تحدثنا في الحصة الأولى من هذا المقال عن أوصاف الشخصية البارانودية. وكيف أنها تصيب مختلف شرائح المجتمع ولا يستثنى من ذلك حتى الشخص المتدين. وتوضيحاً لبعض المتسائلين عن هذه النقطة أقول: إن التدين الصحيح المتنعّم بأعمال القلوب وحسن الظن بالمؤمنين كفيل بعلاج كافة الاضطرابات النفسية، غير أن الذُهان مرتبط بنمط الشخصية والاتجاهات الوالدية، وكذلك تأثير البيئة المحيطة قبل مرحلة الالتزام الديني فتجد الشخص يتدين ولكنه يعاني من نفس الأفكار الشكوكية السابقة، يمارسها ضد بعض أفراد المجتمع ويضفي عليها طابعاً دينياً، فيظل يبحث عن الأخطاء بالمناقيش ويحمّل الكلام ما لا يحتمل، ممتشقاً سيف التصنيف على كل من يخالفه فهذا فاسق وهذا حزبي وهذا علماني وهذا ما شئت من الألقاب التي لا حصر لها، وبعض يصاب بالبارانويا الثانوية التي تأتي بسبب ملازمة شخص ذهاني. البارانويا لها النصيب الأكبر في المشكلات الأسرية، خصوصاً لدى الأزواج قليلي الخبرة بأنماط الاضطراب الذُهاني وأنماط الشخصية. وتتنوع البارانويا بين الأزواج وكل نوع له مشكلاته ومآسيه فهناك (بارانويا الارتياب وبارانويا العظمة والبارانويا السوداوية وبارانويا الغيرة). ومعظم المشكلات تتمحور حول النوع الأول. ومن أعجب المواقف في هذا الشأن أن أحد الأطباء النفسيين جاءته الشرطة بشخص قد ضرب زوجته ضرباً مبرحاً حتى كاد يهلكها. وعندما سأله الطبيب عن السبب اتضح أنه يشك بخيانة زوجته. فقال له الطبيب «ما دليلك على الخيانة» أخرج المريض شريط كاسيت من جيبه وقال «هذا هو الدليل» وناوله الطبيب الذي وضعه في جهاز المسجل. فوجئ الطبيب أن الشريط صامت ولا يحتوي على أي صوت فقال «هذا الشريط فاضي» قال المريض «نعم وهذا الصمت أكبر دليل لأنها اكتشفت أن هناك مسجلا تحت السرير فصمتت». صاحب البارانويا شخص بحاجة للمساعدة، ولا يطلب العلاج من تلقاء نفسه، لأنه لا يعتقد بوجود مشكلة لديه، ويعادي كل من يشكك في هذاءاته، وتعظم مشكلته كلما كان في موقع قيادي يُمكّنه من تطبيق أفكاره، ومن هنا نوصي بتحليل نمط الشخصية لكل متقدم لوظيفة قيادية.