1.2 مليون طالب وطالبة فقط يستفيدون من المقاصف.. فماذا عن البقية؟. عقود التشغيل تسمح بتعاقدات من الباطن.. وإحصائيات الجزاءات غائبة. تشغيل المقاصف يستلزم حداً أدنى للعمالة يناهز ال 66 ألفاً.. والمتاح لا يغطي 15% هل يجوز تشغيل الطلاب والطالبات في المقاصف مقابل 10 ريالات يومياً؟ قيود لائحة المقاصف «المثالية» تناقضت مع الإمكانيات اللوجستية دون مبررات. مسافة شاسعة تفصل بين الأنظمة وتطبيقاتها في الواقع، لم تستطع لائحة المقاصف المدرسية أن تتجاوزها. فبين النصوص الطموحة التي تضمنتها اللائحة وتطبيقها فارق كبير، بخاصة على صعيد كفاءة الأغذية المقدمة للأطفال في المدارس، بخاصة من حيث مدى غناها بالعناصر المطلوبة، ومدى ملاءمتها متطلبات الأطفال. ومؤخراً فازت شركة الخليج للتموين، مجدداً، بعقد تشغيل المقاصف بنحو 33 ألف مدرسة تابعة لوزارة التربية والتعليم، وذلك بعد أن طرحت الوزارة ممثلة في شركة تطوير التعليم القابضة، مناقصة التعهد بتشغيلها على عديد من الشركات الوطنية للمنافسة. لكن مراجعة هادئة لنصوص اللوائح ومقارنتها بالواقع، أثارت تساؤلات لم نجد لها إجابة في المتاح من التصريحات والمعلومات، وما أقلها! وكانت الوزارة قد كشفت عن نيتها تأسيس شركة نموذجية للتغذية المدرسية قيل إنها ستبدأ مع العام الدراسي الجديد، لكن تجديد العقد مع الشركة ذاتها التي تتولى المقاصف منذ ثلاث سنوات، يفتح الباب للتكهنات باحتمال تأخر تنفيذ هذا المشروع الطموح من خلال شركة نموذجية، التي ينتظر أن يشرف عليها مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم «تطوير» من خلال شركة تطوير التعليم القابضة. وألمحت «تطوير القابضة» إلى توفر المواصفات الغذائية المطلوبة لدى «الخليج للتموين»، فضلاً عن التزامها بالكميات المتوقعة، والقدرة على التوزيع الجغرافي، وحصولها على شهادات الجودة، إضافة إلى عدد من المعايير كالخبرة في مجال التموين والإعاشة، ووجود مخازن ومطابخ ومعدات وأسطول نقل وأيد عاملة لديها تكفي للتوزيع على المدارس. ووفقا للتعاقد الذي تم بين الوزارة وشركة تطوير القابضة، تتولى الأخيرة إدارة عقود تشغيل المقاصف المدرسية لمدة عامين قادمين، ينتظر تجديدها انطلاقاً من المؤشرات التي دلت على عزم الوزارة على إنشاء شركة نموذجية للتغذية بإشراف من «تطوير القابضة». في غضون ذلك، يشهد الوسط التعليمي حوارات متزايدة حول جدوى الوجبات التي قيل إنها مناسبة للمواصفات المنصوص عليها في العقود. وأهمها السماح بالاستعانة بالطلاب والطالبات للبيع في المقاصف مقابل مكافأة لا تقل عن عشرة ريالات يومية مع وجبة مجانية بالاتفاق مع إدارة المدرسة. ولعل هذا الشرط من الشروط التي تثير التساؤلات حول جواز تشغيل الطلاب والطالبات في البيع لصالح شركة خاصة، يفترض أنها توفر العمالة الكافية بواقع بائع أو بائعة (من المواطنين) لكل 150 طالبا أو طالبة. ولم تحدد شروط تشغيل المقاصف الآلية التي تتبعها إدارة التربية والتعليم، باعتبارها الطرف الأول، لمباشرة البيع في المقاصف حال غياب عاملي الطرف الثاني، أو الشركة المشغلة، فهل تملك الإدارة عاملين للقيام بهذه المهمة، أم ستستعين بالطلاب أو الطالبات؟ وهل يجري ذلك بمعرفة من أولياء الأمور أم تكفي موافقة مدير أو مديرة المدرسة لتحقيق هذه الاستعانة بالطلبة؟ وثمة مداولات يتناقلها الآباء والأمهات عن أبنائهم وبناتهم في المدارس حول مبررات بيع أغذية تحظرها لائحة المقاصف المدرسية من مشروبات غازية وعصائر سكرية وعبوات بطاطس شيبسي بأنواعها، وهو أمر أكدته مصادر مطلعة في عديد من اللقاءات الإعلامية، بما يرقى إلى مستوى اليقين، في الوقت الذي تدل المؤشرات الصحية على خطورة تلك الأغذية على صحة الأطفال، حيث ترتفع معدلات الإصابة بالسكري والسمنة بين الأطفال عاماً بعد عام. ولعل من الأمور المثيرة للجدل، أن الشركة المتعهدة بتموين المقاصف المدرسية، لم تفصح إلى الآن عن حجم عملياتها. وبحسبة بسيطة، إذا كانت الشركة يعمل