لن تستطيع أن تغالب مشاعر السخط والغضب والاشمئزاز وربما القرف، ومزيجًا آخر لا تعلمه من المشاعر التي تمد غشاوتها على عينيك، وترزح بثقلها على صدرك كلما شاهدت شيئًا من هول الفظاعات والجرائم والبشاعات التي ارتكبها ولا يزال يرتكبها الداعشيون ومن لفَّ لفَّهم في حق من يسوقهم قدرهم البائس للوقوع تحت رحمتهم. وإن كان في هذا التعبير تعارض صارخ مع الواقع؛ إذ إن قلوب هؤلاء بما يقترفونه من هول البشاعات أبعد ما تكون عن الرحمة، حتى أنك لتتساءل متعجبًا عن مصدر كل هذه القسوة والتعطش لمنظر الدم ولاحتزاز الرؤوس وتمزيق الأجساد ونهشها والتمثيل بها. وعلى الرغم من كل ما ذكرته آنفًا، فإنني سأطرح تساؤلاً قد يبدو صادمًا ومستغربًا وربما مستنكرًا لدى بعض القراء: إلى أي مدى يمكننا النظر إلى الداعشيين وسواهم من الجماعات الإرهابية التكفيرية التي ترتكب أفظع الجرائم باسم الدين بوصفهم ضحايا؟ أجل! إنهم ضحايا للفكر التكفيري المتوحش الذي استعمر خلايا أدمغتهم وغذاها، وعشش في قلوبهم فأعماها فصاروا لا يرون العالم إلا بمنظاره، ولا يسمعون إلا نداءه، ولا يتحدثون إلا بلسانه. هؤلاء الذين تقشعر أبداننا من بشاعة ما يقترفونه بدمٍ بارد، وبمتعةٍ لا يستطيعون إخفاءها، لم يولدوا مجرمين وسفاحين وقتلة ينتشون بمرأى الدم المسفوك. هؤلاء كانوا أطفالاً تقطر البراءة من أعينهم مثل كل أطفال العالم. هؤلاء، كما أرى، ليسوا السبب فيما انتهوا إليه وليسوا هم العلة، وإنما هم مجرد عرض لداء أكبر يدبُّ في الخفاء وينفث سمومه في أرواح ضحاياه. ما لم نحارب الداء أولاً ونقطع دابره فلن يكف هؤلاء «الضحايا» عن التكاثر والتوالد والخروج بأسماء جديدة ودائمًا بذات الوجوه المكفهرة والقلوب المتحجرة. لا شك في أن محاربة الحركات التكفيرية الإرهابية أولوية لا بد من النهوض بها والتصدي لها وعدم التهاون فيها، بكل ما يتطلبه ذلك من إعداد استراتيجي وموارد مادية وبشرية مؤهلة، غير أن ذلك كله على الرغم من أهميته وحتميته غير كافٍ، ولن يقضي على المشكلة من جذورها، لأن «التربة الخصبة» و «الحواضن المعدة» لتوليد وتفريخ مزيدٍ من «الوحوش» التي تجتذبها رائحة الدم في حفلات القتل والذبح الهستيرية لا تزال تعمل وبكامل طاقتها تحت جنح العتمة أو التعتيم، والجهل بها أو التجاهل لها. لا بد من عملية تنضيب شاملة ومدروسة لمنابع الإرهاب، حيثما كانت وكيفما كانت. وليس ثمة ريب في أن هذا الأمر ليس من اليسير تحقيقه بين ليلة وضحاها. ستكون عملية الاستئصال لورم الإرهاب الذي لن يكف عن إنتاج خلاياه المسرطنة ما لم يتم التخلص منه، ستكون تلك العملية صعبة ومؤلمة ومتطلبة لكثير من التضحيات والحزم والصبر. ونحن إن لم نفعل ذلك فسنكون في حالة خطر دائمة وتهديد وشيك قد تندلع ناره في أية لحظة من الجماعات والتيارات التكفيرية الإرهابية التي جعلت من الإسلام، لمن لا يعرفه حق المعرفة، مترادفًا مع الكراهية والبشاعة والموت.