كان صعود «الإخوان المسلمين» جزءا من تغير المشهد السياسي المصري، وهذا الصعود لم يكن مفاجئا، بقدر ما كان منظما بطريقة تشي بقوة الحركة، وجاهزيتها في الشارع، وقدرتها على التحشيد، ووجود كهم من الكوادر الفاعلة، التي انتشرت في الأحياء والمدن، وأوصلت خطابها للمصريين والعرب عبر الفضائيات، بل بات مشاهدة رموز «الإخوان» في الإعلام الدولي، جزءا من المشهد الخبري الدائم. الوطنية والأممية «الدولة لدى الإسلاميين»، هو الموضوع الذي بحثه حسام تمام، مقاربا من خلاله صيرورة «الإخوان»، معتقدا أن هذا الموضوع شكل جوهرا يكاد يكون ثابتا، بل إن «أيديولوجية الإسلام السياسي قامت على فكرة الدولة الإسلامية، منذ سبعينيات القرن الماضي، أكثر مما قامت على أي مفهوم سياسي واجتماعي آخر». تمام يرى أن «الإسلاميين بنوا رؤيتهم للدولة على ما هو قائم، واستقر في مخيلهم السياسي نموذج للدولة كما ورثته النظم العربية في القرن العشرين، بما في ذلك مسألة تطبيق الشريعة باعتبارها قانونا أساسيا للدولة». إلا أنه، وفي الوقت نفسه، الذي يعبر فيه الإسلاميون، في سعيهم للإمساك بمفاصل الدولة، عن رغبة في استمرارية تاريخية تكون قد انقطعت حين نمت المشروعات التحديثية، عد أنها «لم ترتكز على قاعدة دينية». وهذا يفسر لمَ اتجهت الأنظمة السياسية بعد الاستقلال إلى «استثمار المكون الديني، ليس فقط من باب التوظيف السياسي لمسار الشرعنة السياسية، بل لأن المكون الديني ظل مركزياً وموجوداً و جزءا من الاتجاهات الوطنية منذ مرحلة التحرر؟». ويضيف «لقد أدت حالات الفعل ورد الفعل بين الدولة والحركة الإسلامية إلى التأثير المباشر في فقه الدولة في العالم الإسلامي، سواء لجهة النصوص الدستورية والقانونية البحتة التي تميل إلى إثبات المرجعية الإسلامية، أم لجهة التوظيف السياسي للدين من قبل النخب الحاكمة، عبر استلحاق المؤسسات الدينية الرسمية للدولة، كما لجهة التنازع حول احتكار المشروعية الدينية، كجزء من مصادر الشرعية السياسية في الدولة، عبر السياسات التي تستهدف إدماجا، أو إقصاء للحركة الإسلامية في النظام». وهو في هذا السياق يعتقد أنه «مع حلول سني الثمانينيات، كانت أغلب الأنظمة السياسية قد اتجهت إلى اعتبار الشريعة مصدراً للتشريع، للرد على مطالب الإسلام السياسي، والحيلولة دون توسعه، حين دخلت الدولة في العالم الإسلامي مرحلة التحول السياسي. جرى ذلك قبل أن يصبح الانفتاح السياسي ضرورة سنوات التسعينيات، فأدى توسع المشاركة السياسية إلى تنامي قوة الحركات الإسلامية». أما فيما يتعلق ب»التجربة التحررية المصرية»، فيرى تمام أنها شهدت «حالة من التحالف المؤقت. فجزء كبير من الضباط الأحرار (من بينهم جمال عبد الناصر) كانوا على صلة بحركة الإخوان المسلمين، كما تشير الشهادات التي تؤكد أن الإخوان تعاونوا – حتى عام 1954- مع نظام الثورة، التي كان من المفترض أنها ستكون إسلامية، قبل أن ينفرط عقد التحالف تحت الضربات الناصرية الأولى في الخمسينيات بعد قرار حظر الجماعة رسمياً». إلا أن شرعية حركة «الإخوان المسلمين» قد تأسست تحت تأثير الأفكار «القطبية»، بمعزل عن الدولة، ورغما عنها، وضدّا منها، لكن بشكل يكاد يكون موازيا لتراث الدولة المركزية في مصر نفسها؛ كما يقول الباحث تمام، مضيفا «لذلك بدا أن الفكر القطبي كان يحمل مشروعا سياسيا، يوازي مشروع التحديث الناصري. فالطليعة المؤمنة التي تؤسس حاكمية الله على الأرض، كانت تعني التواجه الضمني مع المشروع الاشتراكي في عهد عبد الناصر، بما يحمله ذلك من معنى إزالة لهذه الحاكمية». ثم يشير الباحث إلى مقياس الوطنية لدى «الجماعة»، ذلك أنه وخلال حرب غزة 2008، وعلى الرغم من العدالة المطلقة للقضية الفلسطينية، طرح السؤال حول مدى وطنية جماعة الإخوان وانتمائها للدولة المصرية، وقدرتها على الانحياز عند الضرورة