استخدام الأسلحة في الأعياد من إحدى العادات القديمة في المملكة، لكنها اندثرت لسنوات عديدة، وعادت لترجع في الآونة الأخيرة بشكل مخيف وأصبحت من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي يعاني المجتمع من انتشارها، خاصة في الأعياد التي نشهدها على امتداد القرى والمدن في المملكة. وخلال مناسبات الأعياد الأخيرة خلَّفت هذه الظاهرة كوارث مأساوية كثيرة في الأسر والعائلات، راح ضحيتها عدد من الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم جاؤوا لتهنئة أقاربهم وجيرانهم بالعيد السعيد، ومشاركتهم فرحتهم وتقديم التهنئة لهم. وعلى الرغم مما لهذه الظاهرة من أبعاد اجتماعية وثقافية أساسية تدفع إلى اللجوء إليها، فإنها تبقى ظاهرة أمنية بامتياز، وعلاجها أمني أساساً، بحسب ما يُجمع عليه المواطنون والمعنيون. ويجب التنفيذ الدقيق للتعليمات الصادرة من وزارة الداخلية بهذا الخصوص، وبما يعمل على منع تكرار مثل هذه الحوادث، حفاظاً على الأرواح والممتلكات. «الشرق» وقفت على أبعاد هذه القضية والتقت عديدا من المهتمين. البداية كانت مع مشبب الدوسري الذي قال: إن السبب يعود في انتشارها في محافظة وادي الدواسر للقبيلة نفسها، والمفاخرة بينهم بهذا الشيء. متهماً أولياء الأمور بعدم تحمل مسؤوليتهم تجاه ضبط أبنائهم، وزاد: إن أولياء الأمور هم من يشجعون أبناءهم ويساعدونهم، وذلك بتوفير السلاح للابن. وقال مع الأسف لا توجد عقوبات صارمة في الحد من انتشار هذه الظاهرة. أما عبدالله الدوسري من محافظة وادي الدواسر أيضاً فقال: بات إطلاق النار مشهدا مألوفا في موسم الأعياد والزواجات ومما يزيد من خطورتها إطلاقه داخل الأحياء وبين البيوت. وقال: تنتشر هذه العادة القاتلة في الغالب بين فئة الشباب، مشيراً إلى أن إطلاق الأعيرة النارية هو أسوأ وسيلة يمكن التعبير فيها عن الفرح، وهو خطر لا مبرر له، وسلوك اجتماعي غير حضاري، يحول أيام وليالي العيد من فرح إلى حزن. مؤملاً إيجاد إجراءات صارمة من قبل الجهات الأمنية ضد إطلاق النار أو من يمارسها في الأعياد. فلاح الدرعاني من مدينة الرياض ذكر أنه حمل السلاح في السابق هو جزء من العادات والتقاليد الاجتماعية، حيث كانت تستخدم في الأعياد بوضع ما يُسمى (النصع أو الشارة) في أماكن لا يوجد فيها أحد مثل الأراضي التي لا يوجد قيها أحد من السكان، والبعيدة كل البعد عن المدينة، أو في سفوح الجبال حيث يتم التصويب والرمي عليها. وأضاف: مع مرور الزمن تلاشت هذه العادة ولكن في الخمس سنوات الأخيرة مع الأسف عادت هذه الظاهرة بشكل مختلف عن السابق، حيث من يقوم باستخدام الأسلحة هم فئة الشباب ويطلقون الأعيرة النارية في السماء دون أدنى مسؤولية. وأرجع الدرعاني السبب لضعف الرقابة من قبل أولياء الأمور وعدم نبذ المجتمع لهذه الظاهرة. وذكر نايف العتيبي من محافظة عفيف أن حمل السلاح والرمي أصبح ظاهرة تؤرق حياة المجتمع، وتحدث حالات من الخوف والإزعاج في أوساط المواطنين. وطالب الجهات المختصة بذل جهودها من أجل وضع حد لهذا الاستهتار المتعمد، وتطبيق العقوبة بشكل حازم على كل مستخدمٍ للسلاح في الأعياد أو الأفراح، ومصادرة أسلحتهم من قبل الجهات المعنية، حفاظاً على الأرواح، وتطبيقاً للنظام. والقضاء على هذه الآفة. علي السبيعي من محافظة رنية قال: إن ظاهرة إطلاق النار في الأعياد والمناسبات موجودة قديماً وحتى الآن، حيث يعتقد البعض من الناس أنها تعبير عن فرحتهم بالعيد، لكنها ما لبثت