حاصرت قوات نظام بشار الأسد، أمس، منطقة وادي بردى قرب دمشق إثر معارك مستمرة منذ حوالي شهر، فيما أعلن المبعوث الأممي الخاص بالأزمة السورية أنه سيشارك في محادثات أستانا. وأفاد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبدالرحمن، بأن قوات النظام والمسلحين الموالين لها، وعلى رأسهم عناصر حزب الله اللبناني الإرهابي، حاصرت وادي بردى «بعد تقدمها من الجهة الشمالية الأربعاء» و»بعدما تمكنت من الفصل بين المنطقة ومناطق سيطرة الفصائل المعارضة في القلمون». وذكَّر عبدالرحمن بأن «النظام عادةً ما يلجأ إلى استراتيجية الحصار لتفضي في النهاية إلى اتفاقات تسوية مع الفصائل في المناطق المُحاصَرة، على غرار ما حصل في مناطق عدة قرب دمشق وفي مدينة حلب». ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية «فرانس برس» عن مصدرٍ عسكري في النظام أن حصار وادي بردى، الذي تسيطر فصائل معارضة عليه، جاء بعد قطع طريق القلمون من الجهة الشمالية. ورغم اتفاق وقف إطلاق النار الساري في سوريا منذ أواخر ديسمبر الفائت؛ لم تتوقف معارك مستمرة في وادي بردى بدأت في ال20 من الشهر نفسه بين قوات الأسد والميليشيات المدعومة من إيران من جهة والفصائل من جهة ثانية. وتخلَّل المعارك اغتيال رئيس لجنة التفاوض في المنطقة، اللواء المتقاعد أحمد الغضبان، قبل أيام. وأدى مقتل الغضبان إلى تدهور الوضع الميداني مجدَّداً، في أعقاب إعلان التوصل إلى اتفاقٍ يتيح دخول فرق الصيانة الحكومية لإصلاح الأضرار اللاحقة بمصادر المياه في بلدة عين الفيجة، مقابل وقف العمليات العسكرية وخروج المقاتلين الراغبين في مغادرة الوادي. وتضم منطقة وادي بردى، خصوصاً بلدة عين الفيجة، المصادر الرئيسة التي ترفد دمشق بالمياه المنقطعة بصورة تامة منذ ال22 من ديسمبر. وتتهم الفصائل قوات الأسد بالوقوف وراء قصف مضخات المياه في البلدة، رداً على إلقاء النظام المسؤولية على المقاتلين المعارضين. ووفقاً لرامي عبدالرحمن؛ يستهدف النظام السيطرة على وادي بردى إن كان عبر عملية عسكرية أو عبر تسوية. سياسياً؛ أعلن المتحدث باسم مبعوث الأممالمتحدة الخاص في سوريا، ستافان دي ميستورا، أن الأخير سيشارك في المحادثات السورية التي تجري في أستانا برعاية تركيا، أحد داعمي المعارضة، وروسيا وإيران، داعمتي الأسد. وسيقود دي ميستورا الوفد الأممي إلى الاجتماعات التي تنطلق الإثنين المقبل في عاصمة كازاخستان. وسبق للأمم المتحدة القول إنها سترسل نائب المبعوث إلى الاجتماعات. لكن ستيفان دوجاريك، وهو المتحدث باسم المبعوث، كشف، أمس في دافوس السويسرية، أن الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، طلب من دي ميستورا المشاركة في المحادثات «نظراً لتعقيد وأهمية القضايا المرجح أن تُناقَش فيها». والثلاثاء الماضي؛ أعلن مكتب دي ميستورا أنه كلَّف نائبه، رمزي رمزي، بالذهاب إلى لقاء أستانا، لكن تغييراً طرأ على الخطة مع وجود غوتيريس ودي ميستورا في منتدى دافوس الاقتصادي. ويُتوقَّع، وفق «فرانس برس»، أن تشهد عاصمة كازاخستان لقاء زعماء فصائل سورية مقاتلة مع ممثلين عن نظام الأسد وجهاً لوجه. ووفد المعارضة عسكري مدعوم سياسياً وقانونياً ويرأسه القيادي في فصيل «جيش الإسلام» محمد علوش، أما وفد النظام فسياسي ويرأسه السفير لدى الأممالمتحدة بشار الجعفري. وهذه المحادثات، التي يقول الروس والأسد والمعارضة إنها ستركز على تثبيت الهدنة الحالية، ستكون الأولى في غياب أي دورٍ لواشنطن التي شكلت سابقاً مع موسكو ضمانةً لهدنٍ لم تصمد ومهدت لمفاوضاتٍ في جنيف لم تفضِ بدورها