الدمام – فاطمة آل دبيس هشام عبدالرحمن: ريال واحد كان يبهجني في العيد. أمل حسين: كنا نترقب شمس يوم العيد لنحتفل بجديدنا. فؤاد المشيخص: الضغوط الاقتصادية محت بعض العادات. أجداد يتذكرون: عيدنا في الماضي.. بساطة ومسؤولية. للعيد بهجة لا تنسى.. تحملها الذاكرة لتعيش بداخلنا، وتتجدد معها أيامنا الحلوة. لكن كثيرين منا يفتقدون ما ألفوه من عادات في الماضي، فلم يكن الاحتفال يمر دون أن تغمر الفرحة الجميع. لم يكن الأمر مكلفاً، لكن المشاركة والتجمع وتقاسم الفرحة كان يجعلها مناسبة جميلة، قلّ أن تتكرر في عصر التقنية التي حذفت كثيراً من العادات لتستبدلها بعلاقات فاترة، تقتصر على اتصال أو رسالة نصية أو زيارة عائلية نادرة. باختصار، تراجع الشكل الجماعي للاحتفال ليحل محله احتفال فردي، حتى في حال التجمع الذي تشهده المدن الترفيهية، تبقى كل عائلة منعزلة عن الأخرى، في حين كان العيد في الماضي يجدد العلاقات الاجتماعية، ويعالج القصور الذي يعتريها. فكيف يرى الناس التغيير الحاصل؟ وما مدى ارتياحهم له؟ ريال واحد يكفيني هشام عبدالرحمن يقول الفنان هشام عبدالرحمن إن أجمل ذكرى له ما زالت تشعره بالسعادة والبهجة هي عيدية جده له التي لم تتجاوز الريال منذ صغره إلى أن كبر، لكنها كانت تبعث الفرح في نفسه بغض النظر عن كبر المبلغ أو قلته، فهي ذات طابع خاص. ويرى أن العيد في الماضي ببساطته كان أكثر جمالاً وبهجة، وإن كان للعيد حالياً متعة لا يمكن نكرانها لارتباطها بالشهر الفضيل الذي سعى الجميع لعمل الواجبات الاجتماعية فيه والتخلص من الذنوب. صبح العيد.. مختلف أمل حسين وتستدعي الفنانة أمل حسين أجمل ذكرياتها، وهي انتظار ظهور الشمس وطلوع الصباح؛ للبس الجديد وبدء احتفالات العيد. وتقول كان للعيد فرحة لا توصف حيث يرتدي الجميع فيه أفضل ما لديهم. وتستطرد قائلة كانت والدتي وجميع الجارات يجتمعن قبل يوم العيد لإعداد معمول التمر والجوز والفستق وهو حلى العيد المميز، ويصحو الجميع في صباح العيد؛ ليُعيّدوا على الأهل، ثم ينطلقوا إلى منازل الجيران؛ ليتبادلوا معهم التهاني بالعيد. وتقول إن أول عيدية حصلت عليها وهي في التمهيدي كانت من والدها واشترت بها أحب أنواع الحلوى إليها. وتضيف أنها حرصت على نقل العادات التي ورثتها عن والدتها إلى أبنائها في الصغر رغم أنهم أصبحوا في سن يرغبون فيه بتجديد عادات العيد. بساطة ومسؤولية ويحكي الجد موسى السالم عن «مباركة العيد» فيقول كان أبناء الحي الواحد يجتمعون في منزل أحدهم، ومن ثم ينتقلون من منزل لآخر يتبادلون التهاني ويعودون المرضى والعجائز وكبار السن والأجانب عن القرية، حاملين معهم التمر والخبز واللبن وبعض الحلوى التي تجود بها نفس أهل البيت وما يتيسر لهم إخراجه. وتقول الجدة مدينة الرضا إن فرحة الأطفال قديماً كانت بالألعاب الشعبية القديمة حيث لم تكن الملاهي الحديثة متاحة آنذاك، وكانت لعبة الأطفال الوحيدة المتاحة قديماً هي المرجيحة، وكانت تصنع من الحبال التي تُعلّق بين البيوت أو في أخشاب المنزل ويظل الطفل يستمتع بها حتى يصيبه التعب والإرهاق، كما كان الآباء يحرصون على شراء بعض أنواع الحلوى الشعبية التي تناسب العيد مثل المعمول، والتمرية، وراحة الحلقوم وغيرها من أنواع الحلوى المصنعة محلياً التى لا تظهر إلا في الأعياد. عيدية