باتت ظاهرة انتشار الاسلحة النارية بين العامة، من المظاهر المألوفة بين أفراد المجتمع، وأسهمت بشكل وآخر في زيادة جرائم القتل الخطأ والثأرية وحتى الناتجة عن أمراض نفسية يروح ضحيتها الأبرياء، كما أن انتشار السلاح بين افراد المجتمع يظل مصدرا خطيرا وإن ارتبط بالعادات والتقاليد. وتشهد مناسبات الافراح والحفلات الخاصة في بعض مناطق المملكة إطلاق الأعيرة النارية، حيث ترى شريحة من المجتمع في الخطوة نوعا من الترف والكرم والترحيب وإرثا قبليا يرفع من شأن أبنائه، وأن منعها يقلل من شأنهم، متجاهلين آثارها السلبية، وفي المقابل يرى البعض أن انتشار السلاح عادة خطرة لا بد من وضع حد لها أو تقنينها بحزم. «عكاظ الأسبوعية» تطرح من خلال التحقيق التالي حزمة من التساؤلات حول جرائم القتل الناتجة عن حمل وانتشار السلاح.. أنواعها وأسبابها.. الدوافع والمسؤولية. استخفاف بالدماء في البداية أشار المواطن فايز علي الأسمري الى أن انتشار السلاح بين أفراد المجتمع يساهم في زيادة جرائم القتل والاستخفاف بدماء الناس، حتى أن البعض يقتل لأسباب غير واقعية بهدف الانتقام أو نزاع لا يستحق، ويضيف «فقدان الحكمة والعقل المدبر والفكر المنير له أثر على حياة من يقع في مثل هذه الجرائم». رمز للقوة من جانبه أوضح المواطن محمد سعيد أن قضايا وجرائم القتل باتت منتشرة بشكل ملحوظ في المجتمع، وعلى الجميع السعي الجاد لإيجاد الحلول لها، والإسهام في وقف هذه الجريمة، كما يجب أخذ العبر من بعض من ارتكب جرائم القتل القابعين وراء القضبان، كما يجب التقليل من شفاعات الدم حتى ينال كل من أقدم على جريمة القتل جزاءه. وبين المواطن أحمد علي الألمعي أن استخدام الأسلحة في المناسبات العامة أو الخاصة يخلف كوارث عدة، إلا أن معظمها يتم التكتم والتستر عليها بحكم القرابة، والبعض يكون حجم مأساتها يفوق قدرة أصحاب الزواج على إخفائها فتظهر للعلن، بحسب قوله. وأضاف «الكثير من القبائل تعتبر استخدام السلاح في المناسبات رمزا للتعبير عن الفرح وعمق الكرم عند استقبال ضيوف من كبار وجهاء المنطقة أو القبيلة نفسها». التشديد والمنع فيما أوضح محمد أحمد الشديدي (صاحب قاعة أفراح) أنه يحرص على التشديد على منع المستأجرين من استخدام السلاح أثناء احتفالهم، ويضطر أحيانا إلى أخذ توقيعهم على عقد يحمل بند عدم استخدام السلاح بشكل نهائي، مشيرا إلى أن الكثير من المستأجرين يوافقون على البند ومتعاونون جدا، في حين أن هناك آخرين يرفض ذلك، معللين رفضهم بأن السلاح شكل من أشكال الضيافة والكرم ومن الصعب التخلي عنه، بل ويطلقون الأعيرة النارية احتفالا بقدوم عدد من الأشخاص وخاصة من القبائل الأخرى، وهناك بعض القادمين للزواج يقومون بإطلاق الأعيرة النارية، وهذا الوضع يتكرر كثيرا. عادة قديمة من جهته، أكد إبراهيم بن علي الألمعي عادة اطلاق الأعيرة النارية قديما، وقال «هذه العادة ارتبطت بدخول شهر رمضان والعيدين، عودة الحجاج، شفاء المريض وغيرها من المناسبات لإشهار المناسبة في ذلك الوقت، وحاليا يستخدم السلاح في حفلات الزواج تعبيرا