جاء علم الإدارة ليكون فاصلاً في كثير من الشؤون الإدارية التي تعتمد كلياً على الإنسان الذي يمثل محور العملية الإدارية، كما أسهمت النظريات الإدارية في صُنع البدائل لضمان سيرورة العمل الإداري وعدم الارتباط بأشخاص بغيابهم تتعثر المهام والأعمال. في دراسة حديثة للدكتور محمد الشمري والأستاذة دلال الحارثي حول تخطيط تعاقب القيادات الإدارية الحكومية في السعودية بينت عدم وجود مسار استراتيجي لتطوير مرشحين جدد وتجهيزهم لشغل المناصب العليا، مما يؤكد عدم وجود تطبيق فعلي لمفهوم تعاقب القيادات في الأجهزة الحكومية.. وبينت الدراسة التي عُملت في 62 جهة حكومية عدم وجود معايير واضحة للاختيار والترقي للمناصب القيادية مع غياب رؤية بناء صف ثانٍ من القيادات. وأوصت الدراسة بأهمية وجود برنامج وطني لاكتشاف القيادات على مستوى الأجهزة الحكومية؛ وفق اختبارات تتعلق بسمات القائد من جميع الجوانب. ما جاءت به الدراسة لم يكن جديداً! فهذا هو الحال مع جميع المناصب القيادية في الأجهزة الحكومية التي تعتمد على معايير خارج منظومة الحلقة الإدارية من «فزعة صديق» ومروراً «بالبناخي» إلى «يبونه الرّبع» وغيرها !! إن ما يحدث في حال غياب صاحب المنصب القيادي في واقعنا الإداري هو ما يسمى بالإحلال أو مبدأ «من تهقون نحط» الذي يزج بشخصيات في حالات الطوارئ دون وعي ومعرفة ناضجة بمهام العمل وهنا مكمن الخلل.. فسياسة الترشيح للمناصب القيادية ربما تنحصر في ثلاثية الولاء والمحاباة والعنصرية، وهذا ما يخلق بيئة سلبية في منظومة العمل وتفشي ظاهرة الإحباط للمبدعين والمتميزين ومن ثم قد تتحول إلى سبب رئيس في ضعف المخرجات والتسيب كون فرص الترقي للمناصب القيادية تم «صفطها» لفئة معينة! لقد تم إغفال الجانب المعنوي لمن تعب وعمل على تأهيل وتطوير نفسه لسنوات طويلة، وفجأة تأتي المناصب القيادية «باردة مبردة» إلى من لا يستحقها مما «يعجّل» ببطء مسيرة التنمية والمعرفة التي تعتمد على الإنسان أولاً.. أن يتحول المفهوم الإداري «تعاقب القيادات» إلى «تعقّب» في الحصول على منصب قيادي كفيل بفتك روح الحماسة وغياب المبادرات الجيدة وذبول الطموح للمبتدئين الجدد في عالم الوظيفة الحكومية!!