أثار التطور الكبير الذي طرأ على وسائل الاتصال وتقنية المعلومات في السنوات الماضية، عدداً من التساؤلات لاسيما بعد ظهور ما يسمى بالإعلام الجديد (الرقمي)، الذي حول المتلقي إلى مرسل ومصدر للمادة الإعلامية، ومن هذه الأسئلة التي تفرض نفسها بقوة، «هل يمكننا القول إن زمن الإعلام التقليدي انتهى ؟»، أم إننا ينبغي أن ندرك حقيقة أن وسائل الإعلام لا تلغي بعضها؟، وهل يمكن اعتبار هذا الحراك الكبير للسعوديين في مواقع التواصل الاجتماعي والمدونات، والصحف الإلكترونية..ظاهرة طبيعية وعالمية؟، أم إن الحالة المحلية تتمتع بخصوصية معينة نتيجة لظروف اجتماعية محددة؟، وهل يمكن لهذه المواقع والاجتهادات أن تنتزع لقب»صاحبة الجلالة»؟، أم يجدرألاَّ يتم تضخيم كل ماسبق، واعتباره متنفسا وبوحا للجمهور فقط، «الشرق» فتحت هذا الملف «المعقد» وطرحت هذه الأسئلة وغيرها على المختصين وأصحاب الشأن الذين تباينت آراؤهم، وتطرقوا إلى زوايا مختلفة في هذا الموضوع الحيوي .. في ثنايا الأسطر التالية .. 13 مليون مستخدم وقدرت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات عدد مستخدمي الأنترنت في السعودية بنحو 13 مليون مستخدم، وكشفت في نشرتها الإلكترونية التي أصدرتها في نهاية ديسمبر من العام 2011م الماضي، عن ارتفاع نسبة استخدام الأنترنت في السعودية من 5 % عام 2001 إلى نحو 46 % في نهاية الربع الثالث من العام 2011م.كما كشف موقع Social Bakers عن أن عدد مستخدمي موقع «فيس بوك» في المملكة تخطى الأربعة ملايين ونصف المليون. وأشار الموقع إلى أن السعودية باتت في المرتبة 31 على مستوى العالم لمستخدمي فيس بوك. كما قدر عدد مستخدمي «تويتر «في الربع الأول من العام الحالي ب 115 ألف مستخدم. السلم الحضاري ويشير الصحافي والكاتب عبد الله العميرة إلى أن العالم تقدم لمرحلة جديدة في السلم الحضاري من الصناعة إلى المعرفة والتقنية، وإذا لم يلحق المجتمع بالحضارة فسيجد نفسه في العالم القديم. وقال: «من المهم أن يكون لنا مساهمات ولا نكتفي بالتعامل مع التقنية، و ألاَّ نكون مستهلكين فقط، فلا بد من التوازن، ومن يصنع التوازن في أي مجتمع هو التعليم والمثقفون ولابد أن تكون علاقة الإعلام من صحف ومجلات وتلفزيون وسينما وغيرها، بالتقنية علاقة تفاعلية تناظرية «. وأكد العميرة أن مواقع التواصل أبرزت عدداً من المبدعين، مشيراً إلى أن الشباب السعودي يمتلك عقولاً مبدعة، يمكن أن يكون لها تأثير إيجابي كبير، لصالح الوطن والمجتمع، وقال»إن الواقع يقول إن هذه الاجتهادات الحالية على الشبكة العنكبوتية تنطلق بدون سقف، وهنا الخطورة، فالإعلام يقوم على أهداف والسؤال الذي يطرح نفسه هل هناك رابط بين الاجتهاد والهدف؟، وما الرابط بين الحرية المطلقة والاستراتيجيات؟