بكلمات بسيطة تعلمنا وترعرعنا، بحروف معززة كبرنا بين أفراد أسرتنا، عشنا حياة متكاملة نوعاً ما في المراحل الدراسية، أيام جميلة من أيام حياتنا تأخذنا من أحلام لحظاتنا إلى شهور أمنياتنا، ومن تلك الشهور إلى سنين يمضي بها العمر، تعلمنا ومازلنا نتعلم، لكننا الآن أصبحنا رجالاً ونساءً، قد نكون نعلم أكثر مما كنا نعلم، نواجه الحياة بمفردنا بعقباتها وصعوباتها بلا أي دعم ولا معلم. استقلاليتنا بصفتنا أفراداً عاقلين ومستقلين، تجعلنا نختار دائماً ما هو الأنسب، نختار ما نجده ملائماً لنا بصفتنا أشخاصاً مسؤولين وكباراً، إلا أن هناك شيئاً ما يؤثر في بعض الأحيان في قراراتنا ألا وهو الانسياق، الانسياق باتجاه رأي وتفكير ما، وعادة ما يكون نحو رأي الجماعة، وبالتالي ينتج تغييرٌ في أفكارنا وسلوكياتنا الخاصة، وعلى الأغلب يكون هذا الانسياق نحو رأي الأغلبية، لكنه لا يكون الرأي الصحيح بالضرورة. كان شريف من أوائل علماء النفس الاجتماعي، الذين اهتموا بظاهرة الانسياق، فقام بتجارب عديدة منها: استخدامه عدداً من المتطوعين، حيث طلب من المشاركين في التجربة تقديم تقديرات للمسافة التي تتحرك فيها نقطة الضوء في مكان مظلم، وكان المشاركون يضعون تقديراتهم مرتين، مرة على انفراد، ومرة بصفتهم أعضاء في جماعات، ولوحظ أن الإجابات تختلف عندما يكونون في جماعة إلى أن تصبح إجابات أعضاء الجماعة مشابهة إلى حدٍّ كبير، وهذا ما نلاحظه في حياتنا ومجتمعاتنا. هناك عدة عوامل مؤثرة في الانسياق وراء الجماعات، أي هناك عدة أمور إذا حدثت، زاد بها الانسياق، ومنها: الإجماع، فكلما زاد تشابه إجابات وآراء الجماعة، زاد الانسياق إليها بدرجة أكبر، وأيضاً صعوبة الموضوع المطروح، فكلما زادت الصعوبة، زاد معها الانسياق، وذهبت بعض التقارير العلمية إلى أن النساء ينسقن بدرجة أكبر من الرجال، خاصة في المواضيع التي لا يفقهن شيئاً فيها، أو المواضيع الخاصة بالرجال. كذلك الأشخاص أصحاب التقدير المنخفض للذات، الذين يهتمون كثيراً بالعلاقات الاجتماعية، ولديهم حاجة قوية للقبول الاجتماعي، يكون الانسياق لديهم بدرجة كبيرة، وينجذبون إلى أعضاء الجماعة الآخرين بصورة أعلى وأسهل. لكن السؤال هنا: هل يعتبر الانسياق أمراً إيجابياً أم سلبياً؟ في بعض الأحيان نرفض الانسياق محاولين عدم التأثر بالجماعات، وذلك خوفاً من فقدان الهوية الشخصية، ومحاولة الاحتفاظ بالاستقلالية، وهذا شيء إيجابي، إلا أنه في أحيان أخرى تكون للانسياق فائدة اجتماعية جيدة مثل: التفاعل الاجتماعي بين أعضاء الجماعات، واستمرار الحياة الاجتماعية. لذلك من الجيد لو أننا أخذنا خبرات الآخرين بعين الاعتبار عندما نملك قدراً أقل من الخبرة، ونكون في حاجة إلى مساعدتهم في بعض الأمور، أو في اتخاذ القرارات، فالانسياق جيدٌ في بعض الأحيان، وليس في كل الأوقات.