ليس من السهل التحول إلى مدير يجلب الكوارث مثلما فعل دينيس كوزلوسكي و جان ماري مسييه وجيل باراد، لكن لا يأس مع الحياة.. فبوسعك أن تكون من الفئة نفسها إذا أردت وسعيت لهذا. في هذا الاتجاه صدر - حديثا- تقرير بعنوان ( العادات السبع لأكثر المديرين إخفاقا ) حيث عرج التقرير على أشهر الشركات التي واجهت أيامًا عصيبة شركات أرثر أندرسن ورابرميد وشوين بايسيكل علاوة على العمالقة الثلاثة إنرون وتيكو وولدكوم. إن جميع هؤلاء المديرين الذين يشرفون على إخفاقات الشركات الكبرى يتمتعون بعدة خصال تصل إلى أربع خصال تقريبا . أما الموهوب منهم فيتمتع بخصال سبع . عالم المال والأعمال لا يتغاضى عن الصفات التي تجعل من هؤلاء المديرين غير ناجحين فحسب بل أنه يحتفي بهم. وإليك الخصال السبع لأشد الناس إخفاقًا. فحين تتوفر في أي مدير في وسعه عمل أشياء مروعة، حتى لو كنت أنت هذا المدير. الصفة الأولى: وهي أكثر الخصال مكرًا إذ أنها تبدو مرغوبة بشدة. ألا ينبغي أن يكون الرئيس التنفيذي للشركة طموحًا؟ ألا ينبغي أن تهيمن الشركة على بيئة العمل التي تنشط فيها وأن تصوغ مستقبل أسواقها وأن تضبط إيقاع السرعة في كل منها؟ ...الإجابة عن كل هذه الأسئلة، هي بلى. لكنها إجابات تنطوي على تضليل وخداع. فالمديرون الناجحون يحاولون صوغ المستقبل لأنهم يعرفون أنهم لا يستطيعون الهيمنة على البيئة. فهم يعرفون أنه مهما كان نجاحهم في الماضي فهم تحت طائلة الظروف المتغيرة وغوائل الزمن. المديرون الذين يعتقدون أنهم هم وشركاتهم يهيمنون على بيئتهم ينزعون إلى تناسي هذا. فهم سرعان ما يبالغون في مقدار هيمنتهم الفعلية على الأحداث ويهونون كثيرًا من دور الحظ والظروف في نجاحهم. الصفة الثانية: التوحد مع الشركة إلى درجة ذوبان الحدود بين اهتماماتهم الخاصة ومالح شركتهم ..وهذا السلوك، مثله مثل العادة الأولى، يبدو خُلقًا حميدًا، بل وربما مفيدًا. غاية ما نصبو إليه مديرو أعمال يتفانون في خدمة شركاتهم، وتكون مصالحهم مترابطًة ترابطًا وثيقًا مع مصالح الشركات التي يقودونها. لكن عندما يلقي المرء نظرة متفحصة على بعض أوجه العجز والقصور المثيرة، التي تعتور أداء بعض المديرين؛ يكتشف أن المدير التنفيذي الفاشل، ليس ذلك الذي لا تتطابق مصالحه مع مصالح شركته إلا قليلاً، بل ذلك الذي أفرط في الخلط بين مصالحه ومصالح شركته إفراطًا جعل من المتعذر التفرقة بين العام والخاص. فهو ينتمي إلى تلك الفئة من المديرين التي تتعامل مع شركاتها بوصفها امتدادًا لمصالحها الشخصية، لا بوصفها مشروعات تجارية تحتاج إلى من يتعهدها بالرعاية. هو من أولئك الذين تتسلل إلى أفكارهم عقلية "العزب الخاصة". تلك الثلة التي تدير شركاتها كما لو كانت تتصرف في ممتلكاتها الشخصية؛ إذ يتصرف أفراد هذه الفئة كما لو أن لهم الحق في فعل ما يحلو لهم. لعل هذا