تسارعت وتيرة إعادة رسم خريطة التكتلات والتحالفات السياسية المصرية في محاولة من جانب التيارات المدنية والليبرالية، لتوجد لها مكاناً تحت مظلة مجلس الشعب القادم، الذي من المقرر أن تجرى انتخاباته نهاية العام الحالي، وتحديداً مع انتهاء الاستفتاء الشعبي على دستور مصر الجديد الذي تعكف لجنته التأسيسية على صياغته. وتتجه بوصلة أهل السياسة إلى التسلح بسلاح التكتلات الانتخابية في محاولة منها لمواجهة تصاعد هيمنة ونفوذ الإسلاميين على المشهد السياسي المصري منذ ثورة 25 يناير 2011 والتي أطاحت بنظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك الذي يقضي عقوبة السجن المؤبد بمستشفى سجن مزرعة طرة. فرصة تاريخية ويقول الدكتور عماد جاد، النائب السابق والباحث في مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام والقيادي البارز بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، إن "الأحزاب المدنية أمامها فرصة تاريخية لإعادة التوازن إلى الحياة السياسية المصرية، ولإنقاذ مصر من الوقوع تحت هيمنة قوى الإسلام السياسي من جديد، وهو الأمر الذي بات يمثل خطراً شديداً على مستقبل مصر. فقوى الإسلام السياسي اليوم تسيطر على منصب الرئيس، ومعها الحكومة، وإذا ما حصدت غالبية مقاعد البرلمان تكون بذلك قد سيطرت على مواقع السلطة الثلاثة من تشريعية وتنفيذية وقضائية، وهنا يمكن أن تقوم بما تريد القيام به من تغيير في هوية البلد وبنيته القانونية على النحو الذي تريده". ويضيف جاد: "إذا تحقق ذلك، فإنه من المتوقع أن تحدث تغيرات جوهرية في طريقة حياة المصريين، وربما تركيبة سكان مصر وتوجهاتها الإقليمية والدولية، من هنا أمام الأحزاب والقوى المدنية فرصة تاريخية وأخيرة، لإعادة التوازن إلى الحياة السياسية في مصر والحفاظ على هوية البلاد واستمرارية مصر كدولة مدنية حديثة معتدلة وسطية، وهذه الفرصة تتطلب تعاون القوى السياسية المدنية، وخوض الانتخابات المقبلة التشريعية والمحلية، بقائمة انتخابية واحدة، وأن تتوحد تحت مظلة واحدة حتى تتمكن من مواجهة تيار الإسلام السياسي الذي يسعى جاهداً لإزاحة التيار الليبرالي من الساحة السياسية، وبالتالي ليس هناك بديل عن تشكيل جبهة واحدة في مواجهة التيار الإسلامي". مشهد مأساوي ويرى الفقيه الدستوري الدكتور إبراهيم درويش أن المشهد المأساوي للواقع السياسي المصري المتمثل في سيطرة جماعة الإخوان المسلمين على مقاليد الأمور في مصر وسيطرتها على مفاصل الدولة والهيمنة والاستحواذ على الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور وامتلاك الرئيس مرسي السلطتين التشريعية والتنفيذية، كل هذه المقدمات تؤكد أنه تمت إعادة النظام السابق واستنساخه بشكل أكثر ديكتاتورية، بل إن الوضع المصري الآن أسوأ مما كان عليه في عهد مبارك، وهنا تبرز أهمية توحد القوى المدنية تحت مظلة واحدة حتى تستطيع مواجهة قوى السلام السياسي. ويضيف درويش أن "هذا الأمر لم يعد من الرفاهية حتى يتم التعامل بهذا التباطؤ، بل هو ضرورة حتمية لإنقاذ الدولة المصرية من الوقوع في براثن الإخوان المسلمين بالكامل، ومن هنا تبرز أهمية هذا التعاون والاتحاد بين القوى المدنية حتى تستطيع مواجهة أطماع التحالف الإخواني في الانتخابات القادمة، حيث يريد هذا التحالف الاستحواذ على البرلمان وتكرار المسرحيات الهزلية التي كانت تعرض في البرلمان المنحل والتي قدم فيها تيار الإسلام السياسي مثالاً حياً على الانتهازية والسعي إلى تحقيق مصالح خاصة على حساب المصالح العليا للدولة المصرية التي توشك على الانهيار الكامل بسبب هذه الممارسات، وأعتقد أن الحل الوحيد هو التكتل أو التوحد الوطني للقوى المدنية والليبرالية في جبهة واحدة تتآلف مع بعضها لمواجهة التيار الديني بما يشمله من جماعات إسلامية أو أحزاب ذات مرجعية دينية". شركة محاصصة ويقول الناشط السياسي المهندس ممدوح حمزة: "منذ أول 10 أيام في الثورة إياكم والأحزاب، طالبت من اسموهم بالنخب بتشجيع الناس على الانضمام