تصدر وزارة المالية البيان التمهيدي للميزانية العامة للدولة للعام المالي 2024م بصفته أحد عناصر سياسة الحكومة في إعداد الميزانية العامة ووضعها في إطار مالي واقتصادي شامل على المدى المتوسط، وتعزيز الشفافية والإفصاح المالي، والتخطيط المالي لعدة أعوام. وقالت الوزارة في التقرير التفصيلي الذي أصدرته مع إعلان البيان التمهيدي، يهدف هذا البيان إلى إطلاع المواطنين والمهتمين والمحللين على أهم التطورات الاقتصادية المحلية والدولية التي تؤثر في إعداد ميزانية العام القادم، وأهم المؤشرات المالية والاقتصادية الأولية لعام 2024م وعلى المدى المتوسط. كما يستعرض البيان أبرز المخاطر المالية والاقتصادية، بالإضافة إلى أهم الاستراتيجيات والمشاريع المخطط لتنفيذها خلال العام المالي القادم والمدى المتوسط في إطار مستهدفات رؤية السعودية 2030. وتجدر الإشارة إلى أن الميزانية تعتمد في الربع الرابع من كل عام، وقد تتضمن تعديلات على ما ورد في هذا البيان في ضوء ما قد يستجد من تطورات مالية واقتصادية. وكشف الملخص التنفيذي، بأن الاقتصاد العالمي يشهد استمرار الموجة التضخمية، مما دفع العديد من البنوك المركزية - خاصة في الدول المتقدمة - إلى تشديد سياساتها النقدية، إضافة إلى استمرار تحديات سلاسل الإمداد والتوترات الجيوسياسية، مما جعل توقعات العديد من المنظمات والمؤسسات الدولية لنمو الاقتصاد العالمي للعامين الحالي والقادم، تستمر في كونها أقل من متوسط النمو لفترة ما قبل جائحة كوفيد -19. وعلى الصعيد المحلي تسعى حكومة المملكة العربية السعودية إلى دعم النمو الاقتصادي عبر تنفيذ مجموعة من المشروعات التنموية والاستراتيجيات القطاعية والمناطقية تحت مظلة رؤية السعودية 2030، لذا تعمل الحكومة على التوسع في الإنفاق الحكومي ذي الطبيعة التحولية مع المحافظة على الاستدامة المالية على المديين المتوسط والطويل. وقد ساهمت الإصلاحات الهيكلية والمالية الاستباقية في تعزيز قدرة اقتصاد المملكة على مواجهة التحديات والتطورات الاقتصادية العالمية، حيث يظهر ذلك جليًا في الأداء الإيجابي للمؤشرات الاقتصادية التي تدل على مواصلة تحقيق معدلات نمو في الناتج المحلي الإجمالي وتحسن أداء القطاع غير النفطي وزيادة أعداد المشتغلين واحتواء معدلات التضخم مقارنة بالمعدلات العالمية والانخفاض المستمر لمعدل البطالة. مع مواصلة السير نحو تحقيق أهداف برنامج الاستدامة المالية بتوجيه الإنفاق التوسعي لتسريع تنفيذ البرامج والمشاريع الكبرى والاستراتيجيات القطاعية والمناطقية بما يدعم نمو الناتج المحلي وجذب الاستثمارات وتحفيز الأنشطة الاقتصادية والنمو في خلق الوظائف. كما استمر العمل على تطوير أداء المالية العامة للمملكة عبر زيادة المساحة المالية وبناء الاحتياطيات الحكومية والمحافظة على مستويات مستدامة من الدين العام. ويمكن تلخيص الوضع المالي والاقتصادي في الآتي: من المتوقع استمرار المحافظة على معدلات إيجابية للنمو الاقتصادي في 2023، وعلى المدى المتوسط، نتيجة الإصلاحات الهيكلية وتنفيذ الاستراتيجيات القطاعية والمناطقية ضمن رؤية السعودية 2030. وبالنظر إلى توقعات كامل عام 2023م فمن المتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نموًا بنسبة 0.03 % مدعومًا بنمو الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية الذي من المتوقع أن يحقق نموا بمعدل 5.9 % في ظل الأداء الإيجابي لكل من المؤشرات الاقتصادية والاستراتيجيات والبرامج المنفذة لتعزيز السياحة وجذب الاستثمارات في المملكة خلال النصف الأول من العام الحالي. احتواء ارتفاع الأسعار وتشير التوقعات الأولية إلى أن معدل التضخم لكامل عام 2023م من المتوقع أن يسجل ارتفاعًا بحوالي 2.6 %، كما تشير التقديرات إلى استمرار بقاء معدلات التضخم عند مستويات مقبولة على المدى المتوسط، وذلك بفضل التدابير الاستباقية والسياسات التي اتخذتها الحكومة لاحتواء ارتفاع الأسعار، ووضع سقف لأسعار البنزين والتأكد من وفرة المخزون الغذائي إلى جانب دعم برامج الحماية الاجتماعية. وفي ضوء التقدم نحو تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030، تستمر