تعد آفة التسول من أكثر الآفات التي تقلق المجتمع، وتثير الفوضى، بعد أن أصبحت هاجسا لا يخفى على الأعين، حيث يجوب المتسولون الشوارع بأعداد هائلة وينتشرون في الأماكن العامة والإشارات المرورية أطفالا ونساء، يستدرّون عطف الناس ب»أقمشة ممزقة»وتقارير مزورة، بحثاً عن المال، يقتاتون على مشاعرهم إما لحاجة حقيقية، أو كأدوات تستغل للحصول على المال بأي طريقة، فقد أكدت الإحصائيات أن ظاهرة التسول تزداد في مواسم الحج والعمرة، وتنتشر أكثر في المناطق التي يرتادها الزائرون في مكةالمكرمة والمدينة المنورة، فضلاً عن استغلالهم أيضاً لشهر رمضان والأعياد. تشير كذلك إلى أن نسبة عالية من المتسولين المقبوض عليهم هم من الأجانب، إذ تتراوح نسبة السعوديين من المتسولين بين 13-21% بينما تتراوح نسبة الأجانب من المتسولين بين 78-87% حسب إحصائيات وزارة الشؤون الإجتماعية لآخر ثماني سنوات، في إشارة واضحة للنسبة العالية التي يمثلها المتسولون الأجانب، إذ يستغلون التكافل والبرّ والرحمة التي يحض عليها الدين الإسلامي في استدرار العطف، ويعتبر التسول وسيلة ممقوتة وبغيضة من وسائل الكسب السهلة غير المشروعة التي تفرز أفراداً من مختلف الفئات العمرية يكونون عالة على المجتمع ويساهمون في ضعفه وهوانه وتقديم صورة سيئة له.»الشرق» فتحت ملف التسول وأخذت بعض الآراء حول الظاهرة، في ثنايا الأسطر التالية: تجارة مربحة وصف المستشار الأسري عبدالرحمن القراش هذه الظاهرة بالتجارة قائلاً «أصبحت ظاهرة التسول تجارة مربحة دون رأس مال ولاجهد، وهنالك عوائل بأكملها تتسول، ونشاهد أطفالا تقودهم النساء في أكثر الأحيان عند إشارات المرور وداخل الأسواق العامة، مبيناً أن غالبية هذه العوائل مهاجرة ومخالفة لقوانين الإقامة» وأخرى من أبناء البلد امتهنت هذه الوسيلة استدرارا للعطف. عصابات تسول وأشار القراش إلى وجود عصابات تسوّل تكونت مع الوقت في مجتمعنا (مافيا التسول) مهمتها انتزاع الرحمة من قلوب المحسنين من خلال عرض الأطفال في أوقات قاسية إما في الصيف أو الشتاء بطريقة تدمي القلوب وتبكي العيون، والكارثة الأكبر من ذلك هو إخراج (جيل طُفيلي) يقتات على جهود الناس فلا مستقبل له ولا أمل في العيش بكرامة لأنهم يعيشون أغلب أوقاتهم بعيدا عن الرقابة الأسرية وعن التوجيه والإرشاد الذي تقدمه الأسرة والمدرسة» وأضاف «أن هذا يدفع الغالبية منهم إلى تعلم ثقافة الشارع القائمة على تمجيد السلوك العدواني وحب المغامرة والانحراف وغيرها من السلوكيات غير المقبولة اجتماعيا، التي تكون بالنسبة لهؤلاء أعمال بطولية يتفاخرون بها مثل السرقة وتعاطي المخدرات والتدخين». مستقبل غامض وتطرق القراش إلى أثر انتشار هذه الظاهرة على الأجيال المقبلة وقال «هذه الظاهرة تخلق جيلا يعيش على هامش المجتمع يقوم بأعمال مخالفة للقانون تطال المجتمع بأسرة ويدفع المجتمع في وقت لاحق ثمنا باهظا لمعالجة الآثار السلبية الناجمة عن ذلك لأن مكان الأطفال الطبيعي في بيوتهم ومدارسهم وعالمهم الجميل البريء وأحلامهم البسيطة الصغيرة، وبين ألعابهم الطفولية، ليس في الشارع مع المجرمين واللصوص يمدون أيديهم للحصول على المال، الذي سيقضي على طفولتهم مستقبلا، وتكون النهاية لحياتهم الكريمة لاحقا ويكون موتا أكيدا لكل طموح أو مستقبل كان من الممكن أن ينتظرهم يوما ما». علاج وعقاب وعن الدور العلاجي لهذه الظاهرة قال القراش «نحتاج إلى تضافر الجهود المنظمة والمخطط لها من قبل جميع