حريق التحرير الذي حصل يوم الأربعاء، أثبت لنا كفريق عمل أن الحب للمكان هو من يدفع للعطاء ، ولا يمكن أن نعطي بدون حب للمكان مهما كانت المغريات المادية ، عندما حضرت للمبنى أدركت أن الحريق أكل ما أكل ، وكان يهمني فعلاً سلامة الأرواح لعلمي بوجود بعض العمالة يحضرون من وقت مبكر ، لحظة دخولي لطابق التحرير كان مثل الصدمة ، فهذا المكان عشنا فيه طوال عام ونصف أكثر مما عشنا في بيوتنا ، أصبح رماداً . في خضم القصة التي كُتب عنها كثير ، لم أهتز ولم أحمل هماً الا في لحظتين كادت عيناي تدمعان الأولى عندما وصلت لمكتبي الذي أصبح رماداً ، والثانية عندما شاهدت شباب الصحيفة يلتفون حول بعضهم في إشارة ضمنية للتكاتف والتعاضد ، وهو ما تفتقده بعض المجتمعات العملية ، واكتشفناه في أزمة الحريق . كشف لي هذا –شخصياً – هذا الحدث عن العمق الإنساني الذي يتمتع به كثير من السعوديين ، وأذكر هنا مواقف لبعض الزملاء في الصحيفة الذين راسلوا رئيس التحرير متبرعين برواتبهم ومثلهم بعض الكتاب وهو مارفض أصلاً ، ولكن الإحساس بأن جميع من في الشرق هم أسرة واحدة يخفف من مصاب الفاجعة . أخيراً : لن ننسى هنا لقطات جميلة ،سواء كانت من مسؤولين أو صحفيين أو قراء ، ولعلي هنا أذكر قصة أحد القراء الذي حضر لنا في الصحيفة بعد الحريق ، ويريد أن يقدم أي شيء خدمة للصحيفة ، وقال إنه متابع يومي لها ، لعلي هنا أظن أن هذا الحب الذي يبادلنا القراء لو دفعنا ما دفعنا فلن نحصل على بعضه، فالحب كائن يسكن أرواحنا ولايمكن أن نصنعه . إضاءة : البعض فرح بحريق الصحيفة وأخذ يردد أنها لن تصدر ، الشامتون هؤلاء ردنا عليهم أن «الشرق» هي ملحمة الحياة والموت ، وموتنا جميعاً سيجعلها لن تصدر فقط.