خفض صندوق النقد الدولي، في أحدث تقاريره الصادرة بعنوان آفاق الاقتصاد العالمي، توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي للعام 2024، بمقدار 10 نقاط أساس ليصل إلى 2.9 في المائة مقابل توقعاته الصادرة في يوليو 2023، في حين أبقى توقعاته الخاصة بالعام 2023 دون تغيير، متوقعاً أن يتم تسجيل نمواً بنسبة 3.0 في المائة. ويعكس خفض توقعات العام المقبل مراجعات هبوطية لتوقعات النمو الخاصة بمنطقة اليورو والصين ومنطقة جنوب الصحراء الكبرى الإفريقية، وهو الأمر الذي قابله رفع التوقعات الخاصة بالولاياتالمتحدة ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وسلط صندوق النقد الدولي الضوء على التأثيرات الناجمة عن تضخم قطاع الخدمات وتشديد السياسات النقدية وأسعار الطاقة، مما أدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادي هذا العام مقارنة بالعام الماضي. وتم خفض توقعات نمو الاقتصاد الصيني بما يعكس بصفة رئيسية تأثير تباطؤ السوق العقاري في البلاد بالإضافة إلى انخفاض ثقة المستهلك، على الرغم من تطبيق العديد من التدابير التي كانت موضع ترحيب مؤخراً وتم الإعلان عنها هذا الأسبوع، والتي من المتوقع أن تعزز النمو الاقتصادي. كما تم خفض توقعات النمو الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للعام 2023 إلى 2.0 في المائة فيما يعزى بصفة رئيسة إلى خفض توقعات نمو اقتصاد السعودية بمقدار 110 نقاط أساس إلى 0.8 في المائة، وكذلك لمصدري النفط الآخرين، وأدى قرار منتجي الأوبك وحلفائها تقليص حصص الإنتاج إلى خفض آفاق النمو الخاصة بتلك الدول، إلا أن آفاق نمو منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تم رفعها للعام المقبل إلى 3.4 في المائة وبالنسبة لاقتصاد المملكة إلى 4.0 في المائة (مراجعة تصاعدية قدرها 120 نقطة أساس) مما يعكس إلغاء جزء من خطط خفض حصص الإنتاج المعلن عنها، ورفع صندوق النقد الدولي توقعاته لسعر مزيج خام برنت إلى 80.5 دولار أميركي للبرميل للعام 2023 وإلى 79.9 دولار أميركي للبرميل للعام 2024. وأوضح صندوق النقد الدولي أن وتيرة نمو الاقتصاد العالمي قد تباطأت وما تزال معدلات النمو متفاوتة، كما يبدو أن التباين آخذ في التزايد بما يمثل تحدياً أمام العودة إلى اتجاهات فترة ما قبل الجائحة، خاصة بالنسبة للأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، وذكر الصندوق أنه من الممكن ان يتحقق سيناريو الهبوط الناعم في ظل السيطرة على التضخم دون حدوث تراجع كبير في النشاط الاقتصادي، إلا أن ضيق سوق العمل، خاصة في الاقتصادات المتقدمة حيث وصلت معدلات البطالة إلى أدنى مستوياتها تاريخياً، يتسبب في استمرار تزايد النشاط الاقتصادي، على الرغم من أن الأجور الحقيقية ظلت أقل من مستويات ما قبل الجائحة. تباطؤ نمو الاقتصادات المتقدمة ومن المتوقع أن تأتي الاقتصادات المتقدمة في الصدارة من حيث تراجع متوسط النمو السنوي في العام 2023، في ظل مواجهة نشاط الخدمات الذي يتسم بأداء أقوى للتداعيات الناجمة عن ضعف قطاع التصنيع وغيره من العوامل الأخرى غير المتوقعة، ومن المتوقع أن يظل نمو تلك الاقتصادات مستقراً في الغالب في العام 2024 قبل أن ينتعش في العام 2025. وظلت توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الاقتصادات المتقدمة دون تغيير عند 1.5 في المائة و1.4 في المائة لعامي 2023 و2024 على التوالي، من جهة أخرى، من المتوقع أن ترتفع توقعات نمو اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية إلى 4.0 في المائة لعامي 2023 و2024 (أقل بنحو 10 نقاط أساس مقارنة بتوقعات يوليو 2023). وشهدت الولاياتالمتحدة أقوى معدل تعافٍ على مستوى الاقتصادات الكبرى، إذ يتوقع أن يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للعام 