أكّد الدكتور أحمد آل مريع رئيس نادي أبها الأدبي أن العقل في الثقافة العربية تمّ اختزاله وتشكيله على فترة معينة، حيث ظلّ مستعبداً لهذه المرحلة ولم يتجدّد أو يتعدّد، جاء ذلك في محاضرة ألقاها في مجلس ألمع الثقافي مساء أمس الأول عن « الجنون في الثقافة العربية … الاستبعاد والنفي « قدّمها الكاتب إبراهيم طالع. وأضاف آل مريع أنّ تجلي العقل في الثقافة جاء نتيجة ارتهانه بقيم أخلاقية نشأت ضمن الواقع الاجتماعي. حيث وصف بالفضيلة تارة وبالاستقامة تارة. لأن المشهور في ممارسة الجميع يأخذ معنى القيمة، لذلك يكون وجهًا آخر للفضيلة/الاستقامة، وعدّ آل مريع العقل ممارسة اجتماعية تأنس للتقليد والاتباع، وليس العقل العلم ولا المعرفة وأضاف العقل نظام من العمليات، أو طائفة من المستقرات والأنساق الفاعلة في الثقافة. وفي غياب الجانب الموضوعي في وصف الجنون أشار آل مريع إلى أنّ الوصف يجعل توظيف «الجنون» في وجهه الثقافي توظيفًا متحيزًا في أكثر الأحيان لصالح النموذج العالم/ المؤسسي أيّا كان مجال حضوره وفاعليته، بصفته: سلاحًا لغويًّا، وموقفًا اجتماعيًّا، وتحيزًا معرفيّا، يستبطن السلطة لعزل المخالف/المتجاوز/المستغلق ونفيه؛ خارج دائرة العناية والاشتغال؛ أكثر من كونه وصفًا حقيقيٍّا لنقص في الكفاءة. وعن تلقّي الثقافة الرسمية للجنون أشار آل مريع إلى أنّ ذلك يتمّ من خلال تحديد موقعين مؤسسيين فاعلين، هما: المؤسسة اللغوية، وما سمّاه»منطقة المفاهيم» ، حيث إنّ الموقع المؤسسي الأول: تؤثر اللغة في طريقة رؤية أهلها للعالم، وفي كيفية مفصلتهم له، لأن اللغة ليست وسيلة للتعبير فحسب، ولكنها وسيط معرفي، يتموضع بين الذّات المدركة وبين عمليّة الإدراك وبين العالم الخارجي. ما يجعلها أشبه بالسلطة التشريعية، التي توجه مستخدميها وتحدد لهم ما يقولونه ، وفي ختام المحاضرة أجاب آل مريع عن أسئلة الحاضرين المتعدّدة والتي تركّزت على الممارسات الثقافية في المدونة التراثيّة وهل بقيت رهنًا للتنميط،أم أن هنالك اجتهادات ثقافية مختلفة ؟! أجاب آل مريع بأنّ السؤال يحتاج إلى بحث خاص للإجابة عنه، لأن هنالك آليات ثقافية وحيلاً؛ لاستعادة الأصوات المهموسة والغائبة/ المغيَّبة، وتدوير المهمّش ضمن الوعي الرسمي للثقافة، لا يمكن لها أن تنفذ إلى أفق الوعي الثقافي والاستهلاك دون أن تمر من خلال استحضارها واستخدامها. وحتى لا يكون كلامنا إرسالاً للأحكام كيفما اتفق؛ وهو ما وعد أن يكون هذا السؤال المعرفي النقدي مجال مشروع قادم عن: «خطاب الجنون: الاستعادة والحضور» .