لهذه الدولة ومصالحها، حين انتقلت إلى «مربع الجماعات العابرة للوطنية، وفشلت في أن تظل في مربع القوة الوطنية الإسلامية الكبرى، الحريصة على مكانة الدولة المصرية، وعلى استعادة دورها الإقليمي والدولي، وتوظيفه لمصلحتها، حين انحازت إلى الجذر الإخواني في حركة حماس». ثم تكرر الانحياز «الأيديولوجي» ذاته كما يرصد تمام، حين أعلنت الجماعة انحيازها لحزب الله اللبناني في قضية «خلية حزب الله»، التي خططت للتجنيد والعمل العسكري عبر مصر، وعدت الأمر «اصطفافا لصالح المقاومة». من هنا «بدا الأمر ضد منطق الدولة نفسها، وأولوية الأمن القومي المصري». الجماعة والحزب شعار الحرية والعدالة وجاءت دراسة أستاذ الفلسفة في الجامعات المصرية، الدكتور علي مبروك، متسائلة بعنوان «الإخوان المسلمون من الجماعة إلى الحزب، هل توقفت ممارسة السياسة بالدين؟»، مشيرا إلى أن «الالتباس حول هوية الجماعة، بدأ منذ خطابات حسن البنا»، فالدخول إلى السياسة عند الجماعة يأتي ب»اعتبارها من أصول الدين». إلا أنّ مبروك يرد بأن «تديين السياسة يبقى عملا سياسيا، وتبقى السياسة هي المحدد الأبرز لإطار الجماعة». مبروك ذكّر بمواقف البنا من الحزبية، ورفضه السياسي المسنود على الدين لها، على عكس سيد قطب، الذي أقام رفضه للحزبية على الأساس العقدي. وعد الباحث أن «فكرة شمول الإسلام، هي التي فرّخت حاكمية قطب، ودعوة حزب الحرية والعدالة إلى المرجعية الدينية للدولة المدنية»، مشيرا إلى أن الفكرة هي «محض تأويلات يحاول أصحابها جعلها من الدين»، مناقشا الفكرة، ومبينا أن «البعض يصر على جعل ما ليس من الدين دينا»، موازيا بين حاكمية سيد قطب والمرجعية الدينية. أهم ما تطرحه جماعة الإخوان، في سياق النقاش الراهن حول مستقبل مصر بعد سقوط مبارك، يتمثل فيما يجري الترويج له من سعيها إلى بناء «دولة مدنية ذات مرجعية دينية»، بحسب ما يرى الدكتور مبروك، وذلك يتم على النحو الذي يمكن معه التأكيد على أن مفهوم «المرجعية الدينية» للدولة، يتميز ب»حضور بالغ المركزية في مقاربة الجماعة، لمستقبل الدولة المصرية». وضمن هذا الحضور المركزي الذي تقدم فيه الجماعة ترتيبا للعلاقة بين الديني والمدني على نحو يكون فيه «الديني هو المرجع المحدد للمدني». مبروك يركز في مراقبته، على جدلية فكرية مهمة، تقول إنه إذا كان أحد لا يجادل في افتراض أن «المدني» هو الإنساني المتغير، فإن الافتراض القائل بأن «الديني» هو الثابت على النحو الذي يجعل منه مرجعا، إنما يحتاج إلى نوع من التحديد والضبط. وهي الجدلية التي تتمأسس عليها الفروق ما بين الدولتين «المدنية»، و»الدينية». إعلام الجماعة أستاذ الإعلام، وعميد المعهد الدولي للإعلام بأكاديمية «الشروف»، محمد شومان، يتناول ثورة 25 يناير في الخطاب الإعلامي ل«جماعة الإخوان المسلمين»، دارسا فرضيات الأداء الإعلامي عند الجماعة، من قبول التناقض والبراغماتية وغيرهما، كأدوات الخطاب الإعلامي في المدونات، ووسائل الإعلام الجديد، إضافة إلى البيانات التي كانت تصدرها الجماعة، وتصريحات بعض قادتها. شومان يرصد هذا الخطاب عبر أقنيته المتنوعة، في مسارات الثورة المختلفة، بدءا من المشاركة الرمزية «الإخوانية»، إلى المشاركة الكاملة في الثورة، مؤكدا أن الخطاب الإعلامي، بكل ممارساته، «لا يعكس مجمل مواقف جماعة الإخوان، أو حتى خطابها العام»، ويمكن فهم ذلك في إطار «تقاليد العمل السري التي قامت عليها الجماعة منذ حلها عام 1954، والخوف التاريخي من الدخول في صدام مع النظام السياسي». اجتهد الخطاب الإعلامي للإخوان في متابعة أحداث الثورة، والترويج لموقف الجماعة، ورؤيتها الإصلاحية المتدرجة. كما اجتهد خطاب الإخوان الإعلامي في التقرب من المجلس العسكري، والإشادة بدور الجيش. وشومان في سياق تحليله هذا، يرى أن لدى «الإخوان» قابلية لعقد تفاهمات أو