"لو كنت أملك شخصاً مثل سعود الفيصل لسيطرت على العالم كله.. إنه أدهى وأهدأ من قابلت في حياتي".. هكذا وصف الرئيس العراقي السابق صدام حسين وهو في عز عنفوانه صاحب السمو الملكي الراحل الأمير سعود الفيصل "يرحمه الله"، نعم لقد شهد له العدو قبل الصديق وخشي بأسه الكبير قبل الصغير.. وعمل كل الساسة والمحنكين في العالم له ألف حساب وحساب. إنه الرجل الذي وُصِف بأنه الأدهى والأذكى في الخليج على الإطلاق، الأمير الحازم الحاسم الذي ساهم في تعزيز هيبة وكرامة الوطن، رسم السياسة الخارجية والاستراتيجية طويلة المدى لوطن الشموخ والكبرياء.. فجعل صورة المملكة العربية السعودية في عيون أغلب شعوب العالم هي الصورة المضيئة.. اللامعة.. الجذابة. الأمير المثقف.. المبدع.. المتواضع.. القوي.. الذي لم يضيع أي لحظة في حياته على مدار 40 عاماً إلا وعمل خلالها بتفانٍ في خدمة الوطن، حتى وهو يرقد على السرير الأبيض في عز مرضه، استقبل عدداً من مسؤولي البلاد الصديقة والشقيقة، وواصل عمله بعد العملية الجراحية التي أجراها في الظهر، وعندما سُئِل عن مرضه.. ابتسم كعادته وقال: حالي كحال أغلب الدول العربية. عاش الفيصل ربيع السياسة السعودية، وأفنى عمره في خدمة وطن يقف الآن كبيراً وعملاقاً في بداية الألفية الثالثة، قدَّم على مدار أربعة عقود من الزمن دروساً مجانية لكل من يريدون ارتداء عباءة الدبلوماسية، فقد ظهر مرناً ومتسامحاً ثم حازماً وصارماً، واستحق أن يقول عنه رئيس الاتحاد السوفييتي الأخير غورباتشوف "لو كان عندي رجل مثله لما تفكك الاتحاد السوفييتي". يا لها من صدمة كبيرة.. وخسارة فادحة.. فقد رحل عميد الدبلوماسية في العالم، رحل وهو يحمل شعلة ذكاء وحماس أداء والده الملك فيصل بن عبدالعزيز "يرحمه الله"، غادر دنيانا في شهر مبارك وفي إحدى الليالي الفردية في العشر الأواخر من رمضان، وسط تضرُّع آلاف المصلين في كل مكان أن يتغمده الله بالرحمة ويوسِّع في قبره ويجعله من الصديقين والشهداء، ويجازيه خيراً عن وطن يحفظ له الجميل، ويدرك مكانة ومناقب الفقيد. حمل هموم العرب على كتفيه.. وأفنى عمره في خدمة الأمة الإسلامية والدفاع عن مكتسباتها، وشكَّل ضغطاً كبيراً على اليهود، ورد بقوة على الرئيس الأمريكي أوباما عندما قال: اتركوا الشعب يعبِّر عما بداخله اتركوهم يتظاهرون، فردَّ: نحن لا نتدخل في شؤون الآخرين ولا نقبل لأيٍّ مَنْ كان التدخل في شؤوننا الداخلية، وأي إصبع يمتد في وجه السعودية سنقطعه، ووقف كالأسد في وجه إيران وأذرعها في المنطقة حين قال كلمته الشهيرة والأخيرة "لسنا دعاة حرب.. لكننا جاهزون لها إذا اُضطررنا لذلك". رحم الله أمير الدهاء والأخلاق.. وأسكنه فسيح جناته، رحم الله مهندس السياسة الخارجية.. ورجل الحرب والسلام.