاجر لصالح السيدة خديجة رضي الله عنها قبل البعثة النبوية. ويتميز السوق بموقعه على أهم طرق التجارة القديمة من اليمن إلى مكة ثم الشام، سواء كان ذلك في الجاهلية أو في الإسلام، فمنذ زمن بعيد وقوافل السبئيين التجارية تجوب الجزيرة العربية من الجنوب إلى الشمال حتى بلاد الشام، وكان هذا الطريق يمر بصنعاء ومأرب ثم مكة ويثرب، ثم بمدائن صالح، حتى يصل بصرى جنوب سوريا، وهي من مكة على ست ليال كما قال الأزرقي (وإنا لنشك أن هذه السوق هي أحد المراكز التجارية المهمة على طريق القوافل، فكانت قوافلهم تمشي آمنة في قرى ظاهرة متواصلة واضحة يعرفها المسافرون من جنوب الجزيرة حتى الشام). وجميع الأماكن بسوق حباشة تشير لك بالعصور الجاهلية، فهناك بقايا من أواني فخارية في مكان السوق الذي يستقر على هضبة مرتفعة على ضفاف وادي قنونا، كما أن بقايا الرحى كانت تستخدم لطحن معدن الذهب، كما يوجد العديد من أكوام من الحجارة الكثيرة تغطي قبور الجاهليين على جنبات الطريق القديم للقوافل. ويبين الباحث الآثاري عبدالله الرزقي في دراسة خاصة أن سوق حباشة لا يخرج عن وادي قنونا، ومن الدلالات التي اعتمدت عليها في إثبات أن الوادي ضم بين جنباته سوق حباشة الجاهلي أن السوق يقع في صدر قنونا، كما أن السوق يقع في ديار الأزد، وحباشة سوق الأزد يقع في ديار الأزد، ثم إن مقدار بعد السوق عن مكة يقدر بالمراحل ست ليال، والأزد قبيلة ارتبطت بهذا السوق مثل ما ارتبط ببني أسد. ومن ذلك أيضًا ما ذكره الأزرقي في كتابه (أخبار مكة) حيث قال : وكان والي مكة يستعمل عليها - أي السوق- رجلاً يخرج معه بجند، فيقيمون بها ثلاثة أيام من أول رجب متتالية، حتى قتلت الأزد واليًا كان عليها.. إلخ. وقد بقيت فروع من هذه القبيلة إلى يومنا هذا تقيم بقنونا، وتحديدًا بمواضع وقرى منها الفائجة والحواري وغيرها وهم من بني رزق وبلحارث، وهم من بني عبدالله بن الأزد . مرجع الاسم وخراب السوق وسميت السوق بحباشة لأنها كانت تضم بين جنباتها حين قيامها أخلاطا شتى ممن كان يهبط إليها قديمًا من مختلف القبائل للمتاجرة أو التحاكم وفض النزاعات وفداء الأسرى أو غير ذلك من الأغراض التي كانت تقوم بأسبابها الأسواق العربية الموسمية الكبيرة. وحباشة في اللغة تعني الجمعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة، كما أن وقوع السوق بين مواضع معدن عشم شمالاً وموضع جبال ثميدة، مكان الكحل الإثمدي المشهور في الجزيرة العربية، وهذا ما ذكره الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب رشح السوق ليكون سوقًا مهمًا أهم مصنوعاته المعادن. وأشار الرزقي إلى أن نصوص المؤرخين الأوائل عن سوق حباشة تؤكد وجود موقع السوق بتهامة وليس بالسراة حيث أورد الازرقي في كتابه أخبار مكة الجزء الاول ص 191 عن سوق حباشة ما نصه: «حباشة سوق الأزد وهي ديار الأوصام من بارق من صدر قنونى وحلى من ناحية اليمن وهي من مكة على ست ليالي، وهي آخر سوق خربت من أسواق الجاهلية وكان والى مكة يستعمل عليها رجلا يخرج معه بجند فيقيمون بها ثلاثة أيام من أول رجب متتالية حتى قتلت الأزد واليا عليها من غنى بحثه داود بن عيسى بن موسى في سنة 197 ه فأشار فقهاء مكة على داود بن عيسى بتخريبها وتركت إلى اليوم وإنما ترك ذكر حباشة مع هذه الأسواق لأنها لم تكن في مواسم الحج ولا في أشهره وإنما كانت في رجب». وأورد ياقوت الحموي في معجمه ج2 ص 210 ما نصه: «حُباشة بالضم والشين معجمة وأصل الحباشة الجماعة من الناس ليسوا من قبيلة واحدة وحبشت له حباشة أي جمعت له شيئًا وحباشة سوق من أسواق العرب في الجاهلية ذكرت في حديث عبدالرزاق عن معمر عن الزهري، قال لما استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ أشده وليس له كثير مال استجارته خديجة إلى سوق حباشة وهي سوق بتهامة واستأجرت معه رجلا من قريش قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عنها ما رأيت من صاحبة أجير خيرًا من خديجة ما كنا نرجع وصاحبي إلا وجدنا عندها تحفة من طعام تخبئه لنا قال فلما رجعنا من سوق حباشة...إلخ، أورد أبو عبيد البكري في معجمه الجزء الثاني ص 418 عن سوق حباشة ما نصه: «الحباشة بضم أوله وبالشين المعجمه أيضًا على وزن فعاله ويقال حباشة دون ألف ولام سوق للعرب بناحية مكة وهي أكبر أسواق (تهامة) كانت تقوم ثمانية أيام في السنة قال حكيم بن حزام وقد رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم يحضرها واشتريت بزا من بز تهامة. مناشط السوق وعن النشاط التجاري لسوق حباشة يقول الرزقي: «سوق حباشة تقع في مفترق وملتقى طرق تجارة وحجاج، وهي سوق مخضرمة شهدت الجاهلية والإسلام، ولكونها تقع بالقرب من وادٍ كثير النخل والماء، ولكونه يقع بين مواقع تعدين مثل الذهب والرصاص والكحل الإثمدي، فإن ذلك ساعد على رواج المصنوعات المعدنية والتي كانت من أهم موجوداتها، وكانت الحبوب والتمر والجلود أيضًا من أبرز موجودات السوق، لكون الوادي اشتهر بكثرة نخيله وحبوبه، كما أن السوق اشتهرت بالبز كسلعة رائجة وجيدة، دل على ذلك ما أورده البكري في معجمه، حيث قال ما نصه (يقول حكيم بن حزام رضي الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضرها، واشتريت فيها بزّاً من بزّتها وهي من صدر قنونا). وقد أورد صاحب (معجم البلدان) في معرض نصه عن حباشة ما يفيد بوصول رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه السوق، مستندا بما ذكره عبدالرزاق عن عمر عن الزهري قال: (لما استوى رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ أشده، وليس له كثير من المال استأجرته خديجة على سوق حباشة، وهو سوق بتهامة، واستأجرت معه رجلاً من قريش). وعن الأعلام العرب الذين شهدوا سوق حباشة يقول الرزقي: «من الأعلام الذين شهدوا سوق حباشة الشنفرى، وهو ثابت بن أوس الأزدي صاحب لامية العرب، وقد أورد صاحب كتاب الأغاني ما نصه من قول رجل (تركت الشنفرى بسوق حباشة)، ومن العصر الجاهلي مضاض الجرهمي آخر ملوك الجراهمة، وكثير عزة الذي رثى خندق الأسدي الذي دفن ببطن قنونا.