إلى نتائج. وسبق للوساطة الأممية تحديد ال8 من فبراير المقبل موعداً لاستئناف محادثات جنيف بين النظام ومعارضيه. ونسبت «فرانس برس» إلى قيادي في الائتلاف السوري المعارض أن «تفاصيل العملية السياسية متروكة لمفاوضات جنيف». وفيما أعلنت حركة «أحرار الشام» عدم مشاركتها عن لقاء العاصمة الكازاخية؛ فإنها لفتت إلى دعمها الفصائل المشاركة. وعزت الحركة، الأكثر نفوذاً بين الفصائل المعارضة، غيابها إلى أمورٍ بينها «عدم تحقق وقف إطلاق النار» في وادي بردى. وخلال اتصالٍ هاتفي مع المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين؛ أكد الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، أن اجتماع أستانا ينبغي أن يكون «مرحلةً نحو استئناف المفاوضات في جنيف برعاية الأممالمتحدة»، وجدد دعوته، وفق بيانٍ للإليزيه، إلى «احترام وقف إطلاق النار». وسبق لمحمد علوش وبشار الجعفري ترؤس وفدي المعارضة والنظام إلى مفاوضاتٍ في جنيف. إغاثياً؛ اعتبر رئيس البعثة الإنسانية التابعة للأمم المتحدة في سوريا، يان إيغلاند، أن وقف إطلاق النار الذي توصلت إليه موسكو وأنقرة في ديسمبر وما زال سارياً «مخيبٌ للآمال» من ناحية تحسين دخول المساعدات. وشدد إيغلاند في تصريحاتٍ للصحفيين في جنيف «يجب أن يتغير ذلك»، واصفاً محادثات أستانا ب «فرصة مهمة لدخول مزيدٍ من المساعدات»، ومبيِّناً بقوله «إضافةً إلى القتال المستمر؛ فإن ما يعرقل دخول المساعدات» هو المستنقع البيروقراطي «ما يحول دون حصول المدنيين على المساعدات الضرورية للحياة». ووفقاً لإيغلاند وبرنامج الأغذية العالمي؛ فإن إمدادات الأغذية في مدينة دير الزور (شمال سوريا)، التي يحاصرها تنظيم «داعش» الإرهابي منذ 2015، يمكن أن تنفد خلال أسابيع قليلة. واضطر برنامج الأغذية العالمي، التابع للأمم المتحدة، إلى تعليق عمليات إسقاط المساعدات الإنسانية على دير الزور الأحد الماضي بسبب قتالٍ عنيف أعقب هجوماً شنّه «داعش». وذكر إيغلاند أن 93 ألف شخص يعيشون تحت الحصار في هذه المدينة و»لا تصلهم أية مساعدات سوى من الجو». كما يعيش مئات آلاف الأشخاص في مناطق تحاصرها قوات الأسد. إلى ذلك؛ حذَّرت منظمة الأممالمتحدة للطفولة (يونيسف) من أن أكثر من 40% من الأطفال السوريين اللاجئين في تركيا، أو ما يعادل نحو 380 ألفاً، لا يتلقون التعليم بشكلٍ مناسب «مما ينذر بضياع جيل كامل». ونبَّه نائب المدير التنفيذي للمنظمة، جستن فورسيث، في بيانٍ أمس «ما لم يتوفر مزيد من الموارد؛ هناك خطر حقيقي لظهور جيل ضائع من الأطفال السوريين محروم من المهارات التي سيحتاجها لإعادة بناء بلاده». وتستقبل تركيا نحو 2.7 مليون لاجئ سوري بينهم 1.2 مليون طفل. وأوضحت «يونيسيف» أن «ما يقارب من 2.7 مليون طفل سوري في أنحاء المنطقة غير ملتحقين بالمدارس. والجزء الأكبر منهم داخل سوريا نفسها حيث لا يزال ملايين الأطفال يواجهون الخطر مع اقتراب الصراع من السنة السادسة». ووفق أرقامٍ لوزارة الصحة التركية نشرتها وكالة أنباء «الأناضول»؛ وُلِدَ نحو 180 ألف سوري في تركيا منذ بدء النزاع في بلادهم خلال مارس 2011. وتحدث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، هذا الشهر عن إمكانية تجنيس بلاده جزءاً من اللاجئين السوريين والعراقيين الذين أتوا إليها هرباً من الحرب، دون إعطاء أرقام أو تواريخ. وتسبَّب النزاع السوري، الذي بدأ بقمع النظام بعنف مظاهراتٍ سلمية خرجت ضده، في مقتل أكثر من 300 ألف شخص، وتشريد نحو 10 ملايين (أكثر من نصف السكان) داخل البلاد وخارجها، مع دمار هائل في البنى التحتية.