تعتبر العيدية لدى الأطفال من أجمل مظاهر الاحتفال بالعيد، حيث يعدون خططهم المسبقة لإنفاق هذه المنحة البسيطة المتوارثة، التي تدخل البهجة والفرح إلى نفوسهم، ويتباهون بها بين أقرانهم الصغار، وهي تعد نوعا من مشاركة الكبار لهم في فرحتهم بحلول العيد، وتجسيدا ماديا للفرح، يضفي السعادة على الجميع، ويدعم التكافل الاجتماعي بين الكبار والصغار. والعيدية قديماً كانت تتمثل في الهدايا العينية مثل «الحقاق» أو المكسرات أو غيرها، ولا يشترط فيها أن تكون نقودا بل من الممكن أن تكون قطعة حلوى أو رحلة إلى الملاهي، وكان الأطفال يجوبون البيوت في أول وثاني أيام العيد لأخذ العيدية، أما في الوقت الحالي فإن العيدية بدأت تأخذ شكلاً آخر، حيث أصبحت النقود في صدارة الاهتمامات، بالإضافة إلى اقتصراها على الوالدين والأقارب فقط. وينتظر جميع الأطفال قدوم صباح يوم العيد، ليحصلوا على العيدية من الكبار، ومع توالي الزيارات بين الأقارب في يوم العيد، يقومون بجمع الأموال, حيث يشترطون العملة الورقية الجديدة، ولا يقبلون ب»المهترئة». تنافس طفولي تنطلق الطفلة جنى سعدون، ذات الأعوام الستة مع والديها إلى منزل العائلة الكبير في أول أيام عيد الفطر المبارك، وتتنافس مع أقاربها من الأطفال على جني الريالات من الأهل، ليكون من جمع المبلغ الأكبر منهم هو صاحب العيدية الأوفر حظا. وأوضح الطفل أحمد القمارا، أنه يسعى للمحافظة على ما حصل عليه من مال في العيد ليشتري به ما يخطط له، ولم يخف ِ القمارا فرحته الكبيرة بقدوم العيد. ذكريات سعيدة علي ابراهيم يتذكر الفنان والممثل السعودي علي إبراهيم، أول عيدية استلمها من الأمير سلطان بن عبدالعزيز، رحمه الله، وكانت ريال فضة سعوديا، ولا ينسى إبراهيم طقوس العيد سابقا، حيث كان ينتظره بفارغ الصبر لارتداء الجديد من الثياب، والخروج إلى منازل الحي، وترديد الأهازيج التي يتذكر منها «ابي عيدي عادت عليكم في حالة زينة»، كما يتذكر ما كان يقدمه كبار السن من حلوى العيد والقروش، التي كانت تترك فرحة كبيره في نفوس الأطفال. وقال إبراهيم: «على الرغم من انشغالي بالمسرح في أيام العيد، إلا أنني ما زالت متمسكا بزيارة الأقارب بعد صلاة العيد مباشرة». حنين للماضي خالد الحربي وقال الممثل خالد الحربي: إنه يفتقد كثيرا العيد في الماضي، الذي كان يجمع الجميع، ومن لا يحضر يوجه له اللوم والعتاب. وتذكرت المذيعة في قناة «mbc fm»، خديجة الوعل، أول عيدية استلمتها في صغرها، مبينة أنها لم تتجاوز خمسة ريالات لكنها كانت سعيدة بها. وتحدث الفنان أسعد الزهراني عن شوقه إلى العيد سابقاً، حيث أوضح أن العيد في السابق له طعم مختلف، من خلال طرق أبواب الجيران، والاحتفال به مع الوالدين. فرحة العيد أسعد الزهراني أوضح الإعلامي والاختصاصي الاجتماعي فؤاد المشيخص، أن مستوى الفرح في العيد تغير بنسبة 50 % عن الماضي، حيث إن الشيء كلما عم كلما قل تفاعل الفرد معه، ومن الواضح أن المكان المعمم للفرح في العيد