القطط! ولكن مع تقدم المجتمع وانتشار مظاهر الثراء، لم تعد فرحة الأطفال بالعيد تقتصر على العملة النقدية التي ما زالوا يتمسكون بها، بل امتدت إلى مظاهر أخرى من الرفاهية. حيث يحرص من يربون الحيوانات الأليفة خاصة القطط على اقتناء ملابس لقططهم، لكي يدخلوا البهجة على قططهم على حد قولهم. وبدأت هذه العادة المستجدة في أحد مهرجانات الشرقية في محافظة القطيف. وعن ذلك تقول فاطمة الحكيم إنها حرصت في هذا العام أثناء تجولها في المجمعات التجارية لشراء ملابس العيد من المحلات النسائية أو محلات الأطفال، على تخصيص حصة من الوقت للتسوق في محلات القطط؛ لاقتناء أزياء جديدة لقطها حتى يكون الأجمل. أهمية العيدية النقدية ويشير الاختصاصي الاجتماعي فؤاد المشيخص إلى أن منح الآباء مبلغاً نقدياً لأطفالهم في العيد يولد لدى الأطفال إحساساً بالتحكم، حيث يتصرفون، دون إدراك لهذه الحقيقة، كما لو كانوا متحكمين في حياتهم من خلال شراء ما يريدون. ولهذا يرى أن العيد فرصة كبيرة للطفل لتحقيق أحلامه خصوصاً أنه قد لا يتوفر له مال بهذا القدر طوال العام. وقال إن من المتعارف عليه إعطاء الطفل في العيد الفرصة للتصرف بحرية دون تدخل من أحد من أفراد عائلته. لكنه يرى أيضاً أن تغير العيدية من النقود إلى شيء آخر قد يحقق الفرحة للطفل، خصوصاً إذا كان البديل مدروساً وجاء في صورة هدية يعرف من يقدمها أهميتها لدى الطفل، حتى إن كثيراً من العائلات يقدمون في هذه الفترة هدايا في العيد كبديل للنقد، وهو أمر مهم شريطة أن يكون مدروساً وأن تحقق الهدية للطفل حلماً وأملاً ينتظره. عادات فقدت في الزحام ويرى المشيخص أن عادات العيد تغيرت بحكم التطور الاجتماعي، ولم يعد هناك من يتمسك بالعادات القديمة إلا فيما ندر، ولكن نستطيع القول إنه في العيد يمكن تهيئة الأجواء العامة لتكون قريبة من التقاليد لربط الناس بالماضي، هذا على الصعيد العام، أما على الصعيد الخاص والعائلي فقد افتقدنا إلى كثير من العادات، ففي السابق كنا نجتمع في بيت كبير العائلة على الفطور والغداء، وكان أول أيام العيد أو الفترة الصباحية منه تخصص للعائلات، حيث يجتمعون لتبادل التهاني والاحتفال بالعيد. لكنه يؤكد أن كثيراً من العادات المتوارثة للاحتفال بالعيد اندثرت، سواء على المستوى العام أو الخاص، وغابت عن الأجواء مظاهر الفرحة التي كانت تعم الشوارع والبيوت، وندرت تجمعات العائلات وأصبح كثير من الناس يفضلون السفر في أيام العيد، ما قلل من التفاعل الاجتماعي. ويستطرد قائلاً إن العيد في الماضي كان أكثر سعادة وتفاعلاً وأقل كلفة، مبيناً أن فرحة العيد في الماضي كانت تعم الأسرة والحي والقرية، حيث يتشارك الجميع لتهيئة الأجواء التي تشيع البهجة بهذه المناسبة. أما اليوم، فلم يعد للعائلة أو القرية دور مهم في تهيئة الأجواء للعيد، وانتقل الأمر إلى المدن الترفيهية والأسواق الاستهلاكية التي تسعى لاستنزاف العائلات وكل ما يجمعه الأطفال بطريقة جشعة جداً، وأصبح قليل الفرح مكلفاً بما لا يناسب السعادة التي يوفرها. ويقول كان للعيد ملابس تجعل الطفل مميزاً ويحس من خلالها بالعيد، أما اليوم فملابس الطفل هي نسخة مكررة، وأصبحت العائلة تشتري الملابس طوال السنة بمناسبة ودون مناسبة حتى فقد الطفل الإحساس بميزة ملابس العيد. وبعد أن كان العيد في السابق عيداً