بدر البلوي لا شك أن الزيادة السكانية في المملكة والطلب المتنامي على الإسكان بشكل خاص بالإضافة إلى التركيبة السكانية الفريدة للسعوديين دعمت السوق العقاري بالمملكة، حيث إن ما يقارب 60% تقل أعمارهم عن 25 عاما وهم بالتالي بحاجة إلى مساكن خلال الفترة الحالية والقادمة، هذه العوامل في بداية الأمر جعلت من السوق العقاري قناة استثمارية جاذبة للمتعاملين مع مثل هذا النوع من الاستثمار ولكن سرعان ما تحول الأمر خلال الفترة الأخيرة إلى سلوك مختلف تماما بعيد عن الأساسيات العقلانية لهذا السوق، فقد انحرفت الأسعار بشكل سريع عن مسارها الطبيعي بسبب الرواج الذي تلقته، مما دفع الأسعار إلى مستويات عالية لتنقلب هذه القناة من فئة استثمارية جاذبة إلى فئة مختلفة تماما «مضاربية» ودخول السلوك الأخير يشكل ما يسمى ب«الفقاعة السعرية»، التي تعرف بأنها الزيادة المضطردة والمتسارعة في القيمة السوقية لأصل لتنحرف بعيداً عن القيمة الأساسية أو العادلة للأصل، كما يقصد بهذا التعبير الاقتصاديات التي تشهد رواجاً كبيراً دون أن تستند لقاعدة متينة قادرة على توليد دخل منتظم على أسس دائمة ومتواصلة، كما أن الفقاعة ما هي إلا وصف لحالة تحدث عندما تتسبب المضاربة غير المبررة على سلعة ما في فترة زمنية محددة إلى زيادة متسارعة في سعر تلك السلعة مع تهميش القيمة الحقيقية للسلعة وانحرافها بشكل غير منطقي عن السعر الأساسي أو العادل لها، في تلك المرحلة يصل سعر تلك السلعة إلى أسعار مبالغ فيها وغالباً تكون في فترة زمنية قصيرة ويقود هذه الفقاعة من يسمون ب«المضاربين المحترفين». ولا شك أن هناك طلبا فعليا للعقار في المملكة ولكن تكمن المشكلة في أن الأسعار المتداولة لا تتوازى مع الدخل الحقيقي للفرد الراغب بالتملك، وهو ما جعل نسبة كبيرة من هذه الفئة تتوقف عند سقف معين يعد الحد الأعلى لقدرة الفرد «المادية» لامتلاك العقار. في المقابل لا يزال المضاربون يتعاملون بهذا الأصل في محاولة لدفع الأسعار إلى أعلى للاستفادة من الفوارق السعرية (بين الشراء والبيع)، وبالتالي فقد بعض المتعاملين القدرة على مجاراتهم في المضاربة بسبب ارتفاع الأسعار فابتكرت البيوت الاستثمارية أداة استثمارية تتيح لجميع الفئات الراغبة في الاستثمار العقاري الاستفادة من الرواج العقاري «الصناديق العقارية». إن دخول هذا اللاعب الأخير غذى السوق العقارية بمزيد من النقد ولكن لفئة مختلفة «صغار المستثمرين» ودفع بالأسعار إلى مزيد من الارتفاع. وتكمن المشكلة الحقيقية في أن الطلب الحقيقي توقف عند حد السقف الأعلى، وما تلا ذلك لا يعد سوى عمليات مضاربية وهذه العمليات ستصل إلى مستوى معين تتوقف عنده حالة التفاؤل تجاه العقار، كما أن بعض من الصناديق الاستثمارية ستنتهي من تطوير المشاريع العقارية «قيد التنفيذ حالياً» وبالتالي ترغب في البيع والخروج من السوق لتصفية الصندوق، ما أخشاه أن انعدام الطلب عند قمة الأسعار سيدفع جميع الأطراف إلى محاولة الخروج بشكل سريع وبالتالي تخفيض العروض بشكل متسارع ومن ثم تنتقل إلى حالة من الهلع والخوف تصيب المتعاملين وقد تمتد إلى بعض المستثمرين الأساسيين في هذا السوق وهو يؤدي إلى ما يسمى بانفجار الفقاعة، فما إن تبدأ ككرة الثلج صغيرة حتى تتدحرج وفي كل مرحلة هبوط تكبر المشكلة إلى أن تصل لمراحل لا يمكن معها وقف هذا النزيف الحاد (هذا السيناريو قريب جدا مما حصل في سوق الأسهم السعودي عام 2006 وهو ما يحصل في الغالب تجاه أي سلعة متضخمة). أتمنى ألا يتكرر هذا السيناريو الأليم لما قد يخلفه من نتائج سلبية اقتصادية ونفسية على المجتمع، ولكن المعطيات الحالية تشير إلى أن الأسعار العقارية الحالية في وضع سيئ للغاية حيث إن التوسع النقدي الزائد، والإفراط في الثقة، بالإضافة إلى الخداع من قبل المضاربين المحترفين «وهو أن يتم شراء الأصل ليس لأنه يعتقد أنه يستحق هذا الثمن، بل لأنه يعتقد أنه قادر على بيعه لشخص آخر بسعر أعلى من سعر الشراء»، وقلة الوعي الاستثماري، وتدني مستويات أسعار الفائدة والسياسة النقدية التوسعية للحكومة، والتضخم، والفوضى… جميعها معطيات تشير إلى أن ما يحدث ما هو إلاّ مجرد «فقاعة عقارية».