، ففي أي بلد متقدم في العالم ، لا يوجد شيء اسمه حرية بالمعاني التي نفهمها، فالحرية لديهم قائمة على أمرين مهمين، هما المعرفة والهدف، أي أن كل صحافي يفهم ماذا يريد، ومن لا يفهم فلن يجد له مكانا في الصحافة الحديثة في الدول التي تفهم تأثير الإعلام «. وسائل التعبير وقال أستاذ الإعلام في معهد الدراسات الدبلوماسية الدكتور تركي العواد: «إن الإقبال على مواقع التواصل الاجتماعي يُعد ظاهرة عالمية تشكلت بسبب ثورة الاتصالات وتقنية المعلومات التي مكنت شعوب العالم من التواصل مع بعضها وأفرزت ما يسمى بصحافة المواطن»،مبيناً أن الإنسان في السابق كان يصوت لاختيار أشخاص يمثلونه ويتحدثون بالنيابة عنه في البرلمانات وحالياً أصبح يمثل نفسه بنفسه ويعبر عن رأيه عبر مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات.» وعن هذا التفاعل الكبير للسعوديين عبر الأنترنت يقول العواد « على الرغم من كونها ظاهرة عالمية إلا أن السعوديين والمصريين هم من الأكثر استخداما وتفاعلا عبرالأنترنت ويعود ذلك إلي عدة أمور أهمها عدم وجود مجالات أخرى للتعبير فالإعلام التقليدي له وجهات محددة، وهو انعكاس للمثقفين والنخب بالإضافة إلى عدم وجود وسائل أخرى للتعبير». وأوضح أن هذه العوامل تجعل الشباب يلجأون إلى عالم افتراضي للتعبير والتنفيس عما بداخلهم، مستدلاً بأنه عندما فتح المجال عبر الأنترنت وبالتحديد عبر الصحف الإلكترونية، وجد المجتمع نفسه أمام حراك كبير على عدة مستويات. نهاية الورق ويرى المستشار الإعلامي سلطان البازعي أن دور الورق في نقل المعرفة والمعلومات قد تضاءل وأن التقنية ستحل بديلا له، وقال:»دخلت التقنية في طريق التعليم، فالأجيال الجديدة تتلقى التعليم عن طريق الإلكترونيات، وأن الجيل الحالي الذي يشكل 60 % من المجتمع يُعد من أكثر مستخدمي الأنترنت، فقد أتاح الإعلام الإلكتروني الفرصة للفرد أن يقول رأيه ويتلقى المعلومات دون سيطرة من أحد فالإعلام التقليدي الذي يشمل الصحف والإذاعات والتلفزيون حتى في الدول الديموقراطية يمثل مؤسسات، لذلك هي لا تقبل الرأي الآخر، بينما أتاح الأنترنت أوالإعلام الجديد للجميع أن يتقبل جميع الآراء، وأن يأخذ المتلقي الخبر والمعلومة من مصادر متنوعة». وأكد البازعي أن الإعلام الجديد رفع سقف الحرية لدى الإعلام التقليدي وجعله يعيد النظر في طرق تقديم رسائله الإعلامية وأجبره على الانتقال إلى التفاعلية، مشيراً إلى أن عددا من القنوات الحالية أعطت مجالا للتفاعلية، حتى لاتفقد جزءا كبيرا من جمهورها. قرية صغيرة ويؤكد أستاذ الإعلام السياسي في جامعة الملك سعود الدكتور أحمد بن سعيد أن الإعلام الجديد حقق حلم العالم الكندي مارشال ماكلوهن الذي كان يشير إلى أن وسائل الاتصال الجماهيري (الصحف، والإذاعة، والتلفزيون) ستجعل من العالم قرية صغيرة، إلا أن الإعلام التقليدي لم يحقق هذا الحلم، ليأتي الإعلام الجديد ويحقق هذه الرؤية. وأضاف «الإعلام الجديد أعطى المواطن حرية التعبير عن رأيه، ومكنه من التعبير والبوح بمشاعره وعواطفه، وبما لديه من مخزون ومشاعر، ومن مواقف وانطباعات، وهموم وآمال وطموحات وآراء في المشهد السياسي والاقصادي والاجتماعي وكل مناحي الحياة «. أصحاب النفوذ ويضيف بن سعيد أن