فاجأني السيد شتور (Stoehr) في مدينة باينه (Peine) حين جئت للعمل فيها – وقد كانت الشركة التي حملت أغراضي تنزلها داخل الشقة – حينما قال لي أنا أسف يا دكتور يالابي (يلفظون الجيم J يوت) لإزعاجك، ولكن يجب أن ننقل إقامتك على جواز سفرك قبل أن تبدأ العمل عندنا، تعجبت من حضوره ومعرفته أين أنزل؟ قلت له كيف عرفت أنني هنا وفي هذه الساعة، ضحك وقال: نعرف. اكتشفت لاحقا أن المستشفى له مجلس رئاسة، يقرر ما يريد من ميزانية، وينفق حسب الحاجة، ثم اكتشفت أكثر من ذلك، اكتشفت أن ألمانيا كلها خلية نحل تعمل بطريقة اللا مركزية. كان السيد كروزه (Kruse) قد سبقني إلى غرفة العمليات، ووضع لي نعل العمليات وعليه اسمي، وفي اليوم الأول من بدء العمل كان صندل العمليات الخشبي جاهزا، وأنا متعجب. كنت حين أخرج من غرفة العمليات يقول لي ما هو الجرافت (الشريان الصناعي) الذي استعملت في العملية؟ أقول له (16x8x8) يقول غدا يكون البديل جاهزا. ليس ثمة حاجة للذهاب إلى المستودعات المركزية وإضاعة نصف نهارٍ لمعرفة وجودها من عدمه. سر القوة في المجتمع الألماني هو اللا مركزية. الحكومة الألمانية نفسها لا مركزية، تتكون من تجمع حكومات. المركزية المكثّفة تعيق حيوية العمل وإنتاجيته، فلا يدري أحدٌ مصلحة شيءٍ مثل الذي يكون في ساحة العمل والمكان، ولكن هذا نضج كبير ومسؤولية عظمى. بهذه الطريقة فهمنا طرفا من قوة المجتمع الألماني وحيويته. هنا يجب الخروج من نفق التخصص لفهم لماذا الطب متقدم في مثل هذا البلد كباقي الفروع المعرفية. إنها اللا مركزية، ولكن هذا يعني انقلابا نوعيا في طبيعة المجتمع وماكينة الحكم فيه.