الوزارات للقضاء عليها، كذلك توعية أفراد المجتمع بمكافحتها وعدم الانسياق وراء العواطف واستثارة المشاعر، وأن التعاطف مع مثل هذه الحالات يزيد من هذه المشكلة بدلا من تداركها». وختم القراش حديثه بأنه لابد من عقوبة المتسوّل قائلاً « ظاهرة التسول غير حضارية وغير إنسانية ويجب أن تتكاتف كل الجهود للحد منها، ومعاقبة كل من ينظمها، لافتا أن القانون يجب أن يكون صارما وخصوصا للأشخاص الذين يستغلون الأطفال بهذه الطريقة غير الإنسانية». أسباب الظاهرة وذكر الاختصاصي الاجتماعي محمد العقيل أسباب ظاهرة التسول قائلاً « تعود أسباب التسول بشكل أساسي للفقر والبطالة، إضافة إلى أن كثيرا قد اعتمد على التسول كمهنة يومية تدر دخلا معقولا سببه تعاطف الناس مع الاستجداء الكاذب لكثير من المتسولين، حيث تكون بعض وسائلها والأكثر انتشاراً هي إحضار أحد الأطفال كي يقوم باستجداء الناس للحصول على المال ويؤدي مظهره الشخصي إلى رثاء الآخرين وعطفهم عليه ويقوم بهذا السلوك عن قصد بشكل متكرر ومنتظم». تشويه وجه البلاد وبينت الباحثة التربوية «استقلال الحليو» أن ظاهرة التسول أصبحت غير مقتصرة على زمان معين بقولها «لم تعد مشكلة التسول قاصرة على شهر رمضان المبارك، إلا أنها تتزايد في هذا الشهر لما فيه من الإحسان والصدقات، وإن كانت تتزايد فيه بشكل يفوق المعتاد، حيث إن هذه الظاهرة أصبحت مشكلة تشوّه وجه البلاد الحضاري خاصة، حيث تراهم عند إشارات المرور وعلى أرصفة الشوارع، وبدأت هذه الظاهرة في التزايد رغم وجود جهاز لمكافحة التسول». وأضافت الحليو في حديثها بأن العمالة هي من أحد الأسباب بقولها «ظاهرة التسول تكثر وتتزايد مع تزايد العمالة في المملكة، حيث يقوم أغلبهم باستغلال النساء والأطفال لكسب أكبر عدد من المتعاطفين، بالتالي يكون العائد المالي كثيرا». حلول بديلة وطالب المستشار القانوني محمد المزين بالحد من هذه الظاهرة قائلاً «التسول ظاهرة يجب الحد منها، وهي طريقة كسب عيش للمتسولين، ومن المفترض أن يتم توفير البديل لمعالجة المشكلة بطريقة تحتوي المتسولين. إن ظاهرة التسول مشكلة عالمية ولكن تتفاوت من بلد لآخر في حلول الحد من هذه الظاهرة «. وأضاف المزين أن الحل يكمن في احتواء الظاهرة عن طريق المؤسسات المقرضة، حيث يوجد صعوبة في الطلبات والشروط عندما يتقدم أصحاب الدخول المتدنية أو معدومي الدخل من زاويا مختلفة، حيث إن المؤسسات المقرضة يطالبون بمشاريع صعبة على المتقدمين كدراسة الجدوى، متسائلا: «كيف لإنسان يحمل شهادة ابتدائية أو متوسطة أن يقدم دراسة جدوى»؟! وذكر المزين أنه يجب على المؤسسات المقرضة أن تحتوي هؤلاء المتسولين أسرا وأفرادا بقوله «من واجبات المؤسسات المقرضة أن تحتوي المتسولين من خلال تقديم برامج سهلة وميسرة يستطيعون من خلالها ترك كسب العيش المحرم والحصول على لقمة العيش الكريمة والعمل في مهن تدر دخولا جيدة، وفي حال تقدمت المؤسسات ببرامج ميسرة فستساهم في حل هذه الظاهرة والحد من انتشارها». سلوك خاطئ وأكد المزين دور الجهات الرسمية في الحد من الظاهرة «يحق للجهات الأمنية القبض على المتسولين وإيداعهم السجن بعد مقاضاتهم مبينا أنهم يمارسون سلوكا خاطئا، كما يجب احتواؤهم من خلال دعم المشاريع، وأنه لايجوز التسول مع وجود فرص عمل متاحة أمامهم». استعطاف المواطنين وبين محمد العتيبي (رجل أمن ) انتشار هذه الظاهرة بقوله «إن ظاهرة التسول من الظواهر التي انتشرت في الآونة الأخيرة في جميع مدن