الإعلام التقليدي ما زال يحتل مساحة لا بأس بها على الخريطة، ويتمتع بمصداقية أكبر من الإعلام الجديد الذي لا يزال ينظر إليه بأنه إعلام غير المحترفين أو إعلام هواة، ولا يؤخذ به كمصدر للأخبار والتحليلات، ويشير إلى أن هذا لا يقلل من قدرته على فرض نفسه في الساحة، ولا يقلل من دوره في كونه أجبر كثيراً من المؤسسات الصحافية والإعلامية الرسمية، على إعادة النظر في أساليبها وأدواتها. وأكد أن الجهات الرسمية والنخب في الوطن العربي ، لا يزالون يعولون كثيراً على الإعلام الرسمي. ومتى ما أراد للإعلام التقليدي الاستمرار، يجب عليه إعادة النظر في أساليبه والاعتماد على التفاعلية بشكل أكبر، والعناية بالمضمون. إعلام بديل ويرى الكاتب والباحث الدكتورعبد الرحمن الحبيب أن الإعلام الرسمي أو الخاص في المملكة، يعكس ما يحدث في المجتمع ولكن بتحفظ، بينما النشاط الإعلامي في الأنترنت يعكس كل ذلك بلا تحفظ وبفوضوية أحياناً، وهنا الاختلاف الرئيس بين الإعلاميين السعوديين التقليدي والجديد. ويؤكد أن الإعلام الجديد رفع سقف الحرية الإعلامية، وأصبحت من مصادر الأخبار، وهذا لا غضاضة فيه ولا يدعو لعبارة «الاعتراف»، فحتى في أمريكا أصبح الكثيرمن الأخبار تؤخذ من هذه المصادر. تحفظات رسمية ويضيف الحبيب «إذا كان كل ذلك يتطلب من الإعلام التقليدي في السعودية أن يعيد النظر في طريقة تقديم رسالته الإعلامية، فهذا صحيح على المستوى النظري حين يصرح مسؤولو الإعلام عن ذلك، لكن على المستوى التنفيذي ما زال بعيداً عن التطبيق بسبب البيروقراطية وتحفظات رسمية مبالغ فيها، ولا يمكن التقليل من هذه الأعمال «الإنترنتية» بأنها مجرد تنفيس وخواطر واجتهادات فردية، رغم أن كثيرا منها كذلك، إنها تتحول شيئا فشيئا إلى إعلام بديل يمكن أن يقود الرأي العام». سقف الحرية وعن الشروط التي يجب على الإعلام التقليدي تنفيذها من أجل البقاء، يشير الدكتورالحبيب إلى أنها تكمن في تحطيم سقف حرية التعبير أوعلى الأقل رفعه لدرجة قريبة من مستوى سماء الإنترنت، ويعترف الحبيب بصعوبة ذلك واقعياً. وقال: «الشرط الآخر الذي يمكِّن الصحف من التفوق، هو حق الصحافي في حرية الوصول للمعلومات الموثقة، وكشف الخبايا، ففي الأنترنت تكشف المعلومات والفضائح غالباً كيفما اتفق بلا مهنية أو توثيق، فدرجة مصداقيتها منخفضة، بينما في الصحف، لا يوجد انخفاض في المصداقية بل تأخر أو غياب المعلومة المتخفية التي يريدها المتلقي خاصة في قضايا الفساد». الصورة النمطية ويؤكد المشرف العام على العلاقات العامة والإعلام في جامعة الملك سعود للعلوم الصحية الدكتور إبراهيم البعيز أن انتشار وسائل الإعلام الجديدة في المجتمع السعودي يعتبر أمرا طبيعيا، ويأتي في سياق اهتمام السعوديين وحرصهم على تقنيات الاتصال الحديثة، وهذا ما شهدناه مع التلفزيون في بداية الستينيات، وكذلك مع الفيديو في الثمانينيات، ومع القنوات الفضائية في التسعينيات، وها هو نفس المشهد يتكرر مع الأنترنت وتطبيقاتها المختلفة، وهو ما ينفي