الحكومة في عملية تنمية وتنويع اقتصادها والرفع من معدلات النمو الاقتصادي المستدام مع الحفاظ على الاستدامة المالية، وذلك عبر إطلاق العديد من المبادرات والاستراتيجيات الرامية إلى تطوير القطاعات الاقتصادية الواعدة، وجذب الاستثمارات، وتحفيز الصناعات ورفع نسبة المحتوى المحلي والصادرات السعودية غير النفطية، إضافة إلى انتعاش وازدهار كل من قطاع السياحة والترفيه، ويأتي ضمن ذلك الدور الفاعل والمهم لصندوق الاستثمارات العامة، والصناديق التنموية الداعمة لتعزيز نمو الأنشطة غير النفطية بمعدلات مرتفعة ومستدامة على المدى المتوسط. وتشير التقديرات الأولية إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 4.4 % لعام 2024م، مدعومًا بنمو الناتج المحلي للأنشطة غير النفطية في ظل توقع استمرار القطاع الخاص في قيادة النمو الاقتصادي، والمساهمة في زيادة الوظائف في سوق العمل، بالإضافة إلى تحسن الميزان التجاري للمملكة، والاستمرار في تنفيذ برامج ومبادرات تحقيق رؤية السعودية 2030 والاستراتيجيات القطاعية والمناطقية. وتأتي التوقعات الإيجابية للاقتصاد السعودي امتدادا للتطورات الإيجابية للأداء الفعلي للاقتصاد منذ بداية العام2021م. ومن المقدر أن يؤدي الانتعاش الملحوظ والمتوقع في اقتصاد المملكة إلى تطورات إيجابية في الإيرادات على المدى المتوسط. فمن المقدر أن يبلغ إجمالي الإيرادات لعام 2024م حوالي 1,172 مليار ريال وصولا إلى حوالي 1,259 مليار ريال في عام 2026م. وتسعى الحكومة إلى مواصلة التقدم في مسيرة الإصلاحات الهيكلية والاقتصادية بوتيرة أعلى، وذلك بهدف تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030، إذ ينعكس ذلك على ميزانية العام المالي 2024م وعلى المدى المتوسط، حيث تستهدف الحكومة التوسع في الإنفاق الاستراتيجي على المستويين القطاعي والمناطقي بهدف دعم وتنويع القاعدة الاقتصادية، بالإضافة إلى الحرص على رفع مستوى جودة حياة المواطنين والمقيمين بتطوير وتحسين الخدمات العامة، مع الاستمرار في رفع كفاءة الإنفاق وفاعليته للمحافظة على المكتسبات المالية والاقتصادية. وعليه، فمن المقدر أن يبلغ إجمالي النفقات حوالي 1,251 مليار ريال في العام المالي 2024م وأن يصل الإنفاق الحكومي إلى حوالي 1,368 مليار ريال في عام 2026م. وتستمر حكومة المملكة في استكمال تنفيذ المبادرات والإصلاحات الهيكلية على الجانبين الاقتصادي والمالي في ظل رؤية السعودية 2030، ومنها تطوير سياسات المالية العامة بما يساهم في تحقيق الاستقرار والاستدامة للميزانية العامة للدولة وتبني الحكومة لسياسات الإنفاق التوسعي الداعم للنمو الاقتصادي، ويتوقع أن تسجل ميزانية العام 2024م عجزًا بنحو 1.9 % من الناتج المحلي الإجمالي. وستستمر الحكومة في تلبية الاحتياجات التمويلية وفقًا لخطة الاقتراض السنوية المعتمدة لتمويل العجز المتوقع في الميزانية ولسداد أصل الدين المستحق في العام 2024م، والاستمرار كذلك بالبحث عن الفرص المتاحة حسب أوضاع السوق لتنفيذ عمليات تمويلية إضافية بشكل استباقي لسداد مستحقات أصل الدين للأعوام القادمة، وتمويل بعض المشاريع الاستراتيجية، بالإضافة إلى استغلال فرص الأسواق لتنفيذ عمليات التمويل الحكومي البديل التي من شأنها تعزيز النمو الاقتصادي مثل تمويل المشاريع الرأسمالية والبنية التحتية، وذلك بهدف تنويع قنوات التمويل للحفاظ على كفاءة الأسواق وتعزيز عمقها. كما تهدف ميزانية العام 2024م إلى تقوية المركز المالي للحكومة من خلال الحفاظ على مستويات آمنة من الاحتياطيات الحكومية لتعزيز قدرة المملكة على التعامل مع الصدمات الخارجية. تباطؤ اقتصادات العالم وحول تقديرات المؤشرات الاقتصادية للعام 2024م والمدى المتوسط، وفي النمو الاقتصادي العالمي، تشهد اقتصادات بعض الدول حول العالم تباطؤاً في مرحلة التعافي، واستمرارا لحالة عدم اليقين المسيطرة على آفاق الاقتصاد العالمي منذ بداية عام 2022م، مع استمرار معظم البنوك المركزية في تشديد السياسة النقدية لكبح جماح معدلات التضخم المرتفعة التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة في الكثير من دول العالم، بالإضافة