إلى الأحزاب الموجودة، فاليمين يدخل الوفد واليسار يدخل التجمع، وهكذا، أما ما يحدث الآن فهو أشبه بما حدث قبل ذلك في إسبانيا عندما تكون 140 حزبا في عدة أيام، ثم انتهى الأمر الآن إلى أربعة أحزاب، وقد قلت هذا الرأي في مؤتمر مصر الأول الذي دعوت إليه وشارك فيه 30 حزبا و180 حركة ثورية، ولكن بعدها خذلني الجميع وتهافتوا على تأسيس الأحزاب دون أن تكون هناك وجهة نظر محددة تحدد الهدف من تأسيس الحزب أو تحدد أطر اختلافاته الفكرية عن الأحزاب القائمة بالفعل، والآن يحاولون التجمع، وللأسف لا أرى أنهم سيخرجون من هذا التكوين بعصب قوي". ويرجع حمزة ذلك إلى أن "أصحاب تلك التكتلات يسعون إلى مواجهة الإخوان الذين يتميزون بتنظيم يقوم على السمع والطاعة والتسلسل في الأوامر، ثم الأموال الطائلة التي تنفق على التنظيم في الداخل والخارج، وتقويها بالغطاء الدولي بمساندة أميركا، وللأسف كل الأحزاب الموجودة حاليا ليس لديها القدرة على ذلك، فهذا يتطلب وجود حركة وطنية جديدة بتنظيم محترم يساعده رجال أعمال وطنيون بالعمل وليس بالكلام، ففي الانتخابات السابقة حاولت جاهداً توفير الدعم المالي اللازم لدعم شباب الثورة في الانتخابات، وللأسف كثير من رجال الأعمال وعدوا بتقديم المساعدة، ثم أخلفوا وعودهم بعد ذلك، وبالنسبة للتحالفات التي دعا لها عمرو موسى وحمدين صباحي والدكتور محمد البرادعي، فأخشى أن تكون التحالفات في يوم ما أكبر من عدد الأحزاب نفسها، ولذلك عرضت على حمدين صباحي وجورج إسحق وأسامة الغزالي وعبدالله السناوي مشروعا من ثلاثة عناصر". وأضاف: "يتضمن المشروع أن يكون هناك مجمع انتخابي يضم قوي وطنية، لا حزبية فيه، وتكوين شركة محاصصة بهدف جمع 500 مليون جنيه تستهدف 500 مقعد في مجلس الشعب، وأن يشارك فيها من يؤمنون بفكرة الدولة المدنية، وهذا هو الحل الذي أراه منطقيا، فأنا أرفض الأحزاب، وأرى أن الحزب يأتي بعد تحقيق أهداف الثورة، فلا بد من أن يكون لدينا كيان واحد في الانتخابات لمواجهة كيان قائم هو الإخوان، وأعتقد أن الأفضل أن يكون بزعامة الوفد، ولكن هناك من يقول إن الوفد يرفض أصلاً إعادة الانتخابات". خريطة التحالفات وتنقسم خريطة التحالفات السياسية إلى تيارين رئيسيين تبعاً للتوجهات السياسية التي تجمع تحت مظلتها القوى التي تؤمن بأفكار سياسية متقاربة، وتنقسم تلك التحالفات على النحو التالي: أولاً: التيار الشعبي المصري يضم تحالف التيار الشعبي المصري القوى ذات التوجهات الناصرية والقومية، ويقوده المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، وحسب تصريحات صباحي فإن "التيار هو إطار يعبر عن كتلة شعبية ثورية مدنية، وتنظيم لقوى المجتمع يقدم طريقا وطنيا جديدا للمصريين، ويتجنب الاستقطاب الحاد المهدد للوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي، ويرفض خيارات الاستبداد تحت أي مسمى، ويؤكد ضرورة السعي للوصول إلى السلطة عن طريق صندوق الانتخابات". ويضيف صباحي في تصريحات إلى "الوطن""، أن "للتيار الشعبي المصري، دورا وبعدا اجتماعيا وأهليا وتنمويا، ويستهدف جمع قوى اليسار ويسار الوسط في جبهة سياسية، وسيتم ذلك عبر بناء مؤسسات اقتصادية وأهلية تشتبك مع كل قضايا المواطن وهمومه اليومية، وتقديم نموذج لمشروعات وخدمات تربط التيار بأوسع قطاعات من المجتمع، والتيار ليس طرحا معاديا أو في خصومة مع الدين، وهو الوتر الذي يعلم مؤسسو التيار أن البعض سيستسيغ العزف عليه هجوما على التيار، فالتيار الشعبي المصري يؤمن بدور الدين والقيم الروحية، ويقدم فهما واعيا مستنيرا معتدلا للدين الذي يدعو إلى الحرية والعدل والمساواة والتقدم والمحبة، كما يؤمن بدور القوات المسلحة في الدفاع عن الوطن واستقلال أراضيه وحماية أمنه الوطني والقومي، ويرفض أي إقحام للجيش في الشؤون السياسية والحزبية. وأهداف التيار الشعبي هي، أولا: إقامة نظام سياسي ديموقراطي في إطار دولة وطنية مدنية ديموقراطية حديثة، تجسد مبدأ السيادة للشعب وأنه مصدر كل السلطات، يقوم على دستور جديد