صفقات مع المجلس العسكري، حتى ولو كان ذلك على حساب حضور الجماعة بين أجيال الشباب التي شاركت في الثورة. ومن الملاحظات التي وقف عندها شومان، هي أن الجماعة «تعمدت التريث، وعدم التسرع في إعلان موقفها من الدعوة للتظاهر في 25 يناير، مع ممارسة قدر مقصود من الغموض، يعكس في الحقيقة خوفا تاريخيا موروثا لدى الجماعة، من احتمال حدوث صدام واسع مع النظام». لذلك «لم يصدر مكتب الإرشاد بيانا أو تصريحا رسميا، يحدد موقف الجماعة من المشاركة في مظاهرات «جمعة الغضب» 28 يناير، كما لم يصدر بيانا يوضح موقفه من «جمعة الغضب»، وما تبعها من تطورات إلا في 29 يناير». بينما «سمحت لبعض رموز وقيادات الجماعة، بالإدلاء بتصريحات صحفية، تعلن مشاركة الإخوان بشكل رمزي من خلال الجمعية الوطنية للتغيير، ومن خلال عدم التصدي لرغبة الشباب في المشاركة، ما يعني عدم وجود قرار تنظيمي بالمشاركة على نطاق واسع في المظاهرات». يضيف شومان أنه «على الرغم من المشاركة المحدودة للجماعة في مظاهرات 25 يناير، إلا أن وزارة الداخلية اتهمت، في بيان لها، أعضاء الجماعة بارتكاب أعمال عنف في ميدان التحرير، مساء يوم 25 يناير، وبحسب مصادر الإخوان، فإن أجهزة الأمن وجهت إنذارا للجماعة، بعدم المشاركة في مظاهرات «جمعة الغضب» في 28 يناير، لكن الجماعة أعلنت مشاركتها، فقامت أجهزة الأمن باعتقال نحو خمسمائة من أعضاء الجماعة، بينهم سبعة من أعضاء مكتب الإرشاد، والمئات من القيادات في المحافظات، واستثنت الاعتقالات الدكتور محمد بديع، المرشد العام للجماعة، ونوابه الثلاثة». وتكشف قراءة البيانات الإعلامية للجماعة – كما يقول شومان – عن «الطابع الإصلاحي المحافظ والمتدرج في أدبيات الإخوان وخطابهم»، أي أن بيانات الجماعة أثناء الثورة هي «امتداد طبيعي لمنهج الجماعة وخطابها»، مما يعني أن الجماعة «لم تدرك أو تفهم معني الثورة واستحقاقاتها، على الرغم من أنها شاركت في صنع أحداثها والدفاع عنها»، خاصة فيما عرف ب»موقعة الجمل». وكالعادة روج الخطاب الإعلامي لذلك، وأنتج مضامين تدعم هذا التوجه الإصلاحي المتدرج، والذي قصد به، ليس فقط مخاطبة المعتصمين في التحرير من شباب وقوي سياسية، ولكن مخاطبة النظام والمؤسسة العسكرية، والخارج أيضاً، وتحديداً الولاياتالمتحدة، التي جاء موقفها متذبذبا بعض الشيء في بداية الثورة، بسبب ما تردد عن صداقة الرئيس المخلوع، مع كثير من مراكز القوى في الولاياتالمتحدة، خاصة اللوبي اليهودي، الذي كان يري في مبارك صمام أمان لإسرائيل. الباحث شومان يرى الثابت أن «الخطاب الإعلامي للإخوان ظل محافظا على وحدة الجماعة الوطنية، ومشددا، بطريقة لافتة، على أن الإخوان جزء من الشعب المصري»، وكأنه «ينفي عن نفسه تهما سابقة كان نظام مبارك يوجهها للجماعة بأنهم يعملون ضد الشعب»، ولم يرفع شباب الإخوان شعارات أو رموزا ذات علاقة بفكر الجماعة أو هويتها، وإنما التزموا بالشعارات والمطالب العامة للثورة. ويخلص شومان إلى أن خطاب الإخوان الإعلامي اعتمد على «وسائل تقليدية، كالبيانات والمؤتمرات الصحفية، جنبا إلى جنب مع وسائل الإعلام الجديدة، التي تفوقت جماعة الإخوان عن كل القوى السياسية في استخدامها، لنشر أفكارها والدفاع عن مواقفها خاصة بين جيل الشباب، الأكثر استخداما لوسائل الإعلام الجديدة»، كما اجتهد خطاب الإخوان الإعلامي في «التقرب من المجلس العسكري، والإشادة بدور الجيش»، لكن الخطاب كان شديد الوضوح في المطالبة ب»سرعة انتقال السلطة إلى حكومة مدنية وعودة الجيش إلى الثكنات»، وهو أمر لم تلتفت إليه بعض القوى المدنية، التي ناشدت المجلس العسكري، الاستمرار لفترة انتقالية تمتد إلى سنة ونصف، لتهيئة المناخ السياسي لانتخابات متوازنة. ملصق إعلاني لمرشح الإخوان المسلمين لمنصب الرئيس رايات تحمل شعار الإخوان المسلمين أثناء تظاهرهم في مصر