كم أكره هؤلاء الذين يرون أنهم يعيشون في هذا العالم بمفردهم، فلا يكادون يرون أبعد من أقدامهم. ينسى البعض أن الله حين خلق هذا الكون منذ أمد بعيد غاير بين البشر وخالف بينهم، فأبيض وأسمر وأصفر وأحمر، طويل وقصير، مكتمل الخلقة ومن عنده قصور فيها، وغير ذلك من معايير الاختلاف. ولو وجدت جميع المخلوقات بنفس الصورة والشكل لشعرنا بالملل وببساطة الأمر. ومما اختلف فيه الناس الغنى والفقر، ووفرة الحظ من الممتلكات الدنيوية من عدمها، فالأرزاق والنعم مقسمة حسب النظام الإلهي، قال تعالى ﴿ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ فمن الناس من كتب الله له القليل ويستميت في سبيل توفير لقمة العيش، ولا يجني سوى الكفاف. ومنهم من كُتب له كثير، وتتوالى عليه النعم ويرفل فيها دون أن يبذل في سبيل ذلك مجهودا، والله سبحانه له حكمة في ذلك ليعتبروا بهذا التفاوت في الدنيا، تفاوت ما بينهم في درجات الآخرة ﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا﴾ فمن كان حظه قليلا وهو قد نهج النهج الصحيح في العمل والجد، فالواجب عليه أن يحمد الله على ما رزقه وأن يقنع بما قُسِم له. ومن كثرت عليه النعم فعليه حمد الله وشكره ومساعدة المحتاجين وليس التباهي واستعراض ما لديه، لأن مثل هذه التصرفات قد تتسبب في كسر نفوس البعض وإلحاق الأذى بها. فلا بد لنا من احترام الآخرين ومراعاة مشاعرهم فما نملكه اليوم قد نفقده غداً وكم أحب قول الشاعر: لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ *** فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ *** مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ *** وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