يصون الحريات العامة، ويحقق الفصل بين السلطات، ويعيد بناء مؤسسات الدولة، ويحفظ استقلال القضاء وحرية الإعلام والصحافة والإبداع والتفكير والعقيدة، ويساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات، ويقيم دولة القانون والمؤسسات، كما أنه يقدم عدالة اجتماعية تقوم على تحول اجتماعي جذري، أساسه مشروع للتنمية الشاملة المستقلة، يضمن تكافؤ الفرص وكفاية الإنتاج وعدالة التوزيع، ويوفر كرامة إنسانية يحميها استقلال وطني يستعيد مكانة مصر ودورها القائد لأمتها العربية والرائد لقارتها الإفريقية". وإلى جوار التيار الشعبي المصري، برز تحالف آخر يضم عدداً من القوى اليسارية التي أعلنت فعلياً عن تشكيل "جبهة ثورية موحدة " تضم كلاً من الحزب الاشتراكي المصري والتحالف الشعبي والتجمع والجبهة الديمقراطية الشعبية، ويستهدف هذا التحالف بالأساس التصدي لهيمنة الإخوان وتحقيق العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية لكل المصريين، إضافة إلى التأكيد على إعادة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين. ثانياً: المؤتمر المصري: يضم "المؤتمر المصري" 13 حزباً مدنياً اتفقوا مبدئياً على الاندماج في حزب واحد، وذلك تطويراً لفكرة تحالف الأمة المصرية الذي أعلن عنه عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية والمرشح الرئاسي السابق، من بين أهم تلك الأحزاب حزب غد الثورة الذي يرأسه الدكتور أيمن نور وحزب الجبهة برئاسة السعيد كامل. وحسب ما يقوله موسى فإن "التحالف يهدف إلى الحفاظ على تجانس المجتمع المصري، وحماية وتماسك الجبهة الداخلية كسبيل لحماية الأمن القومي المصري، وتوحيد قوى المعارضة في مصر داخل كيان واحد، وإعداد استراتيجيات لمسارات العمل الوطني في جميع المجالات، والعمل على وضع دستور يكفل بناء الدولة المدنية الجديدة على أساس نظام ديمقراطي يتضمن المبادئ والحقوق والحريات الأساسية، والتواصل مع التيار الشعبي الذي يقوده حمدين صباحي من أجل عمل تحالف سياسي أو اندماج بين التحالفين، وتشكيل عدة لجان مختلفة لمتابعة تطورات الوضع الراهن في مصر، أولها لجنة لمتابعة الدستور، وأخرى لمتابعة قانون الانتخابات، ولجنة للتنسيق مع الأحزاب المدنية في الانتخابات البرلمانية القادمة". 9 مبادئ ويقوم التحالف على مبادئ تسعة تضمنتها الوثيقة الأساسية لعملية الاندماج، وفي مقدمتها الالتزام بالديموقراطية القائمة على المساواة التامة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، إضافة إلى حماية مؤسسات الدولة الرئيسية من محاولات الاختراق والتغلغل من بعض التيارات السياسية أو محاولة توجيهها في اتجاه فصيل أو تيار معين، والإيمان بضرورة كفالة الحرية والكرامة والعدالة لجميع المواطنين، والدعوة لقيام الاقتصاد الوطني على أسس من المنافسة الشريفة وحماية حقوق المستهلك ونبذ الاحتكار، وتأكيد مسؤولية الدولة عن تأمين الفرصة لجميع المواطنين، وضرورة احترام الأجيال من المواطنين في التعبير ومباشرة حقوقهم، وإدراك حجم المرأة كشريك فاعل والإيمان بالبحث العلمي، ومناهضة كل صور التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية. ويسعى التحالف إلى الحصول على دعم الأقباط والصوفيين معتمداً في ذلك على ما أعلنه أمير رمزي الأمين العام للرابطة المصرية من أنه "تم تشكيل تحالف صوفي– قبطي لمواجهة الإسلاميين في الانتخابات البرلمانية المقبلة، وذلك بهدف عدم تفتيت أصوات الأقباط والصوفيين، وخوض الانتخابات المقبلة على قوائم أحد الأحزاب الليبرالية الموجودة على الساحة لتمثيل الوسطية في مجلس الشعب المقبل"، وهو نفس ما أكده الشيخ محمد علاء أبو العزايم، شيخ الطريقة العزمية، مضيفاً أن "الهدف هو عدم تشتيت أصوات الأقباط والصوفية خلال الانتخابات البرلمانية المقبلة لتوحيد التحالفات المدنية ضد التيارات الإسلامية، وأن يكون خوض الانتخابات البرلمانية القادمة على القوائم التي تنادي بمدنية الدولة لدعمها بعناصر مؤمنة بالاعتدال والوسطية".