المملكة دون استثناء، فتجد المتسولين يلجأون إلى طرق شتى في استعطاف المواطنين للحصول على مبتغاهم بعبارات مشفرة (كل سنة وأنت طيب) أو يحملون معهم صكوكا مزورة أوتقارير طبية يدعون فيها إصابتهم بأمراض مستعصية ويقفون عاجزين عن العلاج بسبب ارتفاع تكلفة العمليات». عبارات مضللة ولفت العتيبي إلى دور الجهات الأمنية، قائلاً «الجهات الأمنية تقبض بشكل مستمرعلى متسولين بأعداد كبيرة من مخالفي نظام الإقامة والعمل، الذين يتسللون للدخول بطرق غير مشروعة بحثا عن المال، وقد يُستغلون من عصابات للتسول جعلت دائرة التسول تتسع لوفرة المحصول اليومي للمتسول من المال، بجهد يسير وعبارات مضللة ونظرات خادعة وإعاقات مفتعلة». ووصف العتيبي بأن التسول وباء يجب القضاء عليه قائلاً «ظاهرة التسول تضايق المواطنين بشكل كبير وهي وباء في المجتمع» وطالب في الوقت ذاته الجهات المعنية بملاحقة المتسولين في كل مكان لافتا أن التسول فيه إساءة للوطن. إحصائيات: * نسبة السعوديين من المتسولين 21.13% * نسبة الأجانب من المتسولين 87.78% * شهر رمضان أكثر شهور السنة لازدهار التسول * مكةالمكرمة والمدينة المنورة أكثر المدن التي فيها متسولون توجيه المحتاجين للخدمات التي توفرها الدولة على ضوء ما حددته النظم واللوائح «الاجتماعية»: نبحث حالات المتسولين السعوديين للتعرف على مشكلاتهم ورسم خطط علاجها كل حالة على حدة تم إدراج موضوع التسول في الموقع الرسمي لوزارة الشؤون الاجتماعية لتثقيف المجتمع بمعلومات عن إحصائيات للحد من الظاهرة، وأوضحت الوزارة بأن التسول يعد وسيلة ممقوتة وبغيضة من وسائل الكسب السهلة غير المشروعة التي تفرز أفراداً من مختلف الفئات العمرية يكونون عالة على المجتمع ويساهمون في ضعفه وهوانه وتقديم صورة سيئة له،» ونحن إذ نسلّم بأن من أهم الثوابت التي تقوم عليها المملكة العربية السعودية هو نظرها بعين العطف والرحمة عند معاملاتها مع ذوي الحاجات، بما يحقق التواد والتراحم والتكافل بكافة بصوره وفق ما تدعو إليه رسالة الإسلام الخالدة فإننا ندرك في الوقت نفسه أن العقيدة الإسلامية تدعو إلى العمل والكسب المشروع وتنهى عن التسول وتمقت من يمد يده دون حاجة ماسة» ومع زيادة عدد ممتهني التسول فقد سعت المملكة للقضاء على هذه الظاهرة التي أوضحت الدراسات والمسوح الإحصائية بشكل جليّ أن نسبة عالية من ممارسيها من الأجانب، وصدرت التعليمات والإجراءات المنظمة لتحقيق هذا الهدف في عام 1393ه عندما صدرت موافقة رئيس مجلس الوزراء المبلغة لصاحب السمو الملكي وزير الداخلية برقم 3/4763/ ك في 28/2/1393ه على المحضر المعد عن ظاهرة التسول والإجراءات التي تضمن بإذن الله حل هذه المشكلة التي لا يتناسب وجودها مع ما منّ الله به على هذه المملكة من الرخاء والاستقرار وتوفر مجالات العمل وأنواع الرعاية المختلفة.ومن خلال وجود ثمانية مكاتب في مختلف مناطق المملكة، إضافة إلى أربعة مكاتب للمتابعة الاجتماعية، ساهمت في معالجة كثير من حالات المتسولين الذين يتم إلقاء القبض عليهم من قبل الجهات الأمنية (والمناط بها عملية القبض) حيث تركز المكاتب على بحث حالات المتسولين السعوديين للتعرف على مشكلاتهم ورسم خطط علاجها وفق فردية كل حالة وتوجيههم إلى الخدمات التي توفرها الدولة للمحتاجين منهم على ضوء ما حددته النظم واللوائح الصادرة بهذا الشأن، بينما تتولى الجهات الأمنية معالجة أوضاع المتسولين غير السعوديين. التسول عند الإشارات المرورية