غسان حامد عمر جاء الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، من حاكمية ولاية آركنسو، إلى البيت الأبيض ليجد الاقتصاد الأمريكي مثقلاً بالدين، وخلال فترتي رئاسته نجح في عكس مؤشرات الهبوط في قطاعاتٍ عدة في ظاهرة سماها خبراء الاقتصاد من باب الدعابه «the pekiny chart»!.لا يستطيع إنسانٌ عاقل لوم الرئيس كلينتون، فور توليه منصبه على التركة الثقيلة التي ورثها، ولكن بإعطائه الفرصة الكافية مع بعض النقد البناء مع الأخذ بعين الاعتبار أن البناء أصعب من الهدم.خشيت كثيراً أن أصنف في خانة الكاتب الذي يكتب عن التنمية، ويوصف بالنفاق، وقبل التصنيف والزج بي في خانة المطبلين وطلاب الشرهات أحب أن أنوه إلى أن ما أحبّره الآن هو محاولة للتوقف والنظر بهدوء وعقلانية للظاهرة التي أصبحنا نعيشها وهي روح التذمر العام، وكثرة الشكوى والنقد الهدام. ما صرت أجلس في مجلس إلا وانطلقت فيه الألسنة تلهج بالشكوى من كل شيء، وبطريقة سلبية فيها من المبالغة الشيء الكثير.كثيرون صاروا يشتكون من أشياء توجد في كثير من المجتمعات، ويتبادلون طاقة سلبية أولى بهم استغلالها في الكتابة لجهة مسؤولة، أو التعاطي معها بشكل إيجابي أو ذكر حلول كما قال صديقنا المشهور، وأصبح ديدن بعض مَن يشتكون التشكي ولو لم يكن به شيء: «خليها على الله، ياريت» وقديماً قال المصريون: « الشكوى بميت رقوة» أي أنها تبعد العين والحسد. قال إيليا أبو ماضي: أيّها الشّاكي وما بك داء كيف تغدو إذا غدوت عليلا؟ إنّ شرّ الجناة في الأرض نفس تتوقّى، قبل الرّحيل، الرّحيلا وترى الشّوك في الورود، وتعمى أن ترى فوقها النّدى إكليلا هو عبء على الحياة ثقيل من يظنّ الحياة عبئا ثقيلا والذي نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئا جميلا إن أناساً كثيرين من إخوانٍ عرب وغيرهم يقومون بكثير من العمل وقليل من الكلام، والمحصلة أنهم راضون بالمجمل. إن زملاءً لي في المهنة من «الخواجات» يتحدثون دائماً بإيجابية وأحياناً بواقعية عن مشكلات تمسهم، و»لا يا سيدي» الفاضل أعرف عدداً منهم تعرضوا للسرقة في «الكومباوند» الخاص بهم وتعرضوا لانقطاع الماء ولكنهم يرون أشياءً لا نراها.لقد كانت كارثة سيول جدة لها أهمية كبيرة في اعترافنا بأننا نحارب أي وجه للفساد، وهي بحد ذاتها خطوة مهمة لتشخيص الداء بالاعتراف بوجوده ولو استغرق ذلك وقتاً، وبذلك نكون قد خرجنا من مرحلة الإنكار.إذا تجرد المرء من روح الشكوى الدائمة والنظرة السلبية سيرى أن سقف استقبال مجهودات البناء مرتفع كثيراً عن العقد الماضي. سيلمس أن زمن الوزراء، والسفراء، والمديرين الموصدة أبوابهم قد ولى، لا أنسى صوت عميد جامعة سعودية وهو يصرخ في الطلاب: «قرفتوني روحوا شوفوا لكم جامعة ثانية تلمكم» أو مسؤول وزارة البرق والبريد والهاتف الذي يرمي أوراق المراجعة بعد تفضله مشكوراً بالشرح عليها. هناك فرق بين النقد البناء والهدام المليء بالتهجم والسخرية من كل شيء وأي شيء، نقد وصل لمراحل شخصنة المسألة مع المسؤول وأسرته! من قبل صحفيين هم أنفسهم بحاجة إلى نقد أسلوبهم الذي يفتقد لأدنى درجات الرقي، مع الأسف قرأت لهم سابقاً في الصحف، وليتني لم أرهم في لقاءات تليفزيونية. وأيضاً ترى أناساً كانوا يطالبون بجهة لمكافحة الفساد، وهم اليوم يسخرون من الهيئة وإعلاناتها، ولم يتمنوا لها التوفيق يوماً، وأشخاص كانوا يطالبون بإعانة للبطالة.. ويسخرون يومياً من حافز.حذار من تفشي لغة الشتم والسب وتوزيع الاتهامات فقد يكون المسؤول زوج أختك أو عمك وربما أباك، وفي الحديث « كفى بالمرء إثماً أن يحدّث بكل ما سمع».مسؤولية المسؤولين الآن كبيرة، ولكن رويداً رويداً، فلو شغل أي شخص مكانهم ربما أدى أداءهم أو كان قريباً من أدائهم.إن مجتمعاً مليئاً بالتراكمات والمشكلات العويصة بحاجة إلى بصيص أمل… إلى نظرة تفاؤل.. إلى كلمة تشجيع.وقد ظهرت مؤخراً مجلات شبابية باللغتين العربية والإنجليزية بميزانيات بسيطة، وجهود شخصية تتبنى وجهة النظر هذه، وتخبرنا بالأخبار الإيجابية كي نسير ونتقدم، ونؤدي الذي علينا إلى أن نصل يوماً. وقديماً قال الحطيئة: أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا.