عشت في القاهرة لفترة طويلة، وقبيل عودتي إلى المملكة، أصبحت تراودني أفكار قلقة من أن أفقد في جدة سهولة الوصول لمعارض وكتب ومجلات تطرح مواضيع ثقافية، عصرية، قريبة من اهتمامات «الشباب المثقف» والمتعطش إلى مزيد من المعرفة، بلا انحيازات سوى للمعرفة ولأجل المعرفة. لكنّي بعد أيام قليلة من وصولي إلى جدة، وصلتني من أحد الزملاء نسخة من مجلة القافلة بعددها الأخير الذي يطرح «الجينز» كملف للنقاش والبحث. كنت أسمع عن القافلة لأول مرة في حينها، وبالرغم من البساطة العصرية الجذابة في تصميم الغلاف وصفحات المجلة، إلا أنّي كنت مشبّعة بتجارب وافتراضات مسبقة، فتوقعت أنها مجرد مطبوعة أخرى من المطبوعات إياها؛ تزيد الشّق بين ما يُفترض بمجلة ثقافية جادة طرحه الذي يحتاجه المتلقي، وبين ما تطرحه جميع المجلات الأخرى من مواضيع تساهم في تغييب المتلقي أكثر فأكثر عن واقعه ودوره ضمن مجتمعه، ومسؤوليته كفرد واعٍ وإنسان أولاً. ولدهشتي – أثناء قراءتي للمجلة – وجدت مواضيع ثقافية في مجالات متنوعة، إلا أن جميعها نجح في إثارة فضولي وإن كثيرا منها كان من صميم اهتماماتي. ابتداء من النشرة التوعوية المرفقة عن الاحتباس الحراري التي اكتشفت -بعد بحثي في تاريخ المجلة- أنها نشرة توعوية ترفق مع كل عدد وتتناول موضوعاً مختلفاً. ومروراً بنقاشٍ عن معارض الكتاب؛ أكثر ما ميزه أنه صريح، غير مداهن، و أنه خال من تنميق وزخرفة الكلام وأنه ناء عن أن يكون مجرّد محتوى لملء صفحات فارغة في المجلة. وانتهاءً باقتراحات كتب عربية حديثة مقدمة من فريق التحرير. بعد استغراقي في قراءة محتويات المجلة بدقة، اعتراني شعور لذة الاكتشاف الجديد ممزوجاً بالاستغراب؛ لمَ لم أسمع عن هذه المجلة من قبل؟ بدأت في بحثي عن خلفية المجلة، و زرت موقعها الإلكتروني ونظرت إلى أرشيف أعدادها المحالة إلى نسخ إلكترونية بجودة عالية وقرأت عن تاريخها. وجدت أنها تصدر كل شهرين عن شركة أرامكو السعودية، منذ أكثر من 60 عاماً! وكانت تسمى قافلة الزيت حتى تم تغيير اسمها إلى القافلة في عام 1983م. وعلى تناوب مختلف التغييرات في تاريخها، إلا أن أسلوب المجلة ظل ثابتاً في توزيعها مجاناً على عدد محسوب ودائرة صغيرة منتقاة، ولا مجال لشرائها أو لأن تجدها في نقطة بيع محددة. مع شعوري بخيبة الأمل من طريقة توزيع المجلة، بدأت في التفكير بأن معظم الخطابات الثقافية في المملكة تنقسم إلى قسمين: قسم شديد التخصص ولا يستقطب العامة بشكل عام، والقسم الآخر خطاب مبالغٌ في تبسيطه -لتقريبه لرجل الشارع- مما يُذهب بكثير من قيمته الثقافية. ولطالما اعتقدت أن ندرة محتوى ثقافي بديل يخاطب فئة حديثة دائبة التوسع في المجتمع وهي فئة «رجل-الشارع-المثقف» يفرض مسؤولية اجتماعية ثقافية على من يستطيع تقديمه بشكل متنوع وعميق في آنٍ واحد. في رأيي، أن استمرارية مجلة القافلة في هذا المشهد الثقافي على مدى السنوات الماضية، بهذا المستوى الرفيع من الإنتاج والدقة في اختيار المواضيع المتنوعة والمثرية في نفس الوقت، من المفترض أن يحدو بها إلى توسيع قاعدتها المستهدفة والخروج من الدائرة المصطفاة، التي تتلقى أعداد المجلة باستمرار.