للعائلة والحي والقرية، باتت الفرحة فردية واقتصر الاحتفال على مستوى العائلة المصغرة. إرهاق اقتصادي ويفسر المشيخص تلك الحالة الطارئة على المجتمع، بأن الظروف الاقتصادية تركت أثراً مرهقاً مالياً على الأسر، حيث تمر الأسر بمواسم متداخلة يرتفع فيها الإنفاق وهي رمضان ثم العيد ومن ثم التهيؤ للدراسة، وهي حالة يشترك فيها الجميع على مستوى المملكة، أما على مستوى المنطقة الشرقية فالأمر يزداد تعقيداً، حيث يزداد ضغط الإنفاق على الأسر لتشعب المواسم التي تشمل النصف من شعبان ثم رمضان ثم النصف من رمضان ثم العيد ثم المدرسة، وكلها تستنزف جيوب العائلة، ما يجعلها تختصر الفرحة لتشمل الأطفال فقط. كما أن النشاط الاجتماعي العام انتقل من مستوى الأحياء أو القرى إلى المدن ولم يعد هناك اهتمام بتهيئة القرية أو الحي بمظاهر الفرحة لاستقبال العيد، لتقتصر على بعض الشوارع في المدن. وكانت العائلة تقضي العيد داخل البلد، ولكن نشاط الرحلات السياحية شجع على السفر وقلل من التفاعل الأسري. ويضيف قائلاً إن ندرة أماكن الترفيه الراقية ذات الأسعار المعقولة أثرت من ناحية أخرى، حيث لا تتحمل ميزانيات بعض الأسر أسعار تذاكر مراكز الترفيه التي جعلت احتفالات العيد مكلفة، وتحتاج إلى سيولة نقدية عالية، حتى تستطيع العائلة رسم الابتسامة على وجوه أبنائها. أما على صعيد ألعاب العيد المخصصة للأطفال، فقد حصل تحول على ثلاث مراحل، ففي الأولى كانت لعبة الطفل محسوسة وكان الطفل هو من يصنع لعبته بكل أجزائها من مكونات متاحة في المنزل كالمعلبات الفارغة وأغطيتها وما شابه ذلك. أما في المرحلة الثانية، فقد أصبحت اللعبة محسوسة وتأتيه مصنعة، دون ابتكار من جانبه. وفي المرحلة الثالثة، التي نعيشها الآن، أصبحت اللعبة في عالم افتراضي غير محسوسة عبر التقنية الأمر الذي ترك أثراً على نسبة سعادة الطفل فهو مع شريك افتراضي غير محسوس في الواقع. لا بديل للنقود ويرى الاختصاصي النفسي أحمد آل سعيد أنه لا بديل عن العملة النقدية مهما كان مغرياً، فللعملة معنى كبير خاصة لدى الأطفال، حيث تعد أفضل وسيلة لتحقيق مطالبه الشخصية والترفيهية وما يرتبط بها من فرحة معنوية. وقال آل سعيد إن تمسك المجتمع بعادات العيد تتفاوت من أسرة لأخرى، لكن بصفة عامة لا يمكننا القول بأن المجتمع تخلى عن عادات الاحتفال بهذه المناسبة، لأنها مناسبة دينية واجتماعية قبل أي شيء، لكن ثمة اختلاف يكمن في مظاهر الفرحة والفعاليات التي تصنعها. فكثير من الناس أصبحوا يرون الفرح في السفر، ما يؤدي إلى انشغال الناس عن العادات الاجتماعية الموروثة خلال العيد. فقد خفّت الزيارات بين الجيران واختفت تقريباً عادة طواف الأطفال على بيوت الجيران لأخذ العيدية، نتيجة لاختلاف الظروف وتباعد المساكن. لكنه يعتبر التغير من سنن الحياة. فبعد أن كان من مظاهر العيد تبادل الزيارات العائلية، أصبح الأمر يقتصر على تبادل التهاني عبر الهاتف، ثم اكتفى الناس بالرسائل النصية. كما تبدلت عادات الأطفال، ففي السابق كانوا يشترون بأموال العيدية ما يحلو لهم من بائع البسطة، أما الآن فيرتادون المتنزهات والمجمعات التجارية والأماكن الترفيهية، فيما يلجأ الشباب إلى رحلات البر، وتميل الأسر إلى قضاء الأعياد في الاستراحات. طفلة تقبل يد جدها للحصول على العيدية علي القمارا وفرحة العيد