بحث القادة الأوروبيون خلال القمة الأوروبية في بروكسل في وقت متأخر أمس والمخصصة لانعاش النمو الاقتصادي خطة لاستثمار 300 مليار يورو وعدت بها المفوضية الأوروبية، لكنهم ناقشوا كذلك ميزانيتي إيطالياوفرنسا اللتين لم تلتزما بالمعايير الأوروبية. وفي موازاة ذلك يتوقع أن يشن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون هجوما على بروكسل التي تطالب لندن بزيادة هائلة بقيمة 2,1 مليار يورو لمساهمتها إلى ميزانية الاتحاد الأوروبي لسنة 2014. وقبل بضعة أيام من احتمال صدور قرار المفوضية الأوروبية بشأن الميزانيتين الفرنسية والإيطالية، يحتدم الجدل حول المرونة وتطبيق الأنظمة المتعلقة بالمالية العامة. وقد أعاد رئيس الحكومة الإيطالية ماتيو رنزي المعروف باندفاعه أمس الأول إثارة الجدال بنشره رسالة تشير فيها المفوضية الأوروبية إلى "انحراف كبير" في مشروع الموازنة الإيطالية، ويطالب باقتراح حلول قبل الجمعة. وقد تطلب المفوضية من دول عدة في منطقة اليورو إعادة النظر في مشروع موازنتها إن لاحظت شوائب خطيرة لجهة الإصلاحات أو أهداف الميزانية، وسيكون ذلك بمثابة سابقة لن تتقبلها فرنساوإيطاليا ثاني وثالث اقتصاد في منطقة اليورو. وقال رنزي العازم على "فتح نقاش سياسي حول من يقرر ماذا" في شأن الميزانية، "أن الميزانية الإيطالية لا تطرح مشاكل"، وينص مشروع الموازنة الايطالية على عجز دون عتبة 3% خلافا لفرنسا، لكن الجهد البنيوي (بمعزل عن الظرف) غير كاف بحسب المعايير الاوروبية وارتفاع الدين العام بنسبة تزيد عن 130% من إجمالي الناتج الداخلي أمر مثير للقلق. كذلك جاءت اللهجة حازمة أيضا من الجانب الفرنسي، فمع ميزانية تتضمن توفير 21 مليارا "لن نذهب أبعد" كما قال الرئيس فرنسوا هولاند، مؤكدا "يجب البحث عن وسائل أخرى لبلوغ الأهداف التي هي (أهداف) العجز البنيوي"، واعدا في الوقت نفسه باحترام القواعد الأوروبية "لكن بمرونة قصوى". وتتضمن الميزانية الفرنسية عجزا بنسبة 4,3% من إجمالي الناتج الداخلي في 2015، أي أكثر بكثير من 3% التي التزمت بها باريس. ولفت الرئيس الفرنسي إلى أنه "حساب معقد"، رافضا نشر الرسالة "العادية جدا" التي تلقاها هو أيضا من المفوضية الأوروبية، وفضلا عن فرنساوإيطاليا تلقت ثلاث دول أخرى من منطقة اليورو رسائل من بروكسل وهي النمسا وسلوفينا ومالطا. وبالرغم من تمسك البلدين بمواقفهما الحازمة فقد جرت مشاورات في الكواليس لتقريب وجهات النظر مع المفوضية ضامنة المعاهدات ولتفادي سيناريو مذل للبلدين، وقد يصدر القرار الأربعاء المقبل. لكن البلدان الصغيرة التي اضطرت للقيام بجهود مضنية لتصحيح ميزانياتها تخشى من أن تحظى روماوباريس بمعاملة متميزة، وقال رئيس الوزراء الاستوني تافي روافاس الجمعة "أن التقشف والاستثمارات يسيران معا، واستونيا هي خير مثال على ذلك". وإضافة إلى النقاش حول قواعد الميزانية سيأخذ الأوروبيون علما بتدهور الوضع الاقتصادي والبحث عن وسائل لإعادة إطلاق الاستثمار، أولويتهم المعلنة مع مكافحة البطالة. ويعول الجميع على خطة ال300 مليار يورو على مدى ثلاث سنوات التي وعد بها جان كلود يونكر الذي يتولى رئاسة السلطة التنفيذية الأوروبية مطلع نوفمبر المقبل، والفكرة تكمن في تسريع الخطى بعد خطة نمو بقيمة 120 مليار يورو في 2012 التي سرعان ما أبدت محدوديتها، وتعهد يونكر بتقديم خطته قبل عيد الميلاد، ولتسريع الأعمال تعمل باريس وبرلين من جهتهما على مقترحات مشتركة. والمشكلة تبقى مصدر الأموال وتوزيع الجهد بين القطاعين العام والخاص، وبالرغم من الدعوات العديدة ترفض المانيا "التوقيع على شيكات" لتحفيز النشاط وجعل جيرانها الأوروبيين يستفيدون من ذلك بطريقة غير مباشرة، وبالنسبة لبرلين فان مفتاح تعافي منطقة اليورو يمر قبل كل شيء بتصحيح المالية العامة والقيام باصلاحات.