عن الفرحة ومع مرور الوقت تحولت الظاهرة إلى خطر يهدد الجميع». ولفت الالمعي، إلى أن الآونة الأخيرة شهدت مبالغة في التباهي بالأسلحة، فأصبح الصغير والكبير يحمل السلاح، مضيفا أن هؤلاء الشبان لا يدركون مدى خطورته، حيث تخرج بعض الطلقات النارية فتصيب أحد الحضور. وأكد عدد من مشايخ قبائل رجال ألمع أن إمارة المنطقة حذرت من استخدام الأسلحة النارية أو اقتنائها في مناسبات الزواجات والأفراح وما ينتج عن اقتناء تلك الأسلحة من مخاطر على الفرد والمجتمع وخصوصا هذه الأيام والتي تكثر فيها مناسبات الأفراح. تطبيق الأنظمة إلى ذلك، قال محافظ رجال ألمع سعيد بن علي بن مبارك إن من أخطار حمل السلاح أنه يعكر صفو الأمن، مطالبا الجميع بالمساهمة في الحد من انتشار الأسلحة الخطيرة، وأن دور الجهات الأمنية يتمثل في الحفاظ على الأمن والأمان وتطبيق الأنظمة على كل من يخالف النظام، وذلك بتعاون المواطنين. ويضيف»المواطن هو رجل الأمن الأول، خاصة مشايخ القبائل وأعيان هذا البلد، في توعية التابعين لهم بهذا الخطر والنتائج السلبية التي تترتب على ذلك». اضطراب وجداني وأكد الاستشاري النفسي ورئيس قسم الطب النفسي بمستشفيات القوات المسلحة بالجنوب الدكتور محمد عبدالرحمن المتحمي أن تزايد حوادث القتل سببه الجهل والتعصب على باطل بحجة الثأر والانتقام في الخلافات التي قد تطرأ. وأضاف «هناك بعض الامراض النفسية التي تلعب دورا اساسيا في القتل منها الغضب، ومن هذه الامراض اضطراب الضلالات وهو اضطراب تسود فيه الضلالات أو الضلالات المنتظمة من دون سبب جسماني وتغيب فيه مواصفات الاضطراب الوجداني (الهوس والاكتئاب)، وهو وجود ضلالات غير مفرطة، ولا ترجع إلى مرض عقلي آخر (مثل الفصام أو الاضطراب الوجداني)»، مؤكدا عدم وجود سبب عضوي يكمن خلف هذا الاضطراب وهو الشعور بالاضطهاد ومن صفات أصحاب الضلالات الاضطهاديين غالبا، أنهم عدوانيون، سريعو الغضب، ويلجأون إلى العنف ضد من يعتقدون أنهم يؤذونهم». وزاد «من أسباب الوقوع في القتل عدم الاستشارة قبل الاقدام على الجريمة ولو استشار الشخص لوجد من يوضح له الطريق الصحيح ولا يأخذ قراره بنفسه، كما ان عادات الآباء مثل الثأر والقبيلة والنسب انتقلت إلى فئة الشباب، مع الفارق أن في العادات القديمة إذا كان الشخص في حالة الغضب الشديد من آخر لا يقدم على قتل أخيه المسلم مهما بلغت درجة الخصومة أشدها، ومن هذه العادات الكرم واحترام الكبير وصلة الرحم، كما أن لآفة المخدرات والحشيش أثرها البالغ في زيادة معدل جرائم القتل». واستشهد المتحمي بقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لأن تهدم الكعبة حجرا حجرا أهون عند الله من أن يراق دم امرئ مسلم) مطالبا بإجراء دراسة بحثيه حول أسباب كثرة القتل وحلولها، وأن يبحث في الكثير من حالات القتل على أن تشمل هذه الدراسة الجانب الديني، النفسي، والاجتماعي وغيرها من الجوانب المرتبطة بمن وقعوا بهذه الجرائم. فرض الأنظمة وبين حسين الهملاني (أخصائي نفسي)، أن البعض يتمسك باستخدام السلاح في احتفالاتهم في وقت يرى فيه