إن الطبيعة البشرية هي أعقد ما واجهته الفلسفة والعلوم على امتداد القرون، ومع هذه الصعوبة الشديدة المركبة فإن الوصول إلى فهم أفضل للإنسان هو ألزم المعارف وأكثرها أهمية وأشدها تأثيراً على حياة الأفراد والمجتمعات والجنس البشري بأجمعه، ولهذا فإن جهوداً علمية عظيمة ومتنوعة وموصولة على امتداد العالم المتقدم كانت ومازالت تُبذل من أجل الحصول على المزيد من الفهم لهذه الطبيعة المراوغة المعقدة لذلك يقول عالم الاجتماع الشهير انتوني غدنز في كتابه الضافي (علم الاجتماع): "ربما كان التصدي لدراسة النفس البشرية هو أعقد وأصعب ما يمكن أن نقوم به من جهود" وهذا المعنى يتكرر كثيراً في مختلف العلوم الاجتماعية والإنسانية ومن المعلوم أن علم النفس بمدارسه المختلفة واتجاهاته المتعددة وكذلك مدارس واتجاهات التحليل النفسي ما هي إلا محاولات جادة لفهم الطبيعة الإنسانية ••• غير أن تعقيدات الطبيعة البشرية وتنوع تجلياتها قد أديا إلى بروز العديد من الاتجاهات والمدارس وإلى الكثير من الاختلاف والانقسام إلى درجة أن علماء وفلاسفة كثيرين من ذوي المكانة العالمية والتأثير الواسع قد أنكروا وجود طبيعة بشرية فالإنسان في نظرهم ليس له طبيعة ثابتة يمكن التعويل عليها وإنما هو نتاج تاريخي يتشكل طبقاً لما يمر به من ظروف وما يعيشه من خبرات وما يتعرض له من أحداث وما يحيط به من مؤثرات ••• إن المطلع على الاختلافات الفلسفية والعلمية حول الطبيعة البشرية قد يتوصل إلى أن تناقض الاتجاهات يعود إلى أنه ليس للإنسان طبيعة واحدة ثابتة عامة وإنما له أربع طبائع حسب قوة أو ضعف قابلياته وحسب الثقافة التي تُقَولبه ويمكن تفصيل هذه الطبائع الأربع على النحو التالي: - الطبيعة الأولى الأساسية هي القابلية المفتوحة التي يولد بها كل فرد في أي مجتمع إنها طبيعة مطواعة فارغة مفتوحة متهيئة للتشكل والتقولب بأية بيئة ينشأ فيها فتختلف الطبائع طبقاً لقوالب التشكّل بمختلف الثقافات، فإذا ضاعت على الفرد فرصة الصياغة الجيدة في طفولته فربما ضاعت عليه الفرصة إلى الأبد لأنه من النادر أن يفطن الفرد لاستلابه وأندر من ذلك أن يتمكن من إعادة صياغة ذاته - الطبيعة الثانية هي المشتركة الجامعة التي يشترك فيها كل الناس في جميع الأمم مثل التعلق بالحياة والسعي للمكانة والحرص على تحصيل الاحترام ؛ فالإنسان بطبيعته يحب الحياة وأيضاً يبحث عن المكانة المحترمة وفي بعض الحالات يتنازعه هذان الدافعان القويان لكنه في الغالب يستجيب للدافع الثقافي ويتجاهل اضطراراً الدافع الغريزي فالفرد من أجل المكانة قد يضحي بحياته كما يحصل في البطولات أو الحروب وهذا موجود عند الناس في كل الثقافات مما يؤكد أنها طبيعة بشرية عامة مشتركة بين كل الأمم وبهذا نعرف أنه يوجد طبيعة بشرية جامعة وفي بعض الثقافات يضحي إنسان بحياة أقرب الناس إليه كما يحصل في شناعات ما يُسمى قتل الشرف في الثقافات العشائرية المتخلفة مما يؤكد أن العامل الثقافي أقوى من العامل الوراثي البيولوجي ••• وهنا لا بد من تدارك ما قد يحصل من لبس فلابد من التأكيد على أنه مع أن كل إنسان يحرص على اكتساب احترام الآخرين واعترافهم له بالمكانة التي يحبها لنفسه إلا أن وسائل هذا الاكتساب تختلف باختلاف الثقافات، فهناك ثقافة يكون تحصيل المكانة عن طريق التفرد والإبداع بينما في ثقافة أخرى يكون العكس تماماً حيث تأتي المكانة بواسطة الامتثال والانصياع ومن هنا تتفاوت النتائج رغم أن الدوافع تتماثل• - الطبيعة الثالثة هي أن الإنسان كائن ثقافي بالدرجة الأولى وهذه هي الطبيعة الأكثر حضوراً والأشد تأثيراً والأدوم بقاء بل إنها الطبيعة الحقيقية الحاسمة الملازمة للإنسان طوال حياته باستثناء مرحلة الطفولة وبها تفترق الأمم وتختلف كل هذه الاختلافات الحادة، فالإنسان يكتسب طبيعته الثابتة هذه بواسطة الامتصاص التلقائي للثقافة من البيئة التي ينشأ فيها وبذلك يكتسب لغته وعاداته ومنظومة قيمه وطريقة تفكيره ونوع اهتماماته ومجالات عواطفه، وهذه هي الطبيعة الحقيقية الدائمة إنها الأكثر أهمية ، إنها الطبيعة الحاسمة في حياة الأفراد والأجيال والمجتمعات والأمم والإنسانية أجمع، لأنها أغزر منابع الافتراق وأعصى أسباب سوء الفهم وأقوى عوامل العجز عن التكيف فالثقافات هي السدود التي تفصل بين الأمم بينما أن الوراثة البيولوجية تجمعهم - الطبيعة الرابعة هي الطبيعة الفردية، فكل فرد هو كائن فريد مغلق إنه متفرد في تكوينه الجسدي والنفسي وهذه الفرادة ليست مدحاً ولا قدحاً وإنما قد تكون هذه أو تلك أو خليطاً منهما ولكن بسبب هذه الفرادة يصعب تبادل الأفكار بين الأفراد حتى داخل المجتمع الواحد لأن أجهزة الإرسال والاستقبال عند الأفراد تختلف اختلافات شديدة حسب قابليات كل فرد وظروف طفولته وما واجهه في حياته من مؤثرات وأوضاع وأحوال، فكل فرد هو عالم قائم بذاته له شفرته الجسدية الخاصة وله خصائصه النفسية الفريدة. ••• ومع كل هذا التنوع وهذه الصعوبات التي تعوق فهم الطبيعة البشرية فإن هذا الفهم يستحق العناء الذي يُبذل من أجله لأنه في غاية الأهمية، فهو الشرط المحوري لنجاح التعامل الإيجابي مع الإنسان واستثمار طاقته وإدارة شؤونه وتكثيف نشاطه وتنمية قابلياته وتوسيع قدراته وتأكيد إيجابياته وتخفيف نقائصه والارتقاء باهتماماته وتصعيد غرائزه والتسامي بتلقائيته وحشد إمكاناته وتكريس عنايته وتركيز انتباهه لما هو نافع له ولمجتمعه وللعالم. ••• إن معرفة الطبيعة البشرية هي التي تمكّن المجتمع من تنمية موارده البشرية إلى حدها الأقصى وبذلك يتحقق له الازدهار فيرتقي بأوضاعه إلى المستوى الذي يليق بهذا الكائن العجيب، فالثروة الإنسانية المكتنزة بالعلوم والمهارات هي الثروة الحقيقية المتجددة فبواسطة معرفة الطبيعة البشرية يستطيع المجتمع أن ينمي ثروته الإنسانية العظيمة المفتوحة فتتدفق بغزارة وفاعلية مما يتيح له التفوق في حلبة سباقات الازدهار، أما على المستوى الفردي فإن هذه المعرفة هي التي بها يتمكن الفرد من إعادة تكوين ذاته وتصحيح برمجة نفسه والسيطرة على أنانيته التلقائية المستأثرة المتمركزة المنحازة وضبط نقائصه الفطرية وتعبئة