هناك تلازم كبير بين التربية والإنسانية، ليست التربية أن نحول أبداننا وأبدان صغارنا إلى كتل من الشكل. إنني أعتقد أن الفارق بين إنسان وآخر تربوي، إن الأخلاق لغة، والسلوك لغة، والضمير الأخلاقي ناتج تربوي كما هو التعاطي مع الناس والأشياء ناتج تربوي أيضاً، وهي مسألة ترجع إلى الثقافة والتصورات. السؤال عن كيفية تربيتنا لأبنائنا سؤال عن ثقافتنا وتصوراتنا وإدراكنا لمعنى القيمة وشرط القيمة الإنسانية والاعتبارية، إن من أسوأ ما يهدم الشخصية أن نشعرها أننا نستصغرها. استصغار أبنائنا كارثة ضد الإنسانية، ضد إنسانيتهم هم وإنسانيتنا نحن وإنسانية الدنيا كلها، هذا فضلا عن تحقيرهم أو السخرية منهم أو تحقير رأيهم وطريقتهم في إدراك الأشياء والمواقف. علينا أن ننتهي عن هذا إذا كنا نقع فيه، إذا كنا لن نعزز فيهم سعادتهم بأنفسهم وإمكاناتهم وتقديرهم لذواتهم فإن علينا أن نكف عنهم ونتركهم في جانب الحياد. إن تصورات الأطفال لذواتهم ليست ناقصة، إنها عاقلة و كل رسالة ينطوي عليها سلوك الكبار-سناً طبعاً- يدركها الصغار -سنا طبعاً-. إن من أكبر الجهل أن نجعل التلازم بين العقل أو إمكان العقل والعمر تلازماً طرديا مستقرا أو ثابتا. هذا خطأ في الوعي و في الثقافة، و لو أننا تحدثنا عن الإدراك المنطقي العلمي مثلاً لاتفقنا على بونٍ شاسع لصالح الشباب الذين هم أصغر سناً، ليس ذلك لأنهم متعلمون أو أنهم تدرجوا في بناء التفكير الرياضي، هذا غير صحيح، إنها مسألة إمكان عقلي واتساع في الإدراك وبنفس الاعتبار يمكن أن ننظر إلى وعيهم بالتجارب وإلى حدة إدراكهم لتجاربهم النفسية والمعنوية مع الآخرين في الأسرة وفي المجتمع. لماذا نتحول إلى مجتمع متربص طارد منتقص لأبنائنا، إنني لا أعمم ولكني أنبه فقد يقع هذا بقدرٍ معين، ونحن بحاجة إلى صناعة القبول وصناعة الحب في علاقتنا بأبنائنا وإن تقدم بهم العمر أيضاً. إن أدهش الأفكار التي آلمتني وأفرحتني بنفس القدر الفكرة التي قرأتها مرة وتشير إلى الحب غير المشروط، أن نحب أبناءنا بغير شرط، وألا نكره فيهم شيئا. إن من المناسب أن نعبر عن استيائنا من التصرف الخطأ، ونحب أيضاً، ومن غير الملائم أن نحول الخطأ وهو طبيعة إنسانية إلى شرك معنوي للانتقاص والتسفيه إن لم يكن التجريح والإيذاء. إن كل اكتئاب وكل رهاب اجتماعي وكل سلوك وسواسي إنما هو في منشئه انصداعٌ معنوي أو تجربة نفسية مؤذية تحولت إلى شتاتٍ معنوي أو ذهني. هذا شيء غير معقول. (كيف نربي؟) مسألة تعني كيف نصنع إنساناً سوياً وكيف نبقى على فطرة سوية؟ صناعة القناعات قد تهدم فطرة الله التي فطر الناس عليها وفي الحديث الشريف: «فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه»، فكيف لا تهدم الكيانات المعنوية حين تكون صناعة تربوية جاهلة متخبطة لا تعي ولا تدرك؟