يقودنا إلى القول إن من يحمل لقب الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات الكبرى في بلد ما، في أيامنا هذه، أشبه ما يكون بلقب ملك لهذا البلد. وهو أمر جد خطير؛ إذ أحيانًا ما يقود المرء نحو الهلاك. الصفة الثالثة:يعتقدون أن لديهم كل الإجابات "شخصية أبو العريف" وفي هذه الصفة، تبرز صورة الكفاءة التنفيذية التي طالما نالت إعجابنا. شخصية القائد النشط الذي يتخذ عشرة قرارات في دقيقة ويتعامل مع العديد من الأزمات في آن معًا ويحل أعقد المواقف التي حيرت غيره أيامًا، في ثوان معدودات. المشكلة في هذه الصفة أنها تبرز صورة المحتال المخادع. فالمديرون الذين يتسمون على الدوام بالحدة والحسم أميل إلى تسوية القضايا بسرعة لا تتيح لهم تبصر العواقب والتداعيات. والأسوأ من ذلك، ولأنهم دائمًا يشعرون أنهم يعرفون كل الإجابات، فهم لا يتعلمون إجابات جديدة. وموهبتهم- حين يكون هناك شيء مهم على المحك- لا تسمح بأي قدر من الشك أو عدم اليقين، حتى حين يكون الشك أو عدم اليقين مطلوبا. الصفة الرابعة: بداية ..الرؤساء التنفيذيون الذين يعتقدون أن عملهم هو غرس الإيمان برؤيتهم يعتقدون، أيضًا، أن عملهم هو إقناع كل شخص بهذه الرؤية. وكل من لا يؤمن بهذه القضية أو يحشد لها التأييد، يقوض هذه الرؤية من أركانها. ومن يتردد من المديرين أمامه خيار من اثنين؛ إما يوافق على الخطة أو يرفضها. والمديرون الذين يشرفون على الكوارث الكبرى في مجال المال والأعمال يقومون بعمليات إبعاد منظمة لكل من يرجح أن يأخذ موقفًا ناقدًا أو معارضًا لهم. وبرع روجر سميث، الرئيس التنفيذي لشركة جنرال موتورز الأمريكية، في التخلص من أي مدير أو عضو مجلس إدارة يشاء القدر أن يحمل توجهات أو آراء مغايرة لآرائه. يتم التخلص من هؤلاء إما بالفصل من العمل أو بالإقصاء إلى فروع نائية لا تأثير لها على ما يحدث في المقر الرئيس للشركة. وفي شركة ماتيل، أبعدت جيل باراد كبار مساعديها في فترة وجيزة وفور أن تحس أن لديهم تحفظات جدية على الطريقة التي كانت تدير بها أمور الشركة. وأوجد شميت هذا المناخ التهديدي في شركة رابرميد، حيث كان ينقل ذوي الآراء المعارضة حين لا تكون المبررات كافية لفصلهم. وحين يدرك المسئولون التنفيذيون، الذين تم جلبهم من أجل التغيير، أنهم لا يحظون بالتأييد من الرئيس التنفيذي للشركة، يغادرون بنفس السرعة التي جاءوا بها إلى مجلس الإدارة. وفي نهاية المطاف، لا يحتفظ الرؤساء التنفيذيون للشركات إلا بمن يساندهم كليةً. لكن إلى أين يتجهون؟ إلى الكارثة، ولم يتبق من يحذرهم. الصفة الخامسة: متحدثون بارعون مهووسون بصورة الشركة ..