أن تحولت إلى ظاهرة مزعجة، تؤرق كثيرا، ومصدر خطر على الأرواح والممتلكات. وقال: في اعتقادي أن الاستخدام الخاطئ لأداة إطلاق النار، هو ما أدى لانتشار هذه الظاهرة، حيث يتم استخدامها من قبل صغار السن، وغالبيتهم لا يجيدون استخدامها. مشيراً إلى وقوع حوادث مصاحبة لبعض المناسبات، التي تم فيها إزهاق أرواح بريئة، وتحوَّل الفرح إلى مأتم، بسبب إطلاق النار العشوائي. وناشد السبيعي أولياء الأمور الاهتمام بأبنائهم وعدم ترك السلاح بأيديهم، وذلك من أجل الحفاظ على أرواح الناس والقضاء على هذه الظاهرة، وقال: ذلك لن يحدث بدون التعاون بين المواطنين والجهات الحكومية وخاصة من أولياء الأمور وعدم ترك السلاح في أيدي من لايجيد استخدامه والأولى الابتعاد وترك هذه الظاهرة وتثقيف المجتمع بأنها صارت خطراً حقيقياً على الأرواح. وأرجع عايض مناحي آل هديل من محافظة بيشة انتشار الظاهرة إلى عدم التقدير الصحيح من قبل بعض الأشخاص للمخاطر، التي يمكن أن تلحق بهم وبمن حولهم، عند قيامهم بإطلاق النار، بداعي الفرح والابتهاج، وقال: إن اللجوء إلى هذا الفعل يتم في عديد من الحالات، بدافع التباهي والتفاخر، وحب الظهور بحمل السلاح.. مشيراً إلى أن إطلاق الأسلحة النارية في المناسبات لا يشكل خطورة بالغة على المجتمع فقط، بل قد يعكر صفو المناسبة ويحيلها إلى عزاء، وربما يحولها إلى مأساة، ليذهب جراء هذه العشوائية أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم جاؤوا ليحتفلوا بمناسبة عزيزة عليهم. وبين الإعلامي عيسى الخاطر أن انتشار هذه الظاهرة بين الشباب أدى لفقدان عديد منهم في حفلات الأعياد والزواجات على مرأى ومسمع الجهات المعنية. موضحاً أن للإعلام دورا مهما وفاعلا في توجيه أبناء المجتمع بخطورة حمل السلاح والعبث به من قبل الشباب. وطالب المستشار الأسري والتربوي أحمد بن جزاء الحربي بتكثيف الجهود والتعاون بين مختلف الأطراف. مؤكداً أن القضاء على هذه الظاهرة يحتاج إلى عمل كبير. وقال: يمكننا القضاء على هذه الظاهرة السلبية في حياتنا من خلال نشر التوعية بين الناس من خلال الإعلام بالدرجة الأولى بالإضافة إلى إظهار مخاطرها على المجتمع من جوانب عدة لعلّ المجتمع يتعظ، كما أن للمثقفين دورا كبيرا في نقل الفكر النيّر للعامة، وتوضيح المخاطر التي تنتج عن هذه الآفة. وقال: لا ننسى أيضاً دور أولياء الأمور في توعية أبنائهم بمخاطر حمل السلاح وما يترتبت عليه من عواقب وخيمة. من جهته أكد ل «الشرق» المتحدث الرسمي لشرطة المنطقة الشرقية العقيد زياد الرقيطي أنه يتم ضبط مطلق النار في الحوادث الفردية وفي حالات الإطلاق في المناسبات. وقال: يتم ذلك وفق ما يتم رصده من قبل الجهة المختصة بالشرطة من خلال البلاغات، أو من خلال دوريات الأمن أثناء أداء مهامها الميدانية ومتابعتها للمواقع العامة ومواقع الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية أو ما يتم تمريره من بلاغ بهذا الخصوص، ومن ثم يحال الشخص المضبوط بعد استيفاء الإجراءات اللازمة إلى هيئة التحقيق والادعاء العام. وكانت وزارة الداخلية قد وجهت في وقت سابق إمارات المناطق والأجهزة الأمنية المختصة وهيئة التحقيق والادعاء العام، بتطبيق الأنظمة والتعليمات بحق من يقوم بإطلاق النار في المناسبات بمختلف مناطق المملكة، ومحافظاتها ومراكزها الإدارية؛ حيث يُعَد إطلاق النار في مثل هذه الحالات جريمة يعاقَب عليها – بموجب نظام الأسلحة والذخائر- بالسجن والغرامة.