في قاموس الحياة، تظهر كلمات، تصنعها النفس الإنسانية، وتوظفها الروح، وتترجمها الحواس. كلمات كثيرة، تهبط في شاشات أجهزتنا، نسمعها بآذاننا، تمر أمام العقول، نتجاوز عنها، ونجتاز بأنفسنا دون أن نقيِّمها، ونوزنها. الكلمة هي السلاح، والفلاح في حياة الإنسان، بها ترتفع صحيفة الأعمال بالحسنات، وبها أيضاً تسود صحيفة الأعمال بالسيئات، بها تتعدى الأنفس الأزمات، وتعلو بالكلمة همم الخطاب، ومن خلالها تسمو النفس، ويرتقي الوجدان. اشتمل القرآن الكريم على آلاف الكلمات العظيمة، التي تعكس صفات وأسماء الله الحسنى، وكلمات توظِّف معنى الدين والإنسانية. قد نقرأ القرآن ونختمه ونحفظه، ولكن قاموسنا قد يخلو من بعض الكلمات، التي تشكل منهجاً حياتياً ودنيوياً وأخروياً في آن واحد، وإن حفظنا هذه الكلمات، فإننا نتجاهل العمل بها، أو أننا نوظفها جزئياً، ثم ننساها. في فروع علم النفس الإكلينيكي والاجتماعي، والنمو، والسلوكي، والتربوي، والإبداعي، وعلم نفس الشخصية، تشكل الكلمة منهجاً علاجياً في الجلسات النفسية، ليس ذلك فحسب، بل إن الكلمة «تشرح الخواطر»، وتحسِّن صحة المرضى، حتى المصابين بأمراض عضوية منهم، وتسهم في تجديد الطاقة النفسية والحيوية لدى الإنسان في كل مراحل عمره. للكلمة مفعول سحري في صناعة الإنجاز، وفي استقامة الدوافع، وفي امتداد أفق الأحلام، فمنها تستنبط تفاصيل قصص النجاح، وبها تصنع ملاحم الكفاح، وكم من كلمة كانت السر الذي دفع بالناجحين إلى أعلى المراتب. الكلمة، هي أداة حل، وقناة دفاع، حتى في الحروب، فهي تمثل موقف دول، وسيادة أوطان. الكلمة هي المادة الخام، التي تنتج أمهات الكتب، وتبلور أجمل نصوص الشعر، و»أفخر» عبارات الرواية، وأعلى مراتب النصيحة، وأفخم جُمل المقال، وأروع سطور القصة. بالكلمة تحيا الأنفس، وتتطهر القلوب، وترقى العقول، وترتقي الأرواح، وكلما انتشرت الكلمة الطيبة، زاد العمل الطيب، والفعل المبارك، وارتفعت مساحة الأمل، وازدادت مسارات الأماني والوفاق. بالكلمة الطيبة يشع التفاؤل، ويهزم التشاؤم، ويخجل المذنب، ويستحي المخطئ. الكلمة عنوان فريد في الاعتذار، وتفصيل مجيد في تلمس العذر، ولها كيانها في جميع ملكات الأفعال الجميلة في الحياة، وبها ومنها تسرد السمعة الجميلة عن البشر، فمَنْ نطق خيراً وجده حاضراً، أو مستقبلاً، والله طيب لا يقبل إلا طيباً، وتظهر تفاصيل الكلمة الجميلة في كل شأن ديني، أو روحاني، وفي كل عبادة يتقرب بها العبد إلى ربه عن طريق الكلمة في الصلاة والصدقة، والتعامل مع الناس، والتعاطي مع المواقف، وتوظيفها سلوكاً إسلامياً نبيلاً، يعكس جوهر ديننا الحنيف. نبدأ التعليم بالقراءة، والكتابة بالحروف، التي تشكل الكلمات، لذا كانت وستظل الكلمة أساساً من أساسيات الماضي والحاضر والمستقبل، وأسلوب حياة، وسلوك عمر. بالكلمة تحيا الأمم، وأي مجتمع تسود فيه الكلمة الطيبة فقد نهض، فالكلمة كينونة التقدم، وكيان الحضارة، وهي المادة الخام التي تنطلق منها أقوالنا، ومن خلالها تتوظف أعمالنا. فلنعِ ونفهم ونحلل وندرس ونوظف الكلمة في كل مجالات حياتنا، فبها نحيا، وعليها نموت.