يتسع مع تقدم الزمن، حيث إنه كان سابقا على مستوى العائلة بأكملها وكافة فروعها، ومن ثم انتقل إلى مستوى الحي، أما الآن فإن فعاليات الفرح اقتصرت على المدن، التي يقصدها أفراد من كافة الأحياء، ولكنهم قد لا يشعرون بالفرح كما كانوا في السابق. كما أن العيدية التي كانت تقدم للطفل في العيد قد لا تتكرر في الأيام العادية، حيث كان هناك سوق شعبي متنقل مخصص لما يقدم في العيد من ألعاب وحلويات يسبق أيام العيد، لكي لا يكون شأن هذه الأيام كباقي أيام العام، أما الآن فإن هذه الهدايا تقدم في كل يوم، حتى الألعاب أصبحت افتراضية غير ملموسة ينتهي الفرح بها بمجرد تركها، إضافة إلى أن جميعها أصبحت داخل العالم الافتراضي «الإنترنت». إسعاد الكبار وقال المشيخص إنه توجد عدة عوامل تحول دون الفرح في العيد، أولها انصباب اهتمام القائمين على المهرجانات على ما يسعد الكبار، حيث إننا لو نظرنا إلى مظاهر الاهتمام بالطفل، ورسم الابتسامة على شفاهه، سنراها شبه معدومة، وتقتصر على استنزاف الأموال من خلال الملاهي التي تكون موجودة طيلة العام، بالإضافة إلى دخول الانفتاح والتكنولوجيا إلى العادات والتقاليد، كما أن العامل البيئي له دور أيضا، حيث إن الحي قديما كان مليئاً بالأشجار التي تساهم في حجب الحرارة، وبقاء الناس في حالة من الفرح طوال اليوم، أما حاليا فإن وقت العطاء أو الوقت المستقطع لفرح الطفل قصير بسبب حرارة الجو، نظرا لوجود الفعاليات في الأماكن العامة كالكورنيش أو الحدائق. تنمية قدرات وبيّن الاختصاصي الاجتماعي علي أحمد أبو خليل، القيمة الاجتماعية للعيد، وكيفية مساهمتها في تنمية قدرات الطفل وشخصيته، مستشهداً بقول أستاذ الأمراض النفسية والعصبية في كلية طب الأزهر محمود عبدالرحمن حمودة: «تنمي قدرة طفلك على التصرف وأخذ القرارات فيما يمتلك من نقود، حيث يدرب نفسه على تصريف أموره المادية، فيما يستفيد من تجاربه من خلال تقييم الكبار لأوجه إنفاقه تجاه تصرفاته المادية واكتشاف أخطائه لتعديل سلوكه». معنويات الطفل وقال أبو خليل إن الخبراء ينصحون بألا ينسى الوالدان هدية العيد لأنها ترفع معنوياته، لأنها ليست على سبيل المكافأة أو مشروطة بمدى استحقاقه لها، بل مرتبطة بمناسبة العيد نفسه الذي يشمل معاني كثيرة أهمها الكرم المجاني غير المشروط. مفاجآت سارة وأكد أبو خليل أن الهدايا لا تفسد الطفل، ولا تعتبر نوعا من التدليل المفرط لأن الصغير يحتاج لكي ينمو متفائلا إلى أن يكون مدركا أن الحياة تخبئ له أحيانا مفاجآت سارة، وأن الهدية تقليد أساسي وضروري متبع في كل الحضارات، حيث كانت هناك دائما أوقات مخصصة لتقديم العطايا والهدايا كنوع من الاعتراف بالبنوة والانتماء إلى الأسرة. قيمة الهدية وقال أبو خليل: إن الخبراء أوضحوا أنه يكفي أن نعلم أن هدايا الطفل في المرحلة العمرية من 5 – 10 سنوات، يصعب محوها من ذاكرته طوال عمره، ما يجعل من الهدية موجها سلوكيا مقصودا، لذلك يجب أن يوضح الآباء مفهوم الهدية