تتفاقم خطورة مشكلة التسول وتتزايد حدتها في المجتمع مع غياب الحلول الحاسمة لها، ومع ضعف أدوات التعامل معها على الرغم من أن هذه الظاهرة قد فرضت نفسها علينا منذ وقت ليس بالقصير، وتنبهت إليها الدولة منذ حوالي أربعين عاماً، وتمثل ذلك في موافقة رئيس مجلس الوزراء على المحضر المعد عن ظاهرة التسول والإجراءات التي تضمن - بعون الله - حل هذه المشكلة التي لا يتناسب وجودها مع ما من الله به على هذه المملكة من الرخاء والاستقرار وتوفر مجالات العمل وأنواع الرعاية المختلفة وكان ذلك في عام 1393ه حيث صدرت الموافقة لمواجهة هذه الظاهرة في مهدها. وهذه اليقظة المبكرة لظاهرة التسول ومخاطرها والاهتمام بمكافحتها منذ وقت بعيد لم تحل دون استمرارها وانتشارها بحيث لم تعد قاصرة على مواسم معينة بل أصبح من المألوف أن تجد المتسولين بالمساجد عقب الصلاة، وفي الأسواق وأمام الأماكن العامة، وعند إشارات المرور في مدن المملكة، وهذا الانتشار المريب الذي يعطي صورة سيئة لمجتمعنا أمام واجب إعادة النظر في التعامل الحازم مع هذه الظاهرة المشينة وبخاصة إذا كانت الإحصاءات الصادرة من الوزارات المختصة تشير إلى أن النسبة العالية من المتسولين المقبوض عليهم هم من الأجانب حيث تصل نسبتهم إلى ما يقرب من سبعة وثمانين في المئة، فهنا تكون الخطورة الحقيقية إذ كيف نسمح بأن تستشري هذه الظاهرة وتتزايد مخاطرها ليتم التسول بمختلف اللغات وبشتى طرق الاحتيال التي تجد في طبيعة أبناء الوطن طريقاً سهلاً لنيل مآربهم مستغلين ما يتصف به أبناء المملكة من نظرة حانية عاطفة رحيمة إلى من يظهرون بمظهر الضعيف أو المحتاج في إطار تمسكهم وحرصهم على التكافل الاجتماعي الذي دعانا إليه ديننا الحنيف وحثنا عليه. إن مشكلة التسول التي نشاهد نماذجها تتعدد وتتنوع في حاجة ماسة وآنية للمعالجة، فقد وجد المتسولون أن الوسائل التي يلجئون إليها لممارسة التسول قد أصبحت طريقاً سهلاً وسريعاً للتكسب والثراء السريع حتى قدر بعض المراقبين والمتابعين أن حجم الإنفاق على التسول في المملكة يقترب من سبعمائة مليون ريال، ويكفي ما تنشره إدارة مكافحة التسول بين الحين والآخر بما يتم ضبطه مع بعض المتسولين من مبالغ مالية وصلت في بعض الأحوال إلى ما يقارب مائة وأربعين ألف ريال مع متسول واحد فقط. ويزداد الأمر خطورة إذا وضعنا في الاعتبار ما يتعرض له البعض من محاولات ابتزاز من قبل المتسولين الأجانب الذين لا يهمهم أمن الوطن واستقراره أو سعادته أو رخاءه، حيث يضعون الكسب السريع نصب أعينهم مهما كانت وسائل التسول لديهم استعطافاً أو تضليلاً أو غير ذلك، وهذا يتطلب منا جميعاً اليقظة قبل أن يستفحل أمر المتسولين ويتغير أسلوبهم إلى ما لا تحمد عقباه. وليست هذه الدعوة لليقظة من قبيل المبالغة لأن نظرة متأنية إلى الفئات المتسولة عند الإشارات المرورية بل وفي مختلف الشوارع تفرض علينا المزيد من اليقظة والمبادرة للعمل، فقد أصبح من المألوف أن تجد عمال النظافة المستقدمين للعمل في البلديات يمارسون التسول، وهنا مكمن الخطر حيث أفرز الكسب السهل واليسير هذه الفئة المتسولة التي تنتشر في مختلف الشوارع بطريقة نظامية لأداء عمل معين فإذا بهم يتحولون تدريجياً إلى التسول ليضيفوا أبعاداً جديدة لخطورة هذه الظاهرة وتفتح أمامنا مخاطر تهدد الأمن والاستقرار وسلامة الوطن إذا لم نضع حدا للتسول القادم من الخارج ويحمل إقامات نظامية للعمل فكيف به يتحول للتسول؟ ألا يلقي ذلك بالمسؤولية على الشركات الوطنية وأصحاب العمل والكفلاء بأن يتنبهوا لمخاطر ترك هذه العمالة للتسول؟ إن عليهم مراجعة أنفسهم وممارساتهم إزاءهم والوقوف على مدى توفير احتياجاتهم، والوفاء بالتعاقدات معهم حتى لا يتركوا فرصة أو ثغرة للتسول كوسيلة لحل مشكلاتهم بأنفسهم بما يسيء للصورة الحضارية لوطننا التي يجب أن نحافظ عليها جميعاً في هذا العهد الزاهر الميمون. أما الجهات الرسمية فلا يزال عليها الدور الأكبر والأهم في هذا الميدان حتى يظل وجه الوطن مشرقاً بعيداً عما يكدره صفاءه وحضارته وسمعته في عالم اليوم. (*)وكيل الوزارة بوزارة الثقافة والإعلام سابقاً