سيُمثِّل انتخاب مجلس الشعب الجديد اختباراً صعباً أمام كل أطراف اللعبة السياسية في مصر، وأول تحدٍّ لمدى قدرة الرئيس محمد مرسي وحكومته، على إدارة عملية انتخابية نزيهة وشفافة، وسيكون استصدار مرسي لقانون ينظم العملية الانتخابية كاشفاً لهذا التحدي. وستكون جماعة «الإخوان المسلمين» أمام تحدِّي البقاء في صدارة المشهد، فهي كشفت عبر مصادر قيادية ل»الحياة» أنها ستنافس على كل المقاعد البرلمانية، وأنها ستسعى إلى نيل غالبية مريحة، ويبدو أنها ترغب في عدم عرقلة غالبية من خارج التيار قرارات الرئيس «الإخواني» لكن تأمين هدفها لم يعد سهلاً مثلما كان في الانتخابات الماضية، إذ أنها مطالبة بتغيير خطابها الدعائي للجماهير، فما كان يحقق الهدف وهي في صفوف المعارضة لم يعد ينفع وهي في السلطة، كما أنها مطالبة بتقديم مزيد من الخدمات للناخب لتأمين صوته، لا الاكتفاء بمنافذ لبيع المنتجات الغذائية بأسعار زهيدة، ما يصطدم بتدهور الاقتصاد المصري. وستكون قرارات الرئيس وسياسات حكومته في الفترة المقبلة مؤثرة في طريق الجماعة للسيطرة على مقاليد البرلمان. في المقابل، ستمثل الانتخابات المقبلة اختباراً للقوى والأحزاب الليبرالية واليسارية، فتحقيق نتائج هزيلة لهذا التيار سيمثل ضربة قاصمة، وسيعني غيابه عن المشهد السياسي لأربع سنوات مقبلة، وعلى ما يبدو أن من يطلقون على أنفسهم «القوى المدنية» أدركوا ذلك التحدي، فكثفوا من محادثاتهم في الأيام الأخيرة لتشكيل تحالفات في مواجهة ما أسموه «سيطرة الإخوان على مفاصل الدولة»، لكن الظاهر أيضاً أن تلك التحالفات تبقي حبيسة طموح «الزعامة» لدى بعض الأطراف، وتغليب مصالح حزبية على تحقيق الهدف، وهو ما يصب في النهاية في مصلحة منافسين. وبعيداً من صراع القوى الإسلامية والليبرالية واليسارية، يأتي شباب الثورة الذين خرجوا «خالي الوفاض» من نتائج ثورة أشعلوا فتيلها، فالتحدي أمامهم يكمن في كيفية الانخراط بسرعة داخل أحزاب سياسية، إضافة إلى الانخراط بين الجماهير، لضمان استعادة شعبيتهم في الشارع بعد اهتزازها خلال فترة حكم المجلس العسكري. وأدرك شباب الثورة أن التفتت والتشرذم لن يحقق لهم ما نزلوا إلى الشوارع ليطالبوا به، فانخرط بعض قادتهم في أحزاب لاسيما «حزب الدستور» الذي يقوده المعارض البارز محمد البرادعي. وإذا كان المعلن عن التحالفات الانتخابية بين»القوى المدنية» أنها تهدف إلى مجابهة سيطرة جماعة «الإخوان المسلمين»، غير أن الليبراليين واليساريين لم يستوعبوا دروس الماضي، وأن تحالفاتهم الانتخابية ستتصادم في مواجهة بعضهم بعضاً، ما يسمح بتفتيت الأصوات، الأمر الذي سيصب في النهاية في مصلحة «الإسلاميين» الأكثر تنظيماً، فالمرشح السابق حمدين صباحي أطلق تحالفاً منفرداً سماه «التيار الشعبي»، وأعلن أنه سينافس في الانتخابات البرلمانية، فيما يقود حزب الدستور تحالفاً آخر أطلق عليه «التيار الثالث»، وأخيراً دعا حزب «الوفد» إلى تحالف أسماه «الأمة المصرية»، وتنتظر الساحة السياسية خلال الأيام المقبلة مزيداً من التحالفات. وفي مواجهة هذا بدأت جماعة «الإخوان المسلمين» الاستعداد للانتخابات التي لم يعلن موعدها بعد لكن يُتوقع لها مطلع السنة المقبلة بعد الاستفتاء على الدستور. وكشفت ل»الحياة» مصادر قيادية في «الإخوان» عن إمكانية التحالف مع بعض الأحزاب الصغيرة والدفع بشخصيات عامة وسياسية في بعض المقاعد. وفي حال حصول الجماعة على غالبية ستسعى إلى تشكيل حكومة منفردة، لاسيما بعد النص في الدستور على أن حزب الغالبية يُشكل الحكومة. وكان رئيس حزب «الوفد» السيد البدوي أعلن عن مشاورات يجريها مع قوى وطنية لتدشين «تحالف الأمة المصرية»، الذي سيضم 50 شخصية عامة، في حين سيتم إعلان المبادئ الخاصة به الخميس المقبل. وأوضح أن التحالف يهدف إلى التأكيد على مدنية الدولة وأن الإسلام دينها، كما يؤكد الاحتكام لمبادئ الشريعة الإسلامية مع الإيمان بكل القيم الروحية للأديان السماوية، كما يؤكد المواطنة وأنه لا تفريق بين المواطنين على أساس الدين أو الجنس أو العرق، واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون واحترام حرية الصحافة واستقلال القضاء. وأوضح حسام الخولي المتحدث باسم حزب «الوفد» أن التحالف سيضم قوى مختلفة أيديولوجية لكنها مجمعة على مدنية الدولة، مؤكداً أن هذا التحالف بعيد من التيار الإسلامي ولن يسعى إلى ضم أحد من رموز التيار الإسلامي إليه، مبرراً ذلك بأن الأحزاب الإسلامية حاليًا تمثل السلطة، في حين سيمثل التحالف الشعبي المصري جانب المعارضة. ولفت إلى أن التحالف سيضم بالإضافة إلى أحزاب سياسية شخصيات عامة مثل عمرو موسى وأستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة الدكتور مصطفى الفقي. وتعهد حمدين صباحي، بالسعي «لجمع التيارات السياسية والحركات الثورية للعمل معاً ضد الحزب الحاكم في الانتخابات المقبلة من محليات وبرلمانية ورئاسية»، وأنه مصرٌّ على السعي لتوحيد كل القوى السياسية والوطنية المصرية في جبهة واحدة أو حزب واحد، معتبراً أن المرحلة ليست للنخب فقط بل للشباب دور كبير فيها. وقال صباحي «إن التيار الشعبي جزء مهم من الشعب المصري، وهناك فئة وهي الأهم التي لم ترد الاشتراك في حزب آخر أنصحهم بالانضمام إلى التيار الشعبي، إلى جانب المؤمنين بالوطنية»، وشنَّ صباحي هجوماً على جماعة «الإخوان المسلمين»، معتبراً أنهم «يقفون ضد إرادة الشعب المصري، وليس الشعب هو من يقف ضد الإخوان؛ لذلك سياسة الإخوان لن تستمر مع غالبية الشعب المصري»، وأنه يعارض الإخوان تماماً لأن نجاحهم جاء من المستعطفين من شعب مصر ولا يستطيعون بناء حرية، ولا عدالة اجتماعية، ولا تقدماً واضحاً للبلاد، كما وصف جماعة الإخوان بأنها تميز نفسها عن بقية المواطنين، وكأنهم فصيلة نادرة في مصر.