لأبنائهم، وتعليمهم أنه تعبير رقيق عن مشاعر الحب والمودة، والرغبة بالتقارب القلبي، كما أنها تعبّر عن التقدير للخلق المميز والسلوك الحسن والعمل المنتج أيضا، كما يجب تعليم الطفل قبول الهدية مهما كانت صغيرة، لأن أثرها ليس بقيمتها ولكن بمقدار الشعور الصادق الذي يصحبها، فالهدية نوع من الدعم النفسي والوجداني، ووسيلة ناجحة في توجيه سلوك الطفل بشرط مراعاة مناسبتها للمرحلة العمرية وموهبته وميوله وعدم اقتصارها على اللعب فقط أو العرائس أو السيارات أو الدبابات. العيد في الماضي ووصف أبو خليل فرحة العيد في الماضي، وكيف كان الناس يستعدون له قبل قدومه بعدة أيام، حيث كانت النساء تجتمع ويقمن بتزيين أيديهن وأرجلهن بالحناء، وعندما يأتي الصباح الباكر يستيقظ الجميع ويرتدون ملابسهم الجديدة ويتعطرون بأنواع العطور والبخور، ثم يتوجهون إلى المسجد بوجه بشوش مستبشر لأداء صلاة العيد، ويتبادلون السلام والتهاني، وبعد ذلك تبدأ الزيارات والتبريكات، وترى الأطفال بضحكاتهم وصرخاتهم يبهجون الطرقات والممرات، وقلوبهم مليئة بالمحبة والمودة والأخوة، كأنهم قلب واحد، وترى الكبار يكرمون الأطفال بالعيدية ليدخلوا السرور إلى قلوبهم. وأوضح أبو خليل، أن الناس في الحضر انقسموا إلى فئتين فئة منهم يستعدون له معنويا ونفسيا ولكن ليس بمستوى الفرح في الماضي، وأخرى تستقبله بالنوم مكتفية بالوسائل التقنية، وأكد أبو خليل، أن التكنولوجيا من أهم أسباب التغير التي ساهمت في إخماد الفرح بالعيد. سعادة الأطفال وأشار الاختصاصي النفسي أحمد آل سعيد إلى الأثر الكبير للعيدية على نفسية الأطفال، وكيف أنها تسهم في ارتفاع نسبة السعادة لديهم، كما أنها قد تنقل حالة بعض الأطفال الذين يعانون من مشاكل مادية أو اجتماعية أو أسرية من مستوى الحزن إلى مستوى الفرح، خاصة أنها تعطى لجميع الأطفال وليست مخصصة لشخص بذاته، وأكد آل سعيد ضرورة عدم حرمان الطفل منها لأن ذلك قد يتسبب في أثر نفسي غير جيد له. وقاس آل سعيد فرحة الأطفال وأثر العيدية على نفسيتهم بفرحه سابقاً من خلال استرجاعه لأيام العيد، وكيف كان المبلغ القليل الذي يحصل عليه يساهم في سعادته، حيث كان ينتظر يوم العيد بفارغ الصبر ويخطط كيف سيستفيد من العيدية، وفيما سيستخدمها، مؤكدا أن العيد تراث اجتماعي معروف منذ القدم، رغم اختلاف الوضع، حيث كان الطفل يصنع الفرح بتصميم ذاتي آما الآن فإنه يأخذه جاهزا. الزي الرسمي وتحدثت الاختصاصية الاجتماعية فاطمة العجيان، عن مظاهر عيد الفطر، مؤكدة أن جميع هذه المظاهر تركز على إظهار الفرح والسعادة والبهجة بهذه المناسبة الكريمة، ومن أبرز مظاهر العيد قديماً وحديثاً التي يجتمع عليها الناس هي ما يعده الأهالي صبيحة يوم العيد من وجبات وأصناف منوعة من الأكل، حيث تتفنن النساء في الطبخ الذي يقدم في بيت العائلة الكبير كتقليد يُعمل به منذ القدم. وأوضحت العجيان أثر العيد على الأطفال، حيث إنه يدخل البهجة والسرور والفرحة إلى قلوبهم، ويظهر