2023 مستويات ما قبل الجائحة بعد رفع آفاق النمو بمقدار 30 نقطة أساس للعام 2023 لتصل إلى 2.1 في المائة، تليها مراجعة صعودية أخرى بمقدار 50 نقطة أساس إلى 1.5 في المائة في العام 2024، في المقابل، تم خفض توقعات نمو منطقة اليورو بمقدار 20 نقطة أساس إلى 0.7 في المائة في العام 2023 وبواقع 30 نقطة أساس إلى 1.2 في المائة في العام 2024. كما تم خفض توقعات نمو ألمانيا بمقدار 20 نقطة أساس، ومن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد الألماني بنسبة 0.5 في المائة في العام 2023 يليه تسجيل نمواً هامشياً بنسبة 0.9 في المائة في العام 2024 (بعد مراجعة هبوطية قدرها 40 نقطة أساس) على خلفية ضعف أداء عدد من القطاعات التي تتسم بالحساسية تجاه أسعار الفائدة، إلى جانب تباطؤ وتيرة الطلب من الشركاء التجاريين. ومن المتوقع أن يشهد اقتصاد اليابان نمواً بوتيرة أسرع بمقدار 60 نقطة أساس مقارنة بالتوقعات السابقة ليصل معدل النمو إلى 2.0 في المائة في العام 2023، في حين من المتوقع أن يظل ثابتاً عند مستوى 1.0 في المائة في العام 2024 بدعم من الطلب المكبوت، وزيادة السياحة الوافدة، والسياسات النقدية التيسيرية، وانتعاش صادرات السيارات التي كانت مقيدة في السابق بسبب المخاوف المتعلقة بسلسلة التوريد. من جهة أخرى، تم خفض توقعات نمو اقتصادات الدول النامية بمقدار 50 نقطة أساس و10 نقاط أساس إلى 4.0 في المائة و5.1 في المائة في عامي 2023 و2024 على التوالي. حيث أدى ارتفاع أسعار الفائدة وانخفاض قيمة العملات إلى تفاقم المشكلات التي تواجهها الدول منخفضة الدخل، مما يعرض أكثر من نصفها لمخاطر مرتفعة أو أنها بدأت بالفعل التعرض لضائقة شديدة، وفقاً لصندوق النقد الدولي، أما بالنسبة للاقتصاد الصيني، فقد تم خفض توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 20 نقطة أساس إلى 5.0 في المائة للعام 2023 وبواقع 30 نقطة أساس إلى 4.2 في المائة للعام 2024. وبعد الطفرة التي شهدها الاقتصاد الصيني في أوائل العام 2023 والمرتبطة بإعادة فتح الاقتصاد بعد رفع التدابير المتعلقة بتفشي جائحة كوفيد-19، تلاشى زخم النمو وانخفض النمو من 8.9 في المائة في الربع الأول من العام 2023 إلى 4.0 في المائة في الربع الثاني من العام 2023. ويعزى هذا التراجع الذي شهده العام 2023 بصفة رئيسة إلى الركود الاقتصادي وانخفاض تكاليف الطاقة والمواد الغذائية. وتعتبر أزمة القطاع العقاري من أبرز العوامل الأساسية لإعاقة النمو، من جهة أخرى، تم رفع توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي للهند بمقدار 20 نقطة أساس للعام 2023، نظراً لتزايد معدلات الاستهلاك بوتيرة أقوى من المتوقع خلال الفترة الممتدة ما بين أبريل ويونيو، ومن المتوقع أن يصل النمو إلى 6.3 في المائة في كل من عامي 2023 و2024. الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تم خفض توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمقدار 60 نقطة أساس إلى 2.0 في المائة للعام 2023، ثم رفعها بمقدار 30 نقطة أساس إلى 3.4 في المائة للعام 2024. ويتمثل السبب الرئيس لانخفاض توقعات نمو منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في العام 2023 في التراجع الحاد لتوقعات نمو السعودية من 8.7 في المائة في العام 2022 إلى 0.8 في المائة في العام 2023، مع إجراء تعديل سلبي قدره 110 نقاط أساس للتوقع الأخير، كما تم خفض توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي للمملكة للعام 2023 في ضوء خفض حصص الإنتاج، سواء كانت طوعية أو تلك المرتبطة بسياسات الأوبك وحلفائها المتفق عليها. إلا أن الاستثمارات الخاصة المرتبطة بتنفيذ مشروعات واسعة النطاق في المملكة ما زالت تواصل دفع نمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي الذي ظل مرتفعاً ومستقراً مقارنة بالتوقعات السابقة. كما تم خفض توقعات النمو الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بمقدار 50 نقطة أساس للعام 2023 إلى 2.0 في المائة، إلا أنه تم رفعها بمقدار 20 نقطة أساس إلى 3.4 في المائة للعام 2024. وكانت مراجعات توقعات الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لدول مجلس التعاون الخليجي متباينة للعام 2023. حيث تم خفض توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاد الكويت بمقدار 150 نقطة أساس إلى -0.6 في المائة في العام 2023، في حين تم خفض توقعات النمو للإمارات والبحرين في العام 2023 بمقدار 10 نقاط أساس و30 نقطة أساس ليصل معدل النمو المتوقع إلى 3.4 في المائة و2.7 في المائة، على التوالي. وبالنسبة للعام 2024، تم تعديل توقعات الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بصفة عامة وخفضها بمقدار 30 نقطة أساس إلى 3.4 في المائة، بما يعكس خفض التوقعات الخاصة ببعض دول مجلس التعاون الخليجي. ومن المتوقع أن تتباطأ وتيرة نمو التضخم الكلي العالمي من 8.7 في المائة في العام 2022 إلى 6.9 في المائة في العام 2023 و5.8 في المائة في العام 2024. وظل تضخم قطاع الخدمات ثابتاً في ظل وصول نشاط القطاع إلى مستويات ما قبل الجائحة تقريباً، خاصة في قطاعات مثل السياحة. ويعزى ذلك إلى ارتفاع الطلب على القطاعات التي ترتكز بكثافة على تقديم الخدمات مما أدى إلى ارتفاع تضخم الخدمات. إلا أنه من المتوقع أن يؤدي تباطؤ قطاع الخدمات في العام 2024، بالاتساق مع أداء قطاع التصنيع، إلى تراجع تضخم الخدمات العام المقبل. ووفقاً لاستطلاعات الرأي التي تم إجراؤها مع عدد من المهنيين، بدأت توقعات التضخم على المدى القريب في الارتفاع في العام 2021 في كل من الأسواق المتقدمة والناشئة، ثم تسارعت وتيرتها في العام 2022 بالتزامن مع التزايد الفعلي للأسعار. إلا أن معدل التضخم الكلي قد انخفض منذ ذلك الحين نتيجة لتراجع اضطرابات سلسلة التوريد وانخفاض أسعار السلع الأساسية. وعلى الرغم من ذلك، أثبت التضخم الأساسي ترسخه. تباطؤ التجارة العالمية من المتوقع أن ينخفض معدل نمو حجم التجارة العالمية من 5.1 في المائة في العام 2022 إلى 0.9 في المائة في العام 2023 قبل أن يرتفع معدل النمو إلى 3.5 في المائة في العام 2024 (أقل من متوسط الفترة الممتدة بين 2000-2019 البالغ 4.9 في المائة). ولا يعكس الانخفاض المتوقع في العام 2023 اتجاه الطلب العالمي فحسب، بل يعكس أيضاً التحولات في تكوينه نحو الخدمات المحلية، وظهور انعكاسات ارتفاع قيمة الدولار بصورة متأخرة، فضلاً عن الحواجز التجارية المتزايدة. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، وضعت الدول أكثر من 3 آلاف حاجز تجاري جديد في العام 2022 مقارنة بأقل من 1000 حاجز في العام 2019. وتم خفض توقعات الواردات بمقدار 180 نقطة أساس و10 نقاط أساس للاقتصادات المتقدمة إلى 0.1 في المائة للعام 2023 وإلى 3.0 في المائة للعام 2024. وبالنسبة لاقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، تم خفض توقعات نمو الواردات بمقدار 20 نقطة أساس و50 نقطة أساس إلى 1.7 في المائة للعام 2023 وإلى 4.4 في المائة للعام 2024. من جهة أخرى، من المتوقع أن تنمو صادرات الاقتصادات المتقدمة بنسبة 1.8 في المائة (-100 نقطة أساس) في العام 2023 وبنسبة 3.1 في المائة (-10 نقاط أساس) في العام 2024. وبالنسبة لاقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، من المتوقع أن تنكمش الصادرات في العام 2023 بنسبة 0.1 في المائة، بعد خفضها بمقدار 130 نقطة أساس، تليها مراجعة بالزيادة بمقدار 10 نقاط أساس للعام 2024، ليصل معدل النمو إلى 4.2 في المائة.