وأنت وأنا وكثيرون يعرفون هذه النوعية من الرؤساء التنفيذيين للشركات. فهم تنفيذيون مسلطةُ عليهم الأضواء. يظهرون، دائمًا، أمام أعين الجمهور. يقضون وقتًا طويلاً في إلقاء الأحاديث والظهور على شاشة التلفاز، وإجراء المقابلات الصحافية. يتسم أداؤهم بالجاذبية والثقة بالنفس. شخصيتهم العامة تبعث الثقة في الموظفين ومن يرغبون في العمل بالشركة وفي الناس قاطبة، خاصة المستثمرين. والمشكلة هي أنه في غمرة هذا النشاط الإعلامي والسطحية تكون الجهود الإدارية لهؤلاء المديرين ضحلة وغير فعالة. فبدلاً من إنجاز الأعمال، يقنعون بمظهرية أداء الأعمال. وفي الحالات الشديدة، لا يفرقون بين الأمرين؛ فمثلاً، يبدو الاجتماع الذين يقدمون أداءً بارعًا فيه، قيِّمًا مثلما اجتماع يتم فيه عمل شيء حقيقي. الصفة السادسة: يهونون من شأن العقبات جزء من الإغراء الذي تقدمه وظيفة الرئيس التنفيذي للشركة هي اعتناق رؤية. وليس من العسير تخمين ما يحدث لاحقًا. فالرئيس التنفيذي يصبح شغوفًا برؤيته لما يريد أن ينجزه إلى درجة أنه يغفل عن أو يهون من مصاعب تحول دون تحقيق ما يصبو إليه. وحين يتكشف أن بعض المشاكل التي هونوا من أمرها أكثر تعقيدًا مما اعتقدوا فدأب هؤلاء الرؤساء التنفيذيين هو الزج بالشركة في أتون هاوية سحيقة. فمثلاً، حين كانت عمليات شركة ويبفان تحقق خسائر فادحة كان رئيسها التنفيذي جورج شاهين مشغولاً بتوسيع هذه العمليات بمعدل مرعب. وفيما كانت شركة تيكو تجاهد للحفاظ على هامش الربح في كثير من أقسامها، كان رد فعل دينيس كوزلوسكي على كل انتكاسة بالإسراع من معدل صفقات الشراء التي كان يبرمها حتى أنه لقب بدينيس صاحب صفقة كل شهر. لماذا لا يراجع الرؤساء التنفيذيون للشركات مسار عملهم أو على الأقل يتوقفوا للحظة إلى أن يتضح إن كانت سياساتهم ستنجح؟ البعض يشعر بحاجة ماسة إلى أنه على صواب في كل قرار مهم يتخذه. وجزء وراء هذه العقلية هو سبب سبق ذكره وهو أنهم يشعرون أنهم مسئولون عن نجاح شركتهم. إذا أقروا بأنهم غير معصومين من الخطأ، فإن منصبهم كرؤساء تنفيذيين للشركة سيتعرض لقلقلة شديدة. فهم يخشون مطالبة الموظفين والصحفيين الاقتصاديين ومجتمع المال والأعمال، جميعًا، بتولي شخص آخر يتمتع بقدرات خارقة إدارة الشركة، كي يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح. ففور أن يقر الرئيس التنفيذي للشركة (رجلا أو امرأة) بارتكاب خطأ بشأن مسألة مهمة سيكون هناك دائمًا من يقول إنه (إنها) غير كفء لهذا المنصب. كل هذه التوقعات غير الواقعية تجعل من الصعب للغاية على الرئيس التنفيذي لأية شركة أن يتراجع في أي قرار اتخذه أو مسار سلكه. إذا كان الخيار الوحيد المتاح أمام المرء هو المضي قدمًا في الاتجاه نفسه فرد فعله على أي عقبات تواجهه هو المضي في الاتجاه ذاته بقوة وسرعة أكبر. وهذا هو السبب الذي دفع المسئولين في شركتي موتورولا وإيريديم إلى الاستمرار في استثمار المليارات من الدولارات لإطلاق شبكة هاتف نقال تعمل بالقمر الصناعي حتى بعد أن وضح أن الشبكات الأرضية توفر