أولئك أنه يصعب التخلي عنه، وأن تلك الظاهرة تكثر في جنوب المملكة ويتركز ذلك بشكل أكبر في منطقة عسير ومنها رجال ألمع، وقال إن القانون ربما يستطيع فرض أنظمته على المواطن، ولكن يظل التستر والإنكار وجهين آخرين للمخالفة غير المعلنة، والدافع الوحيد والأقوى أن السلاح واستخدامه إرث قبلي يرفع من شأن أبنائه، ومنعه يقلل منهم، وهذا مفهوم خاطئ يحتاج إلى تعديل، من خلال التطرق بشكل أوسع إلى مخاطر استخدام السلاح في الأماكن العامة. ظاهرة قديمة من جانبه، يرى نائب المتحدث الرسمي لشرطة منطقة عسير النقيب محمد الشهراني، أن اقتناء السلاح ظاهرة قديمة منذ الأزل، بل انها عادة وموروث قديم، وقال «يحتفظ عدد كبير من الناس بسلاح او أكثر في منازلهم تماشيا الحياة الاجتماعية كونه من العادات والتقاليد، والبعض يعتبره اثبات رجولة حمله لذلك السلاح، مع العلم انهم يجهلون مخاطر حمل واقتناء الاسلحة وليس لديهم أي وعي لاستخدام تلك الاسلحة، هذا من ناحية منهم دون سن الرشد، وأما الراشدون فتعتبر العوامل المؤثرة كثيرة وتتمثل في ضعف الوازع الديني، دافع الثأر والقبلية وغيرها». وأكد الشهراني دور الامن في القضاء على جرائم القتل، مشيرا إلى جهود أمنية مكثفة في ما يتعلق بالنواحي التوعية بمخاطر تلك الاسلحة، ومن جانب ضبط عملية تراخيص الاسلحة والتأكيد عليها حتى يصبح السلاح الذي بحوزة المواطن نظاميا، مبينا تنفيذ حملات امنية ميدانية مكثفة خاصة في القرى والهجر لمصادرة الاسلحة غير المرخصة، وقال «هذه الحملات الأمنية وهذه الجهود بحاجة لتعاون المجتمع للقضاء على هذه الظاهرة، وعدم التعاون يعد عائقا كبيرا في التغلب على مثل هذه الجرائم». التعامل بحزم من جهته، أوضح الناطق الإعلامي في منطقة عسير المقدم عبدالله آل شعثان، أن الجهات المعنية تدرك تماما حجم تزايد مخاطر استخدام السلاح وإطلاق الأعيرة النارية في الحفلات والمناسبات ليتم في ضوء ذلك منع حمل السلاح خلال مناسبات الأفراح، ويضيف «لم يقتصر المنع على منطقة عسير، بل طال جميع المدن والمحافظات، وذلك بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، والتعميم على جميع قصور الأفراح بعدم السماح باستخدام السلاح»، مضيفا أن وزارة الداخلية جددت منذ وقت قريب تأكيداتها على ضرورة التعامل بحزم مع مخالفي الأنظمة المتعلقة بمنع استخدام الأسلحة النارية خلال المناسبات وحفلات الزواج وذلك في بيان رسمي صادر عن وزارة الداخلية. كما تضاعف الاجهزة الأمنية جهودها في مكافحة تهريب السلاح بكافة اشكاله، ففي جبال الفطيحة بمنطقة عسير، استشهد مؤخرا أحد افراد المجاهدين بعسير فلاح بن جبران (58 عاما)، وفي تفاصيل الحادثة، أن فرقة المجاهدين اشتبهت في مجموعة مهربين سلاح في جبال الفطيحة، وبعد مطاردة مضنية تمت محاصرتهم وطلب منهم القاء السلاح، إلا أن المهربين بادروا بإطلاق النار على القوى الأمنية، فأصيب قائد الدورية بطلق ناري في الرأس، فيما استشهد فلاح في الحال بعد إصابته بثلاث طلقات، وتم بعدها القبض على المهربين في حينه بالتعاون مع «مجاهدين» جازان.