فيها 10 آلاف موظف، فكم ستخصص من موظفيها لخدمة 33 ألف مدرسة، حيث إنها في هذه الحالة تحتاج ما بين 33 ألفاً إلى 66 ألف موظف لتولي أعمالها في المدارس الحكومية وحدها، ناهيك عما يجب أن توفره من عمالة للنظافة في المقاصف، إضافة إلى ما لها من ارتباطات في مصالح ووزارات أخرى، وهو ما لم توضحه الشركة ولا وزارة التربية والتعليم لدى ترسية عقد تشغيل المقاصف عليها. وهل تطبق الشركة فعلا شرط تعيين مشرف منسق للمشروع (مندوب) مؤهل للأعمال سعودي الجنسية ولا يقل مؤهله عن الثانوية العامة في كل مدرسة، وهل هذا المشرف يكون موجودا فعلاً؟ وهذا في حد ذاته يعني توفير 33 ألف مشرف على المقاصف في مدارس المملكة الحالية والمستقبلية! علماً أن نقص العمالة يستلزم بموجب لائحة الجزاءات المتعلقة بتشغيل المقاصف «حسم 50 ريالا يومياً عن كل عامل ناقص حتى يتم استيفاء المطلوب». فضلاً عن «حسم مبلغ 100 ريال عن كل يوم غياب لمنسق المشروع (المندوب)». وربما وجدت الشركة مخرجاً لهذا العجز المبدئي في العمالة من خلال ما تضمنته شروط تشغيل المقاصف المدرسية بشأن التعاقد من الباطن، حيث أتاحت للشركة التعاقد من الباطن لتنفيذ جزء من الأعمال الموكلة إليها شريطة الحصول على موافقة خطية مسبقة من الطرف الأول (إدارات التعليم) على أن لا يعفيها ذلك من المساءلة حال وقوع أي مخالفات. كما أتاحت الشروط تنازل الشركة عن العقد أو أجزاء منه شريطة الحصول على موافقة خطية مسبقة من الطرف الأول. وهو ما يخشى أن ينتج عنه خلل في الأداء، ما يجعل الكرة في ملعب إدارات التربية والتعليم التي تعد إحدى الجهات الإشرافية على المقاصف، التي تتحمل مسؤولية أخلاقية قبل المسؤولية القانونية تجاه جودة الأداء، فضلاً عن مجالس المقاصف في كل مدرسة والمناط بها مراقبة العمل اليومي بالمقاصف ورفع تقارير عنه لإدارات التعليم. وتقول «الخليج للتموين» في موقعها على الإنترنت أن خدماتها يستفيد منها مليون و200 ألف طالب وطالبة، ولم يعرف إن كانت هذه الإحصائية قديمة أم لا، حيث يقترب عدد طلاب وطالبات المملكة في مدارس التعليم العام من الخمسة ملايين، ما يعني أن الشركة تغطي بخدماتها ربع العدد الحالي من الطلاب والطالبات. إلا أن تكون هذه الإحصائيات قديمة، لكن موقع الشركة يفترض أن يقدم أحدث الإحصائيات للراغبين في الاطلاع على خدمات الشركة من باب الشفافية والإفصاح التي تعد من أهم الممارسات المنشودة في العمل العام. وإذا كانت مصانع الشركة تتركز في الرياضوجدةوالدمام التي أقيمت على مساحة 59 ألف متر مربع، فهل سيفي ذلك بشرط وصول الشطائر والفطائر طازجة في يوم إنتاجها إلى الطلاب والطالبات، باعتباره الشرط الأول الذي نصت عليه لائحة المقاصف المدرسية فيما يتعلق بالمأكولات المقدمة؟ ولعل الإجابة عن هذا السؤال تكشف عن مدى استعداد الشركة لتنفيذ هذا الشرط، أو تدعو إلى إعادة صياغة هذا الشرط في اللائحة، التي نصت على أنه «لا يجوز بيع الأطعمة البائتة (الشطائر والفطائر والعصائر الطازجة الطبيعية 100 %) ويتم التخلص منها يومياً». وتشير الشركة إلى أنها تمتلك 800 مركبة، منها 300 شاحنة مبردة، فضلاً عن مخازن ضخمة صممت وفق أحدث النظم التقنية المتبعة في هذا المجال، مع مواكبة التطوير المستمر لتحقيق أعلى معدلات الكفاءة سواء فيما يختص بسرعة دوران الأصناف أو الحفاظ على مستويات السلامة خلال عمليات حفظ وتخزين المواد الأولية. ولم يعرف من أي مصدر كم تبلغ قيمة عقود التشغيل الموقعة بين المتعهد والمدارس، ولا عدد المدارس الموقعة على تلك العقود، وربما كانت هذه مهمة الوزارة التي لم تتحها على أية حال حتى الآن. كما لم تتح الوزارة من خلال وحدات الصحة المدرسية وإدارات المقاصف إحصائيات تفيد بمدى الالتزام بالاشتراطات الصحية فيما يقدم من أغذية للطلاب والطالبات عبر المقاصف، وما إذا كانت هناك مخالفات بشأنها وما يرتبط بتلك المخالفات (إن وجدت) من عقوبات وفق اللوائح المعمول بها. وهل تم فسخ عقود بسبب مخالفات؟.