الحديث عن الكوارث المرورية في المملكة يبعث في النفس التشاؤم والحزن والأسى، فنحن منذ سنوات لا نزال نتصدر دول العالم بأعلى نسبة حوادث ينتج عنها سنوياً آلاف الوفيات والإعاقات الجسدية. في كل نقاش يدور حول الأسباب الرئيسة لارتفاع الأرقام المخيفة للحوادث، نجد أن هناك بعض الأصوات المحسوبة على الجهات المعنية بالأمر تؤكد أن رعونة السائقين وعدم مبالاتهم تأتي في مقدمة الأسباب، بينما بعضهم الآخر من غير المحسوبين يعزونها لغياب العقوبات المرورية الرادعة في حق المخالفين والمتهورين، وبين هذه وتلك لا نزال ندور في ذات الحلقة المفرغة منذ سنوات دون وجود بارقة أمل في الحد من إزهاق الأرواح وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة. من المألوف جداً أن نجد في كل مجتمع فئة من الناس لا تكترث كثيراً للأنظمة والقوانين أو حتى للآداب العامة التي تحكم المجتمع من أعراف وتقاليد، لكن من غير المألوف أن تتكاثر وتتمادى تلك الفئة لدرجة أنها تكاد تشكل -بلا مبالغة- الأغلبية الساحقة من الشباب! ماذا يعني تنامي ظاهرة سيئة مثل عدم احترام قوانين القيادة في الطرقات والأحياء؟ الإجابة بلا مواربة هو غياب رجل المرور عن تلك المواقع الحيوية خاصة بعد إدخال كاميرات رصد المخالفات في بعض الطرق والأماكن، ويبدو لي أن سبب الغياب هو أن الجهة المعنية تعتقد أن المدعو ساهر سيمارس ذات الدور الذي يمارسه «سبايدر مان» أو صديقه «بات مان» في تنظيم السير وفك الاشتباكات التي قد تحدث بسبب قلة أدب بعضهم! ولن أتحدث هنا عن ساهر فما كُتب فيه من نقد ملأ الآفاق والأسماع دون أن يعيره القائمون عليه أدنى اهتمام. إن كثرة التجاوزات عند إشارات المرور وفي الأسواق وبعض الأماكن العامة تُعد مؤشرات خطيرة على كوارث قادمة إذا لم ينتبه لها المسؤولون عن حركة المرور في المملكة، الأمر لم يعد يُحتمل فقد تجاوز كثير من المراهقين حدود اللياقة والأدب في سلوكياتهم تجاه قائدي المركبات الملتزمين بأنظمة المرور، فليس من المستغرب أن يتجرأ مراهق صغير السن ويطلب من قائد السيارة التي تقف أمامه أن يفسح له المجال لقطع الإشارة بصورة همجية من خلال استخدامه منبه السيارة دون أن يشعر بأي خوف أو خجل! وآخر يسير بالاتجاه المعاكس ويغضب من تنبيه الناس له بأنه بالاتجاه الخاطئ لدرجة أنه يتمادى ويصر على إجبار قائدي السيارات الأخرى أن يتنحوا عن طريقه حينما يعمد لقيادة سيارته بسرعة جنونية غير عابئ بكل التحذيرات والتنبيهات التي يقوم بها الآخرون! ومتهور آخر لا يتوانى عن التفحيط والإزعاج داخل الأحياء السكنية مستهتراً بأرواح الناس وممتلكاتهم في ظل الغياب الكلي لرجال المرور عن المواقع الحيوية التي يقصدها الناس. كثير منا يتساءل لماذا تغيب دوريات المرور عن شوارعنا وإن حضرت لا تقوم بمهامها بالشكل المطلوب رغم أن الحوادث في ازدياد مستمر؟ خير من يجيب عن هذا السؤال هي إدارة المرور الموقرة، فنحن وإن اجتهدنا بالإجابة عن ذلك السؤال فمن المؤكد أن الإخوة المسؤولين سيرونها غير منصفة وظالمة. قد يرى بعضهم أن التربية لها تأثير كبير في انتشار ظاهرة عدم احترام الأنظمة المرورية وهذا لا يجادل فيه اثنان لكن لو تركت الأمور كلها للتربية لما تقدمت شعوب العالم الأول قيد أنملة؛ بمعنى أن النظام لا يُفرض من قبل الأسر على أبنائها بل هذه مسؤولية الجهات المعنية في سن القوانين ومتابعة تطبيقها على أرض الواقع ومعاقبة كل من يحاول عدم التقيد بها، فهيبة القانون لا تأتي عبر الملصقات والإعلانات التي تملأ اللوحات والشاشات المنصوبة في الميادين والشوارع، بل تأتي بالعقوبات الرادعة والصارمة وهذا لا يتم ما لم يحضر رجال المرور في ميادينهم الطبيعية والتي من المفترض أن يكونوا فيها ألا وهي الشوارع والأحياء والأسواق…إلخ. أتمنى ألا نصل لمرحلة اليأس من تدخل المرور لضبط الحركة المرورية في طرقاتنا لأن ذلك حتماً سيؤدي إلى ما لا تُحمد عقباه طالما أن ذوي الأخلاق السيئة لا تردعهم العقوبات ولا التربية.