ويتواصل مسلسل السياسات الخاطئة، بين فكر وأفكار متواطئة، فأما القول بأنه مسلسل فلأنه تسلسل واتصل، وأما القول بأنه سياسة فلكونه بات أيسر الحلول وأقرب المخارج إلى التنصل من المسؤولية والخروج منها بأقل الأضرار أو الخسائر، وفي ذلك ما فيه من جرعات مسكنة وامتصاص لحالات الغضب واحتواء لاحتقان الشارع، هكذا هو الحال أو ربما هم يرونه أو يتصورونه كذلك، وهو أمر قد شاع وعم حتى بات هو الأب والأخ والعم، رضي من رضي وذم من ذم. قد سرى ذلك بين الورى، حكمه وقرار انتهى. سياسة وبعض الافتراء، سياسة كبش الفداء، حتى لو كان ذلك الكبش كذئب يوسف في البراء، وكحاتم طي في التميز والعطاء، حتى ولو كان لجهده يُفني فلن يسمن ذلك أو يغني، لقد سرى ذلك بين الورى.. سياسة أو حكمة.. قرار وانتهى، ليتأكد لنا يوما بعد يوم أن هناك ثغرات في النظام ما زالت تتيح للواسطة والمحسوبية والقرارات الارتجالية فرصا شتى لتستمر وتطغى. إن الإطاحة أو الإزاحة أياً كان المَسمَى أو المُسمَى، ما لم يكن القرار على خلفية تقصير أو قصور فهو خطأ منظور، وما لم تكن الشفافية فيه حاضرة فالنظرة قاصرة، ولن يكون الأمر مقبولا أو مستساغا، فليست المسألة فقط مجرد تقديم كبشٍ للفداء أو جرعات مسكنة وامتصاص للثورة والهيجان، بل الآفاق في ذلك تتسع حيث تكثر الضحايا وتزداد الأضرار. لقد طفحت حياتنا من ذلك ومن كثرة المسكنات والمهدئات، ألا يحق لنا أن نحصل على تقرير شفاف وعالي المهنية، ألا يفترض أن يكون هناك توضيح حول ما يحدث في كل منعطف أو موطن من مواطن صنع القرار هنا؟ لقد ضِقنا ذرعا من ذلك. ألا يحق لنا أن نطمح هنا في مهنية عالية ومتقدمة، ألا يمكن هنا حضور الشجاعة والمصداقية وتحمل المسؤولية، يكفي سفكٌ للكفاءات والمزيد من الأضرار، لم يعد هناك مجال لتلك السياسات التي يروح ضحيتها غالبا المخلصون وكثير من المميزين. لقد آن الأوان لكي يكون هناك نظام فعال للرقابة وتقييم الأداء يراعي جوانب العمل من منجزات وأداء ويقفل باب القرارات الارتجالية والمتهورة وقرارات الانتقام أو الانتصار للذات، ألا يكفي أننا قد وصلنا مرحلة لم يعد يجدي معها الاعتماد على الضمير والنزاهة في مواقع المسؤولية. لقد ضُيق على حراس الفضيلة حتى باتوا يعانون كثيرا حتى وهم يتقدمون ويتميزون خارج نطاق تغطية القصور والسلبية، ولمن أراد الدليل والبرهان سيكون له ذلك حتما ولن يُعيينا البحث أو يجهدنا السؤال ويكفي في ذلك من القلادة ما أحاط بالعنق، فليس من برهان هنا خير مما نشاهده من معاناة المخلصين وتلك الكفاءات والكوادر المتميزة وأصحاب المبادئ التي تعاني وتختنق بل وتزهق في ميادين العمل ودروب الحياة. نعم إن أكثر من يضيق عليهم ويعانون هم المخلصون والمميزون! وليت الأمر يقف عند ذلك الحد بل يأخذ المقصرون والمتهاونون وحتى العابثون منهم حقهم وافيا غير منقوص بل ويأتيهم طواعية دون أدنى مجهود، أما من يخلص ويبدع ويجتهد فلا ينال حقا ولا مستحقا بل يضيق ويضيق عليه وفي نهاية المطاف لا يوجد سواه تتوفر فيه مواصفات كبش الفداء المنتظر.