لستُ عميلاً، ولا خائناً، أنا عربي كنت في بغداد للمشاركة في احتفالية «بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013»، التي أتت حافلةً كريمة، وسط تشديد أمني مخافة أن يستغل أحد الظلاميين «الملغّمين» الحدث فيفسده، ويحوِّله لمأتم عربي كبير! إذ إن «هنالك من لا يريد للعرب أن يلتقوا»، كما عبَّر عن ذلك وزير الثقافة العراقي سعدون الدليمي في افتتاحية كلمته الترحيبية بالضيوف. لقد حضرت وجوه ثقافية عربية عميقة، حفرت ذاكرتها في الأرض، وغابت – أيضاً- وجوه ثقافية أخرى، واعتذرت عن الحضور وجوه ثالثة، ولكنَّ سمة الغياب الثقافي العربي كانت واضحة، لاسيما تلك التجارب الثقافية التي ارتبطت بالمربد «البعثي»، وبتاريخ الثقافة العربية العراقية النضالية المتضامنة مع العراق في حربها ضد إيران. أو تلك الوجوه التي ارتبط حضورها بمعلَّقات المدائح الطويلة التي كانت تأتي لصالح تمجيد الدكتاتور، وامتداح صدام باعتباره حارس البوابة الشرقية «حسب تعبير الشاعرة بلقيس حميد». فهل كان الهاجس الأمني هو الذي دفع بعض المثقفين للاعتذار عن الحضور؟ أم إنه كان تعبيراً أيديولوجياً متمثلاً في موقفهم من الاحتلال «الإيراني – الأمريكي» للعراق كما يشاء أن يعبر عن ذلك بعض القوميين والشيوعيين العرب؟. أتساءل، وأنا في بغداد، ما الحل؟ هل الغياب حل؟ هل السِّباب، والشتم، والكيل على المنظِّمين، وعلى بغداد، وعلى الثقافة، وعلى المثقفين المشاركين بوابل اللَّعنات – كما فعل سعدي يوسف وآخرون- سيكون حلاً؟ ومن وجهة نظر أخرى، هل التباكي على أيام صدام والاصطفاف مع قوى المعارضة الدموية «الطالبانية» المتحالفة مع فلول البعث سيكون حلاً؟! لا أدري! ولكني – مثل كريم راهي- على يقين بأن البوصلة العربية ضاعت في بغداد منذ 2003، حين دخلت المعارضة الشيعية ممتطيةً الدبابة الأمريكية، قبل ضياعها – عربياً- مع جنون الربيع العربي وفوضاه. حين وقف المثقفون العراقيون والمثقفون العرب جنباً لجنب وسط حيرة شديدة، مملوئين بالدهشة بين دكتاتورية تسقط ومستعمِر «فارسي-أمريكي» يدخل في تفاصيل هويتهم العربية طامعاً فيهم، ومنتقماً منهم. كنت أتساءل بصوت عالٍ «ما الحل؟» أمام صديقي الشاعر العراقي محمد البغدادي، وكان يقول لي بحب «خل يجون العرب، ويستعمرونا بدل ما يستعمرنا الغرباء». في الحقيقة يا صديقي، بغداد «العربية» هي من تستعمرنا جميعاً.