في سلوك الجماعات، ليس بالضرورة أن يعبر الفرد عن رغبته وأفكاره، وليس بالضرورة أن تكون التصرفات والسلوكيات التي يتصرف بها الإنسان تعبر عن شخصيته، فقد يعبر عن رغبة الجماعة التي ينتمي إليها، وهناك ما يسمى بضغط الجماعة، وهناك ما يسمى بالامتثال، وهناك الخضوع. والامتثال في جوهره خضوع لضغط الجماعة، وقد يكون هذا الانقياد آلياً، وبدون طلب من الجماعة، وهذا ما يفرق بين الامتثال والخضوع، فالامتثال بلا أوامر، والخضوع يتم وفقاً للأوامر، وقد يمتثل الإنسان للجماعة، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، أغلبية أو أقلية، ويزداد الامتثال كلما زاد حجم الجماعة، ويزداد الامتثال للجماعة عندما تكون المهمة غامضة، أو صعبة، بمعنى أنه يصعب على الفرد تمييز مدى صحتها، ولا يستطيع أن يتخذ فيها قراراً، أو موقفاً، فيلجأ للامتثال للجماعة على أنها هي المرجعية الصحيحة، على الرغم من أن إجماع الجماعة، أو الأغلبية، ليس بالضرورة أن يكون صحيحاً، وقد يكون مضللاً. ويقل الامتثال بزيادة تقدير الذات، ويزداد بزيادة الاهتمام بالعلاقات الاجتماعية، وزيادة الحاجة إلى القبول الاجتماعي، والخوف من رفض الجماعة، ويزداد الامتثال للجماعة كلما كانت الجماعة جاذبة. وليس بالضرورة أن يكون الامتثال ضاراً، أو سلبياً، فقد يكون نافعاً، ويؤدي وظائف للفرد والجماعة، حيث يعمل على تسهيل آليات البناء الاجتماعي، ويمكننا من تنظيم سلوكنا الاجتماعي، ومن التنبؤ بردود أفعال الآخرين، ويكون الامتثال سلبياً عندما تصبح الجماعة استغلالية هدفها تحقيق مصالح فئة على حساب الأغلبية من أعضاء الجماعة، وتحدد استجابة الفرد وتقيدها وتشوهها هنا «الجماعة المتآمرة». ولكن، هل الجماعة دائماً هي من يقود الناس إلى هذه الدرجة، ولا يوجد هناك من يظهر بوجهات نظر مغايرة، ويحدث التغيرات في المجتمعات، سواء التغيرات الإيجابية، أو حتى السلبية، هذا ما احتج به «مسكوبيتي» على دراسات الامتثال، وقال إنه يمكن للأفراد، أو الجماعات الصغيرة، أن تُحدث الفرق، أو تخرج عن المألوف إذا ما تميزت بالثبات والقناعة بالرأي، ويظهر التغيير إذا ما أظهر الأفراد درجة من الاستقلالية والتوجيه الذاتي، والاستعداد للمثابرة، ودرجة من التوازن بين الصلابة والمرونة. وحدد (لوبون) عدد العمليات النفسية التي تؤثر في سلوك الأفراد داخل الجماعات، وهي: تقبل الإيحاء والعدوى الاجتماعية، وانقطاع الصلة الشخصية، ومجهولية الاسم، وهذا ما سنتحدث عنه في المقال المقبل.