لإقليم العربى واحد، ولسانه واحد، وإن تعدد فى اللهجات، وتنوع فى الثقافات، والاندماج فى وحدة طوعية فيدرالية ضرورة حتمية، وحدة نابعة من سجلات التاريخ المشترك، غير مستعارة من تجارب أوروبية أو آسيوية، بل نابعة من سجلات الزمان والمكان، ومن الوراثة الشرعية لحضارات مطمورة يقيم عليها في كل شبر. والعرب يستحقون. وبذرة الوحدة موجودة، وبقليل من أعمدة الحكمة، سنراها شجرة حقيقية فى محيط عالمي، يذهب بعيدا إلى العملقة الاجتماعية والاقتصادية، والعلمية والثقافية. وتجربة حكيم العرب الشيخ زايد آل نهيان فى الوحدة صالحة للاستنساخ مرة أخرى، فعندما آمن، هو ورفاقه من الآباء المؤسسين، بإمكانية الوحدة على أرض الواقع، تقدم معهم بقلب جسور، وأسس دولة الإمارات العربية المتحدة فى الثانى من ديسمبر 1971. وبنظرة سريعة، سنكتشف أن الأمم الأخرى المتماثلة نجت، ونجحت بالوحدة، ضمن التنوع الخلاق، ومع التقدم العلمى غير المسبوق، والتنافس العالمى الشرس على الموارد والشعوب، ليس هناك دواء أفضل من ظهور وحدة رابطة بين العرب، تحافظ على مقدرات وثقافات وخصوصيات كل إقليم على حدة، حتى لو كانت تقوم على ربط المدن العربية بشبكات طرق مفتوحة، وخطوط سكك حديدية، ووحدة جمارك، وحرية سفر. تعود أحلام العرب بالوحدة إلى قرنين على الأقل، حين داعبت محمد علي باشا ما بين مصر والشام، ثم حدثت مع المملكة الفيصلية الهاشمية، ما بين الهلال الخصيب والشام فى عشرينيات القرن الماضي، ثم ظلت كجمرة فى الرماد لدى كثير من المفكرين القوميين، من زكى الأرسوزى إلى ساطع الحصري، مرورًا بعزيز المصرى، وعبدالرحمن عزام، وقسطنطين زريق، إلى آخر السلسلة الحالمة، بتحرير الأرض العربية من احتكار ثقافات الأمم المجاورة، أو من بطش الأمم الآتية من وراء البحار. كان المفكر العربى ساطع الحصرى هو الفيلسوف الحالم بوحدة عربية متنوعة، وجاء جمال عبدالناصر، ليصبح هو الجسر الكبير الواصل إلى هذه الوحدة، وقد تحققت بالفعل بين مصر وسوريا بين أعوام 1958، و1961، وحدثت لأربعة أشهر بين الأردن والعراق الهاشمى عام 1958، لولا جريان ثورة عبدالكريم قاسم، وانتهاء الملكية، وتمناها العرب حين جرت بها المقادير بين مصر والسودان وسوريا وليبيا فى أوائل السبعينيات (اتحاد الجمهوريات العربية). وكانت هناك محاولة فى نهاية السبعينيات بين سوريا والعراق، تم وأدها قبل أن تحدث 1979، وإبعاد أحمد حسن البكر عن المنصة الأولى فى بغداد، وكادت تحدث اندماجية شاملة بين تونس وليبيا، مع التخلى عن اسمى البلدين تحت عنوان «الجمهورية العربية الإسلامية»، وجاءت إلا قليلا مع اتحاد المغرب العربى، ويضم «ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا»، وكادت تصبح شاملة مع مجلس التعاون الخليجى «السعودية والإمارات والبحرين وعمان والكويت وقطر»، ثم مع اليمنين «الجنوبى والشمالى»، وقبل هؤلاء وجدت جامعة الدول العربية 1945، واستمرت كمؤسسة تعبر عن أعضائها كدول ذات سيادة. حلم الوحدة العربية بذرة صالحة مدفونة فى التربة، تربة تمتد من صخرة تطوان المغربية إلى تخوم البصرة العراقية، تحتاج إلى قليل من الحكمة والصبر والجرأة، وتقدير الاختلاف والتنوع الطبيعى فى إقليم يتسع ل 14 مليون كيلو متر مربع. والفرصة سانحة أمام العرب، فى سياق موت النظام العالمى الحالى، وعدم ولادة نظام جديد بعد، فالوقت يشبه الوقت الذى حملت فيه بريطانيا عصاها ورحلت. نقلا عن بوابة الاهرام المصرية