بديلاً أفضل. فبعد كل جولة من الإنفاق تزداد صعوبة تغيير الاتجاه. من شبه المستحيل أن يقر المسئول حين يفلت زمام الأمور من بين يديه. ومعظم المديرين يريدون من الآخرين الاعتراف بعزيمتهم وتصميمهم ومثابرتهم. وتضرب قصة شراء شركة كواكر كاتس لشركة سنابل في العام 1994 مثالاً على ذلك. فقد دفع وليام سميثبيرج الرئيس التنفيذي لشركة كواكر 7ر1 مليار دولار لقاء ضم شركة سنابل مفترضًا- افتراضًا خاطئًا- أن المشروب الذي تطرحه الشركة سيحقق نجاحًا ساحقًا مثل جاتوريد بدون تحليل الفروق الحقيقية بين المنتجيءن. حين بدأت تجارة سنابل تبور وقف سميثبيرج على قدميه وقال إنه لن يتخلى أبدًا عن سنابل لأنه بحسب تعبيره "لم أهرب قط من تحد ولن أهرب أبدًا من هذا التحدي". في العام 1997، باعت كواكر شركة سنابل مقابل مبلغ تافه قدره 300 مليون دولار فقط لا غير. كلنا تعلمنا الإعجاب بالشجاعة وقت المحن. لكن في حال قضية شراء سنابل، كلما تشبث سميثبيرج بموقفه، زادت الخسارة المترتبة على هذا الموقف لكل من سنابل ولشركتها الأم. الصفة السابعة: يتشبثون في الاعتماد على ما أفادهم في الماضي ... العديد من الرؤساء التنفيذيين للشركات- وهم في طريقهم إلى أن يصبحوا فاشلين- يعجلون من انهيار شركاتهم بالإحالة على ما يرون أنه مجرب ومضمون. وبسبب رغبتهم في تحقيق أقصى استفادة مما يرون أنه نقاط قوتهم الأساسية فإنهم يتعلقون بنموذج أعمال ثابت. فهم يصرون على طرح منتج في سوق لم يعد له وجود أو أنهم يعجزون عن تقديم ابتكارات في مجالات أخرى غير تلك التي حققت الشركة فيها نجاحًا. وهم لا يفكرون في مجموعة من الخيارات التي تلائم الظروف الجديدة. ولا يرجعون إلا إلى تاريخ حياتهم المهنية. ويقومون بالأشياء نفسها التي جعلتهم ناجحين في الماضي. فحين كانت جيل باراد تحاول الدعاية لبرنامج تعليمي لشركة ماتيل استعانت بالأساليب الدعائية التي كانت ناجحة حين كانت تقوم بالدعاية لدمى باربي على الرغم من أن برامج الكمبيوتر لا توزع أو تستهلك بالطريقة ذاتها كما الدمى. إن المديرين الذين يقعون أسرى هذه العادة يدينون بحياتهم المهنية لبعض "اللحظات الفارقة" مثل قرار حرج أو خيار معين نتج عنه نجاحهم الملحوظ. وهو عادة أشهر ما يعرفون به بين الناس، وهو ما جعلهم يشغلون جميع الأعمال التي تقلدوا مناصبها فيما بعد، وهو الذي جعل لهم خصوصية. والمشكلة أن الناس بعد أن يعيشوا تجربة تلك اللحظة الفارقة في حياتهم يميلون إلى تعريف أنفسهم بها بقية حياتهم العملية. وإذا أصبح الواحد منهم رئيسًا لإحدى الشركات الكبرى فإنه يجعل تلك اللحظة الفارقة من حياته تشكل، أيضًا، ملامح الشركة التي يعمل بها. الشيء المحزن أن المديرين الذين يقعون أسرى تكرار متواصل للحظتهم الفارقة هذه يفشلون لا بسبب عجزهم عن التعلم لكن بسبب أنهم تعلموا درسًا واحدًا بعينه فقط.