قابلياته المفتوحة وحشد الطاقات الإيجابية في نفسه ليكون مكتظاً بالكفايات العالية فيتدفق منه العطاء تلقائياً بالمعارف الممحَّصة والمهارات العالية والأخلاق الرفيعة والضمير اليقظ والحس المرهف كما أن هذه المعرفة تتيح له أن يجيد التعامل مع الآخرين ويتجنب الصدام معهم فتجري أموره بأقل قدر من الإعاقات. ••• إن هذا الفهم للطبيعة البشرية لازم لكل الناس غير أن أكثر الناس يصعب عليهم تحقيق هذه الغاية الصعبة أما العاملون في مجالات التربية والتدريب والتعليم والإعلام والتشريع والسياسة والإدارة فإن هذا الفهم لازم لهم لزوماً لا عذر منه فليس مقبولاً منهم أن يتقاعسوا عن بذل أقصى الجهد لبلوغ هذا الفهم لأن نجاحات التنمية في أي مجال مرهونة ببناء الإنسان المزدهر: فكراً وعلماً وخُلقاً ومهارات ولا بد أن يدرك الجميع بأن بناء الإنسان يستحيل تحقيقه إلا باندفاعه التلقائي باستثارة الرغبة واستمالة العاطفة وتحقيق المتعة فالعقل لا يمكن اغتصابه ولا قسره وإنما يستجيب إذا انفتح تلقائياً بدوافع الرغبة والمتعة والاشتياق. ••• إن المربين والإعلاميين والكتاب والمفكرين لن يكونوا مؤثرين تأثيراً إيجابياً يحقق التغيير الذي تقتضيه مطالب العصر وتستوجبه المستجدات النوعية التي طرأت على الحياة الإنسانية حتى يصلوا إلى القلوب ولن يقتحموا الأذهان ولن يقنعوا العقول ولن يتمكنوا من تعبئة المجتمع للمعرفة الممحصة والرؤية الموضوعية والعمل الجاد والإنتاج الغزير والأداء المتقن إلا إذا فهموا الطبيعة البشرية .. إن هذه المعرفة لازمة كل اللزوم لمن يعملون في مجال نشر الأفكار والقيم والمعارف والمهارات ولكل من يهمه أن يؤثر في الناس أو يغيِّر عاداتهم أو يطور رؤاهم أو مواقفهم أو اتجاهاتهم أو اهتماماتهم أو يحثهم على الاقدام أو الإحجام لذلك فإن علوماً كثيرة تتأسس على فهم دوافع السلوك والاهتمام بالطبيعة البشرية مثل علم النفس وعلم الاجتماع وعلم التاريخ وعلم التربية وعلم السياسة وعلم القانون وعلم الإدارة وعلم الاقتصاد وغيرها من العلوم الاجتماعية والإنسانية. ••• إن القدرة على التأثير في الناس تتطلب فهم طبيعتهم ليكون التعامل قادراً على تحريك مواطن الاستجابة فيهم كما أن تفسير المفارقات في سلوك البشر والوقوف على سبب الانتظام أو الانقسام في الجماعات والمجتمعات ومعرفة أسباب القبول أو النفور والاستهجان أو الاستحسان ومعرفة عوامل النجاحات وأسباب الإخفاقات إن هذه وغيرها لا تتحقق إلا بفهم الطبيعة البشرية. ••• إننا لن نستطيع تفسير التاريخ تفسيراً صحيحاً وفهم أحداثه الجسام البعيدة والقريبة فهماً سليماً وإدراك أسباب التقدم وعوامل التخلف واستيعاب التوجهات والتحولات والانتصارات والانكسارات التي حددت مسار التاريخ الإنساني وطبعته بطابعها الخاص الدائم حتى نفهم الطبيعة البشرية ولن نفهم المجتمع ومؤسساته والعوامل التي تسيِّره والأسباب التي تحركه نحو القبول أو الرفض حتى نفهم الطبيعة البشرية ولن ننجح في التعليم فنجعل الدارس يندفع للتعلُّم والبحث ، ويحرص على الاستيعاب والفهم حتى نفهم الطبيعة البشرية ، ولن نوفق في تدريب العاملين ودفعهم إلى الاهتمام القوي والعمل الجاد والمثابرة الموصولة والحرص على اتقان الأداء والتلذذ بالإنجاز حتى نفهم الطبيعة البشرية ولن ننقل الكثافة السكانية من كونها عبئاً ثقيلاً ومسؤولية باهظة إلى جعلها ثروة زاخرة متجددة حتى نفهم الطبيعة البشرية ولن ندفع الناس في المجتمع إلى التعاون والتكامل وإلى التآخي والتكافل حتى نفهم الطبيعة البشرية ، ولن نُخلّص الإنسان من أنانيته واستئثاره وتمحوره حول ذاته حتى نفهم الطبيعة البشرية ولن نوطن الرؤية الموضوعية ونعوِّد الناس على الحذر من استمرار الغرق التلقائي في الذاتية المفرطة حتى نفهم الطبيعة البشرية ، ولن نجنب الإنسان العثرات النفسية المعيقة ونفتح قوقعته المغلقة ليطلق عقله في الآفاق حتى نفهم الطبيعة البشرية. ••• إن فهم الطبيعة البشرية هو المفتاح الذي يتيح تعبئة وتنمية وإلهاب قابليات الإنسان العظيمة وتنحية وإخماد استعداداته الرديئة، إن الإنسان لم يتمكن من تسخير الأشياء وتحويل المادة الصلدة إلى وسائل تسير وتطير وتلتقط وتحسب وتتكلم وتُرسل وتستقبل حتى تمكن من فهم طبيعتها فأدرك العناصر التي يتكون منها الكون ووعي علاقات التأثير والتأثر المتبادلة بين هذه العناصر .. لقد أدرك اللغة التي كُتب بها الكون وعرف أن هذه العناصر هي الأبجدية التي تتكوَّن منها كل الأشياء فمثلما أننا باستعمال الحروف الأبجدية ذات العدد القليل نستطيع تكوين كلمات لا حصر لها مما تزخر به المعاجم والقواميس فبتغيير مواقع الحروف من الكلمات تقديماً وتأخيراً تتغير المعاني فنقول: (فكر) و(كفر) إنهما معنيان مختلفان أشد الاختلاف رغم بقاء مادة الكلمة كما هي؛ فكذلك استعمال العناصر المادية التي هي أبجدية الكون فإذا تفاعلت أنتجت ما لا حصر له من الأشياء التي أثرت الحياة الإنسانية ووفرت للعالم الرخاء واليُسر والمتعة. ••• إن الإنسان حين عرف عناصر الكون وعرف طبيعة كل عنصر وعرف ما يطرأ على أي منها حين تتفاعل فيما بينها قد استطاع أن يوسع ثروة الأرض توسيعاً هائلاً فصار يدمج عنصراً بآخر أو يفصل عنصرين كانا قد اتحدا فيحصل على أعظم النتائج ويستخرج أشد المنتوجات تنوعاً وأغلاها ثمناً وأكثرها نفعاً، ويكفي أن نتذكر ما يجري استخراجه من المادة الخام للبترول لنعرف التنوع الهائل والثراء العظيم الذي أضافته معرفة عناصر الكون ومعرفة علاقات التأثير والتأثر القائمة بينها بواسطة التفاعلات والمعالجات الكيميائية. ••• إن فهم طبيعة الكون قد مكّنت الإنسان من التنبؤ بما سيحصل قبل حصوله ولكن معرفة الإنسان لطبيعته ظلت معرفة ناقصة وأقل فاعلية لأن طبيعته متحولة وتحولاتها متنوعة حسب تنوع القوالب الثقافية، فطبيعته الأولى هي القابليات الفارغة المرنة ؛ فالناس في كل الأمم وبجميع الأمكنة والأزمنة يولدون بقابليات مفتوحة وفارغة غير محددة وهذه هي طبيعتهم الخام الأولى ولكن هذه القابليات المطواعة تتحدد بطبائع لا حصر لها حسب تنوع الثقافات، فطبيعة الفرد الحقيقية هي الطبيعة المكتسبة، فهي الأكثر استقراراً والأشد انتظاماً، إنها تتحدد وتتقولب بالبيئة الاجتماعية والسياسية والثقافية والطبيعية التي ينشأ فيها، وبهذه الاختلافات النوعية بين الثقافات تختلف نوعياً طبائع الأمم والجماعات والأفراد مما يجعلها كيانات متنافرة وموصدة الأبواب. ••• إن الإنسان يتطبع بالبيئة التي تقولبه فالأفراد تتنوع طباعهم بتنوع قابلياتهم وبتنوع الثقافات التي ينشأون فيها، فطبائع الناس تتشكل بأشكال لا حصر لها حسب تنوع الثقافات، فليس للإنسان طبيعة موحدة ثابتة كما هي طبيعة الكون أو الأحياء الأخرى فالإنسان كائن فريد وتتلون طبيعته بتلون الثقافات التي تتوازع البشر وإن الجوانب الأعمق والأهم من طبيعة الفرد لا تتحدد وقت ولادته وإنما هي طبيعة مكتسبة تتحدد بالثقافة التي ينشأ عليها لأننا نعرف طبيعته عند الولادة بأنها قابليات غير محددة بل هي فارغة ومطواعة ومفتوحة تشبه المادة الخام فيمكن التنبؤ بما ستصير إليه لأنها تتشكل حسب القالب الذي توجد فيه فكما أننا نعرف طبيعة المعادن وقابليتها للانصهار ودرجة الحرارة التي عندها تنصهر وقابليتها للتشكل طبقاً للقوالب التي تُسكب فيها فكذلك أصبحت طبيعة المواليد معروفة فهي طرية وفارغة وجاهزة للتشكل والامتلاء بالثقافات السائدة ونستطيع أن نعرف بماذا سيتقولب هذا المولود أو ذاك إذاما عرفنا نوع الثقافة التي تحتضنه وتقولبه، فالطفل الذي يولد في أسرة يابانية مثلا نستطيع أن نتنبأ بما ستكون عليه لغته وطريقة تفكيره وأنواع اهتماماته ومنظومة قيمه ونمط أخلاقه وأسلوب حياته مثلما نعرف ماذا سيكون شكل المادة الطرية القابلة للتشكل حين نعرف شكل القالب الذي تنسكب فيه وهكذا بقية الثقافات يمكن التنبؤ بما سيصير إليه أي مولود ينشأ عليها ويصدق هذا التنبؤ على معظم الناس ولا يخرج عن هذا التنميط المحكوم بالقوالب الثقافية المتنوعة سوى عدد محدود من الأفذاذ الذين يخترقون الحواجز الثقافية ويَشقون طريقهم منفردين خارج النسق الثقافي السائد وهؤلاء هم رواد التغيير وقادة التقدم. ••• فإذا أردنا أن نعرف طبيعة الأفراد: عقولاً وقيما وعواطف وأخلاقاً في أية أمة فيجب أن نفهم طبيعة الثقافة السائدة فيها، فالثقافات هي القوالب التي تتشكل بها طبيعة الأفراد فالفرد الذي يتقولب بالثقافة الصينية مثلاً له طبيعة مكتسبة تختلف عن طبيعة الفرد الذي يتقولب بالثقافة الروسية أو العربية أو الفرنسية أو غيرها فلكل منهما ردود فعل مختلفة ونمط تفكير مختلف ومنظومة قيم مختلفة وعادات فكرية وسلوكية مختلفة وأسلوب حياة مختلف فالطبيعة المستقرة التي يمكن التنبؤ باستجاباتها وردود أفعالها وسلوكها للفرد الصيني مثلاً لم تتحدد بيولوجياً وإنما تحددت بنشأته في البيئة الصينية وامتصاصه التلقائي للثقافة الصينية الموروثة والسائدة ولو أنه جرى نقله فور ولادته فنشأ عند أسرة عربية لنشأ عربياً في لغته وتفكيره وقيمه وعاداته وأسلوب حياته وبهذا يكون قد اكتسب طبيعة تختلف عن الطبيعة التي كان سيكتسبها لو عاش وتربى على الثقافة الصينية ومثل ذلك يقال عن غيرها من الثقافات..