طول عمرنا عارفين إن «الصبر مفتاح الفرج» ضمن منظومة شعرية قديمة تؤكد أن الصبر «آخرته خير» بقول حكيم للشاعر: «ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعا وعند الله منها المخرج.. ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فُرجت وكنت أظنها لا تفرج»، وطمعا في فرج الله كنا زمان نصبر كثيراً اقتداء بقول حكيم آخر: سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري، وأصبر حتى يأذن الله في أمري، وأصبر حتى يعلم الصبر أني، صبرت على شيء أمرّ من الصبر. ولعل ما يثير الدهشة لدى «العواجيز» من أمثالي هو أن كل تلك المفاهيم القديمة قد تغيرت، ولم يعد الصبر عند الكثيرين مفتاح «الفرج»، وإنما تحّول الصبر إلى «مفتاح للغضب»، وهو المبرر لما نراه الآن من حولنا في كل مكان، حيث اختفى من أحاديث الناس أن «الصلح خير» واختفت عبارة «صلوا على النبي» التي كانت تنهي خلافات كانت مشتعلة بين أطراف، فلما صلى الطرفان على النبي انصرف «شيطان الخلاف»، وانصرف أطراف الخلاف كل إلى طريق. ورغم أنني لا أعرف الكثير عن «طب الجينات» إلا أنني أتصور أن كل ما تعلمناه صغارا في بيوتنا تحّول – بطول ممارسات الأمهات الطيبات – إلى «جينات» بداخلنا لا مهرب منها مهما تقدم العمر وطالت السنون، فهي نور الهداية طوال الطريق، بغيرها تتوه الأقدام عن ذلك الطريق، ليتوه المرء في «غربة داخل النفس» وهو على أرض وطنه، وبين كل أقرانه، وهي الغربة التي كثيراً ما نلمحها في أخلاقيات بعض من شباب هذه الأيام، والتي نعتقد أنها – بتراكم الخبرات – سوف تتغير، ولا نرجو أن تنطبق عليهم حكمة: إللي ما يرّبيه الأهالي، ترّبيه الأيام والليالي، ذلك أن «تربية الأيام والليالي» باهظة الثمن، شديدة الوطأة، فإن «كف الزمان» ثقيل، قد يتحمله البعض، وقد لا يتحمله آخرون!