رغم أنه على مرتبة (هلفوت) وكرسية كالذي نجلس عليه في الأفراح الشعبية، يتحدث وكأنه على عرش العبقرية ويمكنه قيادة العالم بأطراف أصابعه الكريمة، ينظر غالباً من الأعلى وبالكاد يراني وتأتي مع ردوده شرارة لإبتسامة صفراء كُتب أعلاها (انت اش فهمك ؟!)، يتحدث دائماً من مبدأ الشك، وخمسة دقائق كافية للتشخيص بأنه مريض نفسي، لأ .. أنا متأكد، صديقي مجنون رسمي ! الغريب .. يشعر أنه مضطهد، ومن أجله فقط التهمت العديد من الكتب في أعراض وتاريخ الأمراض النفسية والعقلية، ويبدو أنها (جنون العظمة) والأغرب أنه من طبقة كادحة جداً ولكن تشعر بأن لديه طاقة شر كامنة للتربع على عرش ابليس .. يا مغيث ، ماذا لو حكم هذا المجنون العالم ؟؟ تاريخياً .. حدثت كثيراً، ولكن لم يتفوق أحد على (كاليجولا) حاكم روما في القرون الأولى وزعيم زعماء المجانين عبر السنين، لم يكن مجرد ( طاغية والسلام ! )، بل كان الأشهر على المستوى الانساني كنموذج للشر والجنون الُمبتكَر، في يوم ما .. رأي أن حُكمه يخلو من المجاعات والاوبئة وهكذا لن تذكره الاجيال فأحدث بنفسه مجاعة عندما أغلق مخازن الغلال مستمتعاً برؤية شعبه يموت جوعاً، وحدث أن أجبر أثرياء روما لكتابة وصية بأن يرث أملاكهم ولوحده، والمصيبة أنه لا ينتظر الأمر الالهي فقد كان يأمر بقتل من يختاره منهم، شخصية مضطربة وصل به الأمر أن بكى يوماً عندما عجز عن إجبار الشمس على الشروق من المغرب ! في كل زمان .. الحاشية من أكبر أسباب تمادي الطغاة عبر التاريخ، الصمت خوفاً والتطبيل طمعاً ما يدفعهم لمزيد من البطش في وجود من يؤيدهم دائماً، وفي حالة كاليجولا فأمتع تلك القصص على الاطلاق آخرها، عندما اقتحم مجلس الشيوخ ممتطياً صهوة جواده ولما أبدى أحدهم امتعاضه من هذا السلوك غضب كاليجولا فأمر بتعيين جواده فوراً عضواً في مجلس الشيوخ وسط تهليل حشود المنافقين، ليعلن عن حفلة صاخبة بهذه المناسبة وعلى الجميع الحضور .. بالملابس الرسمية ! في يوم الحفل فوجئ الجميع بأن المأدبة لم يكن بها سوى التبن والشعير، فلما اندهشوا أجابهم : أنه لشرف عظيم أن تأكلوا ما يأكله جوادي الحبيب وبدأوا جميعاً (بالعافية) الا واحد، فنحّاه من منصبه وعين مكانه نفس الجواد لِيُكبّر الحاضرون لهذه الحكمة بفم مليء بالقش .. والتبن ! ولكن .. هل (المنخوليا) وشغل الجنان وراثة ؟.. أم هي حالات نادرة لا تتكرر دائماً؟!، عموماً في حالة كاليجولا فقد كان قريباً من ناحية الأم لطاغية آخر هو الامبراطور نيرون الذي فكر في إعادة بناء روما فقرر ابن المجنونة إحراقها أولاً، وصعد على برج مرتفع يراقبها تشتعل وهو يغني، وللتأكد من مسألة الوراثة سألت صديقي عن سر العبقرية ليؤكد أنه من سلالة عباقرة أيضاً .. .. لكل بداية نهاية فقد قُتل كاليجولا في نفس حفلة تنصيب جواده بعد ثورة آكلي التبن، ونيرون قرر الانتحار بعد أن اختبأ في كوخ أحد خادميه، أما صديقي في العمل .. فلا زلت أراقبه عن كثب !! محمد الغامدي