الصورة النمطية التي سبق الترويج لها بأن المجتمع السعودي مجتمع منغلق ويرفض الجديد والانفتاح. وأضاف: «الجانب الآخر يتعلق بطبيعة التركيبة السكانية في المجتمع السعودي، والتي يغلب عليها الفئات العمرية الشابة، والتي تكون دائما متطلعة وحريصة على متابعة كل جديد، وقد مكنها من ذلك القدرة الشرائية المرتفعة نسبيا». دراما مثيرة ويضيف البعيز إن التطورات المتسارعة في تقنيات الاتصال وتطبيقاتها الإعلامية تتسم بشيء من الدراما المثيرة، لذا تجدنا دائما نتسابق في وضع التوقعات حول تأثيراتها المحتملة، وكثيرا ما نميل إلى المبالغة في ذلك، ولو عدنا قليلا إلى التاريخ لوجدنا أن ظهور الإذاعة قد أثارت شيئا من القلق لدى الصحف، تخوفاً من تأثيرها السلبي عليها، وكذلك عند ظهور التلفزيون، ساد الاعتقاد بأنه سيؤثر سلبا على الإذاعة، وعندما ظهرت أجهزة الفيديو المنزلية، حسبنا أنه سيقضي على دور العرض السينمائي. ولا يعتقد الدكتور البعيز أن القنوات والإعلام الجديدين سيقضيان على القنوات التقليدية، لكنه سيجبرها على تغيير قواعد اللعبة في العمل والممارسة الإعلامية، والدخول في حلبة المنافسة معها لاستقطاب أكبر شريحة من الجمهور المتمثل في القراء والمستمعين والمشاهدين.
بدوي: 800 مليون مستخدم نشط يتصفحون الشبكات الاجتماعية و400 مليون يدخلون يومياً نظم برنامج بادر لحاضنات التقنية بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، مؤخراً في الرياض ورشة عمل هامة عن (توظيف الإعلام الجديد – الرقمي- والشبكات الاجتماعية في خدمة أهداف المنظمات). وأكد خبير التقنية محمد بدوي، أهمية استفادة الجهات الحكومية والشركات من التطور التقني الهائل الذي يشهده العالم اليوم في الشبكات الاجتماعية (فيس بوك وتويتر ويوتيوب وجوجل) لتحقيق أهدافها والوصول إلى جمهورها المستهدف، لاسيما في ظل النمو المتزايد لأعداد المتصفحين للشبكات الاجتماعية بنسبة انتشار عالية جداً تصل إلى 250 % سنوياً، حيث وصل عدد المستخدمين إلى أكثر من 800 مليون مستخدم نشط، وأكثر من 400 مليون يدخلون على الشبكات الاجتماعية يومياً. وأوضح بدوي أن المملكة تأتي في مقدمة دول المنطقة هي ومصر في عدد المستخدمين للشبكات الاجتماعية، حيث يبلغ عدد مستخدمي فيس بوك في المملكة أكثر من 4,5 مليون مستخدم، وأن الرياض تمثل نسبة 87 % من عدد المستخدمين تليها جدة ثم الخبر، مشيراً إلى أن نسبة 95 % من السعوديين يملكون جوالات، وأن 69 % منهم يدخلون على الإنترنت عبر الجوال، مما يعد حافزاً للمنظمات للوصول إلى جميع شرائح المجتمع عبر الإعلام الرقمي الذي يتميز بالمرونة والتفاعلية وقلة التكلفة. وتناولت الورشة عدداً من المحاور المهمة من بينها، الإعلام الجديد وأدوات الإعلام الرقمي، ومدخل إلى الشبكات الاجتماعية وتاريخها، شرح لأهم أدوات الشبكات الاجتماعية (فيس بوك، تويتر، يوتيوب، خدمات جوجل)، كيفية توظيف الشبكات الاجتماعية في التسويق والحملات الإعلامية والعلاقات العامة وإدارة الفعاليات.