هذا الأثر جليا مع انتظار الأطفال لهذا اليوم بكل براءة وحب واستعداد، من خلال شراء اللباس الجديد أو تلك التي تشبه الملابس الأصيلة، التي كان الآباء والأجداد يرتدونها، حيث إن هناك من لا يزال يحرص على ارتداء الثياب التراثية والزي الرسمي، كما أن هناك آخرين يرتدون ما اختير لهم من قبل الأهل. الماضي والحاضر وقارنت العجيان بين العيد في القديم والحاضر قائلة: « كان العيد في الماضي فرصة للتجمع على مستوى الحي، وتبادل الهدايا والمال الذي يصرف للأطفال تحت مسمى العيدية، بعد ذلك يبدأ الأطفال باللعب بعد شراء ألعابهم من السوق الشعبية الموجودة في ذات الحي، وتبقى الحركة مستمرة طوال اليوم من خلال الأناشيد التي يرددها الأطفال ومنها «بكره العيد ونذبح بقره نادي علوان يذبح البقره»، أما في الحاضر فإن العيد يتميز بزيارة المتنزهات والحدائق ليمارس الأطفال ألعابهم المفضلة، كما تتوجه الأسر إلى المهرجانات العالمية والكبيرة في المحافظة، مثل «مهرجان الدوخله»، ومهرجان «واحتي فرحانه»، ومما لا شك فيه أن فرحة العيد قديما وحديثا لم تختلف لدى الأطفال فهي الفرحة ذاتها رغم اختلاف الشكل واللبس والوقت والحضارة. عرف اجتماعي وقال الاختصاصي الاجتماعي جعفر العيد: إن العيدية تحولت من عادة إلى عرف لها صفة الشمولية والإلزام والثبات النسبي، وقد حافظ المجتمع عليها وصمدت أمام التغيرات التي طرأت على المجتمع السعودي، فلا نستطيع اليوم أن نعد العيدية ضمن النظام الاقتصادي إنما هي من الأعراف المجتمعية التي تُحسب على النظام التربوي الأخلاقي، على أنها ما عادت كالماضي لكونها تكيفت مع الحاضر، « إن لكل جيل نكهته وأحاسيسه ومشاعره، ولا يمكننا فرض مشاعرنا على الجيل الحاضر»، كما أن مشاعر الطفولة وأحاسيسها تختلف عن مشاعر الكبار، خصوصا حالة الانبهار والخيال التي نجدها عند الأطفال أكثر من غيرهم. كتب سلوكية ودعا الاختصاصي النفسي فيصل العجيان الوالدين إلى ضرورة قراءة الكتب السلوكية لتحديد ما يمكن أن يعطى للطفل في العيد وما هو أثره عليه، حيث إن هناك بعض الأسر لا تستطيع معرفة احتياج الطفل، فهي إما تزيد من المبلغ الممنوح للطفل أو تنقصه إلى حد العدم، وهذا يعود إلى ردود الفعل العكسية التي تكونت لدى الوالدين منذ القدم، دون أن يدرسا أو يسألا اختصاصيا في علم النفس، عما يجب فعله، ما يؤدي إلى انعكاس العيدية بشكل سلبي على الطفل. البعد عن البخل وأوضح العجيان أن كثيرا من الأشخاص يخشون السعادة، ويرغبون في إدخارها إلى وقت آخر معتقدين أنه لا يوجد ما يفرح، رغم أن الواقع مختلف، ففي الماضي وعلى الرغم من قلة التكنولوجيا والبساطة إلا أن الفرح كان يسود على كافة الأفراد، وكذلك الأمر في الوقت الحالي الذي يذخر بالفعاليات والمشاركات الجماعية التي تسهم في نشر الفرح، لذلك يجب أن نفرح في هذا اليوم وأن نساهم في نشر السعادة بأساليب مختلفة حتى يكون هذا اليوم مختلفا عن غيره من الأيام. طفل يقبل أخاه بعد أن أعطاه العيدية