أطلقت مجموعة من المثقفين اللبنانيين فصلية ثقافية جديدة "كلمن" في احتفال أقيم في محترف الزاوية في شارع الحمرا، جمع أهل الثقافة والإعلام وشخصيات سياسية، وجرى خلاله توزيع العدد "صفر" من المجلة التي تديرها هيئة تحرير مؤلفة من رؤساء صفحات ثقافية وباحثين وكتّاب وإعلاميين هم: أحمد بيضون، حازم صاغية، حسام عيتاني، حسن داوود، عباس بيضون، ربيع مروة، منال خضر، عزّة شرارة بيضون، سامر فرنجيه، بشار حيدر. المطبوعة البيروتية الجديدة الأقرب إلى الكتاب ذي القطع الوسط شكلاً، تتميز بأناقة الغلاف الخارجي وعصريته، إذ يعطي اللون الأسود الفحمي الذي ترتديه "كلمن" انطباعاً تلقائياً برصانة المحتوى واختلافه، ويعزّز هذا الانطباع الكلمة الافتتاحية لهيئة تحرير المجلة التي شكّلت بياناً تأسيسياً عكس مناخ المطبوعة وتوجهاتها الانفتاحية وأبرز ما جاء فيها: "نكاد هنا في لبنان، كما في البلدان العربية الأخرى، نفتقد المنابر الحرة، فسواء تعلق الأمر بالصحف أو الإذاعات أو المحطات التلفزيونية، بات يصعب الكلام عن وسيلة إعلامية واحدة متحرّرة مما يعتقده "داعموها" وممولوها، أما المجلات الشهرية أو الفصلية التي سبق للمثقفين العرب أن عرفوا تجارب رائدة منها، فانكمش حضورها وتراجع. لتلك الحاجة إلى إعادة النقاش المفقود أو المعطل بين التيارات الفكرية والثقافية، التقينا، مجموعة من الكتّاب والمثقفين، لنتحاور حول تلك الحاجة الضرورة، ولنصل، في ما نراه بدء المطاف، إلى أن نضع إصدار "كلمن" الأول هذا، في أيدي قرائها، وسنحرص في ما سيتلو من أعداد المجلة، على أن نوسّع حلقة الملتقين حولها، كتّاباً وقراء، كما أننا نطمح إلى أن تكون "كلمن جسراً يصل بين أجيال وسّعت الحروب والنزاعات مساحات التباعد بينها. بالتأكيد لن تكون مجلتنا حاملة رسالة إيديولوجية ضيقة تقع في أسرها وإنما ستكون مفتوحة لكل من يساعد على تطويرها وتوسيع أفقها". وقد تضمن العدد صفر من المجلة تسعة عشر مقالاً أبرزها للكاتب والشاعر عباس بيضون بعنوان "العدّ الطائفي وسياسات الخسارة في لبنان: سرقات صيفية"، "مذاهب المفكرين السوريين في الدولة العربية تفحص نقدي" لياسين الحاج صالح، "النقاب، أصوليات" للكاتبة دلال البزري، "خطوط التماس الخريطة البغدادية تتمرد على منعزلاتها" لشاكر الأنباري، "الأبراج وبرج دبي (تحقيق في الفيزيك والميتافيزيك)" لحازم صاغية، مائة وثمانون غروباً أم عشرون سنة لأحمد بيضون، "بورتريه عائلة فلسطينية تحب المسخن" لمنال خضر، "سكان الصور" لربيع مروة. أعضاء هيئة تحرير "كلمن" تحدثوا ل "الرياض" عن مطبوعتهم الجديدة، فأكد الدكتور أحمد بيضون أن المجلة هي عبارة عن جملة أفكار لأشخاص ذوي آفاق مختلفة في حقول التعبير ومادتها، إنها تحمل رؤية لمجلة ثقافية مفتوحة على أنواع النصوص والاتجاهات، مجلة حرّة ومتنوعة بتنوع هيئة تحريرها، تقبل البحث والشعر معاً وما بينهما، وتقوم على تعريف وسعة قصوى لثقافة لا تُفهم على أنها فلسفة وعلم وأدب وإنما أيضاً أزياء وفن وطقوس حياة يومية، كما أنها تتعاطى السياسة كمجال للبحث ومقاربتها من زاوية الثقافة السياسية. وأشار إلى أن لا ضمانات مالية لدى المجلة وإنما هي تعتمد على حجم الاستقطاب في عددها الصفر حتى نتمكن لاحقاً من إقناع الجهات الممولة المحتملة في دعمنا مع اشتراطنا أن يكون تمويلها من دون شروط. المحلل السياسي والكاتب حسام عيتاني أكد على حاجة لبنان وبيروت لمنبر ثقافي بمعزل عن السياسة بمعناها الضيق مع ترك الهامش مفتوحاً للتفكير والفكر السياسيين. وقال لقد انطلقنا من هذه الحاجة وأردنا أن نكون متنوعين وندافع عن فكرة التنوع في زمن يعزّ فيه الصوت الآخر. إننا في "كلمن" نحاول تقديم تعريف واسع للثقافة الذي لا ينحصر في الإنتاج الأدبي والفكري بمعناه الضيق بل يشمل كل ما يتعلق بالإنسان المعاصر، وقد ضمّنا العدد صفر مواد فيها مسرح وأنثروبولوجيا وتاريخ وسياسة. ولفت إلى أن مكمن الاختلاف بين "كلمن" والمجلات الثقافية الأخرى في العالم العربي هو أن هذه الأخيرة هي عبارة عن مشروعات أقرب إلى مؤسّسات رسمية تشرف عليها وتموّلها وتحدّد لها سقفها السياسي، أما نحن فليس لدينا سقف سياسي ونحاول أن نكون مستقلين، إنها تجربة تقول شيئاً مختلفاً حول الخطاب الرسمي العربي الذي نجده في الدوريات الثقافية، خطاب اللون الواحد والفكر الواحد والعقل الواحد. الروائي حسن داوود أوضح أن المجلة هي نتاج مجموعة كتّاب تربط بينهم صداقة والتقاء على صعد أدبية وفكرية، إنها ثمرة متأخرة لهذا الالتقاء وقد انضم إلى هذا العدد آخرون من بلدان عربية عدّة يعانون ما نعانيه من مشكلات اجتماعية وثقافية واقتصادية. وأشار إلى أن المقالات التي جاءت من مصر والعراق والسودان وغيرها عكست المشكلات المشتركة والمتقاربة، وبرز في الملف الخاص بهذا العدد وموضوعه خطوط التماسن أن محور هذا الموضوع متسع ويشمل أكثر من بلد عربي ، ففي مصر كما في السودان والعراق ولبنان نجد أنفسنا في عمق هذا الانشطار الآخذ بنا نحو التقاتل. أضاف: لا أعرف إذا ما كان يمكن لمجلة أو لمشروع ثقافي أن يصلح شيئاً لكنه على الأقل سيحضّنا على التفكير فيه وتبين معضلاته. إننا نحاول في هذه المجلة أن نكون أقل ارتباطاً بأثقال النشر بالمجلات والصحف التي غالباً ما تكون مرتبطة بوجهة أو جهة ما، إنها مجلة حرّة في حسباننا، والحرية ايضاً تبقى نسبية، وهنا نوع من القسر الشخصي والرقابات الذاتية المتداخلة، بعد أن تمكن المنع من أن يأخذنا إلى عجزه.