إلى اضطراب النظام المالي العالمي واستمرار الأحداث والتقلبات الجيوسياسية. وعليه، يتوقع صندوق النقد الدولي تباطؤًا في نموا الاقتصاد العالمي وفقًا لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي لشهر يوليو 2023م حيث يتوقع في عامي 2023م و2024م تحقيق نمو بنحو 3.0 %، مقارنة بنمو أعلى في عام 2022م بحوالي 3.5 %، بالإضافة إلى أن معدل النمو لعامي 2023م و2024م ما زال أقل بكثير من متوسط معدل نمو العقدين السابقين لجائحة كوفيد -19. ويتوقع الصندوق تباطؤ النمو في اقتصادات الدول المتقدمة من 2.7 % في عام 2022م إلى 1.5 % لعام 2023م بسبب تباطؤ إجمالي تكوين رأس المال الثابت والإنتاج الصناعي، مع بقاء النمو عند 1.4 % لعام 2024م، بالإضافة إلى تباطؤ النمو في منطقة اليورو ليصل إلى 0.9 % في عام 2023م و1.5 % لعام 2024م نتيجة استمرار الارتفاع في أسعار الطاقة جراء الأزمة الروسية - الأوكرانية. بينما لا تزال التوقعات تشير إلى استقرار النمو في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية عند 4.0 %، و4.1 % لعامي 2023 و2024 على التوالي مقارنة بنمو4.0 % حقق في عام2022م. وشهدت معدلات التضخم العالمي انخفاضًا نسبيًا واستقرارًا طفيفًا في أسعار السلع الأساسية منذ بداية العام 2023م، حيث تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى تراجع معدل التضخم العالمي من 8.7 % في عام 2022م ليصل إلى 6.8 % في عام 2023م وإلى 5.2 % في عام 2024م، كما يتوقع الصندوق تراجع معدل التضخم ليصل إلى نحو 2.8 % في اقتصادات الدول المتقدمة و6.8 % في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية لعام 2024م. كما أشار البنك الدولي في تقريره عن الاقتصاد العالمي الصادر في يونيو 2023م إلى أنه من المتوقع أن يتباطأ النمو العالمي من 3.1 % عام 2022م إلى 2.1 % و2.4 % لعامي 2023م و2024م على التوالي، ويعزى ذلك إلى استمرار الأزمة الروسية - الأوكرانية، وتقييد الائتمان العالمي بشكل متزايد، في ظل سياسة التشديد النقدي المتبعة من معظم البنوك المركزية، وخاصًة في الدول المتقدمة. ارتفاع البترول وعند النظر لأسواق البترول فقد انخفض متوسط أسعار العقود الآجلة لخام برنت منذ بداية العام وحتى شهر أغسطس من العام 2023م بنسبة 22.2 % ليسجل المتوسط حوالي 80.8 دولارا للبرميل مقابل 103.8 دولارات للبرميل خلال الفترة نفسها من العام السابق. كما سجلت الأسعار ارتفاعًا في شهر سبتمبر لتتجاوز مستويات 95 دولارا للبرميل، ويعزى التذبذب في أسعار البترول خلال العام 2023م إلى تباطؤ النمو العالمي الناتج عن ارتفاع معدلات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة. ولدعم استقرار وتوازن أسواق البترول ورفع كفاءتها بتعزيز الجهود الاحترازية؛ خفضت المملكة ودول أوبك+ إمدادات البترول، إذ انخفض متوسط إمدادات المملكة منذ بداية العام 2023م حتى نهاية شهر أغسطس بنسبة 5.22 % ليصل إلى حوالي 9.96 ملايين برميل يوميًا، بتراجع مقداره 548 ألف برميل يوميًا. حيث أعلنت المملكة عن خفض طوعي بمقدار 500 ألف برميل يوميًا من بداية شهر مايو حتى نهاية العام 2023، وتم تمديدها لاحقًا حتى نهاية العام 2024. كما أعلنت المملكة عن خفض طوعي إضافي بمقدار مليون برميل يوميًا، ابتداًء من شهر يوليو2023، وتم تمديده بعد ذلك حتى نهاية العام. وقدرت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) إجمالي نمو الطلب العالمي للبترول لعام 2023م بنسبة مقدارها 2.4 % مقارنة بالعام السابق ليصل الطلب العالمي للبترول إلى حوالي 102.1 مليون برميل يوميًا. كما قدر ارتفاع الطلب بحوالي 2.2 % لعام 2024، مقارنة بعام2023، ليصل إلى 104.3 ملايين برميل يوميًا. وبحسب بيانات أوبك الأولية الصادرة في تقرير سبتمبر من العام 2023، فقد شهد هذا العام ارتفاعًا للطلب بمقدار 2.3 مليون برميل يوميًا، متوافقًا مع التقديرات السابقة وذلك نتيجة لارتفاع الطلب لبعض الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ويعزى ذلك الارتفاع إلى التعافي الاقتصادي في تلك الدول وارتفاع الطلب على المنتجات البترولية في قطاعي النقل والصناعة.