أتمنى ولمدة سنة أن تساعدني هذه الجريدة الكريمة أن أعرض مع كل مقالة صورة كتاب؛ فتكتمل مجموعة ثقافية رائعة من بضع مئات من الكتب، التي تقوم بعملية البناء الثقافي. وأنا متيقن أن بضع مئات من الكتب من ذخائر الفكر الإنساني ما أطلق عليها (قوانين البناء المعرفي) ستنقل القارئ إلى مرحلة النضج وتكون مشروع مكتبة في كل منزل لمحبي الثقافة. هذه الجملة من هذا الكتاب القيم للجنرال (فيكتور فيرنر) في كتابه (الخوف الكبير) وضحها في مقدمة الكتاب، ولقد عكفت على الكتاب وقرأته مرات ومرات بل حفظت بعض جمله وسطوره عن ظهر قلب، وهي عادتي منذ الصغر مع كل كتاب هام. في كتابه هذا يؤكد على التغير النوعي في إدارة الحرب وتقنياتها. هل نرى حصاد الهشيم في المدن السورية ونيرون سوريا يقصف بأدوات لم يحلم بها زيوس رئيس آلهة الأوليمب؟ والده دمر مدينة حماة أما هو فيدمر كل سوريا. في قناعتي أن والده قتل هذا العدد المرعب من العباد فوصل الرقم إلى أربعين ألفا من أهل حماة لأنه تم في تعتيم من الرأي العام العالمي. في قناعتي أنه لولا التقنيات الحديثة لحول سوريا إلى غروزني الشيشان ولكنها مسألة الرأي العام العالمي الذي يحدد من جنونه قليلا وسينتهي به الأمر إلى الهاوية وما أدراك ماهي؟ مع ذلك فلم نشهد النهاية بعد هل سيطبق عليه الجنون فيستخدم السلاح الكيماوي؟ في كتاب (الخوف الكبير) يقول الكاتب إن الحرب أصبحت شيئا مختلفا فلم تعد الحرب حربا. كيف نفهم الرجل؟ يقول تصوروا معي أن رجلا كما في قصص جوليفر يدب في المدينة طوله مائتا متر ووزنه مائتا طن هل يبقى رجلا عاديا؟ الجواب هو طبيعة الحرب فقد بلغ فيها من قوة الدمار ما لا يحدها حد! لقد وصلت الحرب الشاملة أن تفني أمة كاملة. هذا ما قاله الإمبراطور الياباني لشعبه بعد قنبلتي هيروشيما وناغازاكي. قال إن عدونا يستعمل سلاحا خبيثا أخشى أن يباد فيه كل الشعب الياباني، ولذا ليس أمامنا من سبيل سوى الاستسلام المهين إن أردنا البقاء واستئناف الحياة وبناء اليابان من جديد. قالها بلغة أدبية منمقة. لم يتحملها الكثير من جماعة الساموراي فنحروا أنفسهم وعائلاتهم بكل سبيل من بقر البطن بالخنجر وإلقاء النفس من شاهق. هذه هي الحرب وما يجري في سوريا يجب فهمه ضمن هذا السياق ولكن نظام البعث المتخلف يظن أنه يمكن أن يسحق الثورة ويوصل عدد الضحايا إلى الملايين. نعم كان يمكن حدوث مثل هذا السيناريو لو تم في غياب عن الرأي العام العالمي، ولكن التقنيات الحديثة تنقل كل شيء ولو ضرب إنسانا بصفعة بغير وجه حق. الخوف الكبير يعني أن التطور النوعي للحرب أوصل العالم إلى حافة عجيبة من خوف الفناء والتوقف عن استعمال القوة.