في كل سنة تأتي أغانٍ وطنية جديدة ويأتي فنانون ليتغنوا بالوطن، لكن يأبى الخلود إلا أن يمنح نفسه لعدد محدود من الأغاني التي حجزت مكانها في وجدان الناس منذ عقود طويلة. أغانٍ اكتملت فيها عناصر الإبداع؛ لحناً وآداء وكلمات، وتألقت فيها الروح الوطنية الصادقة التي عبر عنها مطرب متمكن بآدائه وقدراته. وأول هذه الأغاني وأهمها على الإطلاق رائعة الراحل طلال مداح "وطني الحبيب" التي ما زالت تتردد على ألسن السعوديين منذ أكثر من خمسين سنة حتى اليوم،؛ ببساطة لحنها وعفوية الآداء الطلالي الخلاب، وروعة كلماتها الصادقة التي تغزلت بالوطن كما لم يتغزل به شاعر من قبل، ومما جاء فيها: روحي وما ملكت يداي فداه وطني الحبيب وهل أحب سواه وطني الذي قد عشت تحت سمائه وهو الذي قد عشت فوق ثراه ثم تأتي أغنية "فوق هام السحب" بعنفوانها وروحها الوثابة التي تغرس في النفس شعوراً بالفخر والاعتزاز بتراب الوطن وبأبنائه، كتب كلماتها الأمير بدر بن عبدالمحسن ليختصر معنى الوطن بكلمات كثيفة المعنى دقيقة التصوير ومعبرة عن شخصية المواطن السعودي ورؤيته لوطنه، وقد لحنها وتغنى بها محمد عبده بآداء لا يقل عنفواناً عن الكلمات، مردداً بصوته الساحر: من على الرمضا مشى حافي القدم يستاهلك ومن سقى غرسك عرق دمع ودم يستاهلك ومن رعى صحرا الضما ابل وغنم يستاهلك.. يستاهلك.. يستاهلك حنا هلك يا دارنا برد وهجير حنا هلك يا دارنا وخيرك كثير من دعا لله وبشرعه حكم يستاهلك ومن رفع راسك على كل الأمم يستاهلك ومن ثنا بالسيف دونك والكرم يستاهلك.. يستاهلك.. يستاهلك نستاهلك يا دارنا حنا هلك انتي سواد عيوننا شعب وملك أما الموسيقار سراج عمر فلا تزال رائعته "بلادي بلادي منار الهدى" راسخة في الوجدان، حاضرة في كل الاحتفالات الوطنية، منذ أن قدمها نهاية السبعينيات الميلادية وحتى اليوم، بكلمات فصيحة كتبها اللبناني سعيد فياض ليعبر من خلالها عن مدى عشقه لهذا الوطن الذي عاش فيه لأكثر من عشرين سنة. وقال فيها: بلادي بلادي منار الهدى ومهد البطولةِ عبر المدى عليها ومنها السلام ابتدا وفيها تألق فجر الندى حياتي لمجدِ بلادي فدِا بلادي بلاد الإباء والشمم ومغنى المروءةِ منذ القدم وقد كان للراحل الكبير سلامة العبدالله وقفات وطنية مشهودة وخالدة قدمها في عدة مناسبات وطنية ولا تزال حاضرة بقوة في المشهد الغنائي، وأكثرها شهرة أغنيته: مضينا بعزم يفلّ الحديد نقيم البناء لصبح جديد أردنا لك الخير يا موطني بعزم أكيد ورأي سديد عليك من الله عين ترى وفيك نعيم لكل الورى وليس غريباً أيا موطني تحول تبراً بساط الثرى وفيك أمان عظيم الأثر حظينا به عن جميع البشر ونهضتك اليوم يا موطني لها القلب يزهو بشتى الصور إذا غبتُ عنك وطال المقام فأنت لقلبي ونفسي قريب بك المجد يزهو وتاريخنا سجل مضيء كشمس النهار ولا تقل هذه الأغنية جمالاً ولا خلوداً ولا تأثيراً عن رائعة الفنان أبوبكر سالم بلفقيه "يا بلادي واصلي" التي ظهرت بداية الثمانينات الميلادية بأسلوب طربي مختلف. ذهب فيها الفنان الكبير إلى مستويات عُليا من التطريب النغمي المعروف عنه، مقدماً أغنية وطنية بمعنى نبيل وبأسلوب طربي فائق الجمال. مردداً: يا بلادي واصلي والله معاك واصلي واحنا وراك واصلي والله يحميك إله العالمين قوة الإيمان بالإيمان والعزم المتين.. يا بلادي يرتقي الإنسان عن إيمان في دنيا ودين.. يا بلادي يا بلادي ألف يهنالك وشعبك لك أمين رايتك تحمل شعارك.. يا بلادي هي في الدنيا منارك.. يا بلادي واصلي والله يحميك إله العالمين وفي هذه الأثناء وأنت تقرأ هذه الكلمات ستستمع حتماً هذه الأغاني القديمة المتجددة في الإذاعات والقنوات الفضائية، دليلاً على بقائها خالدة في وجدان الناس وعدم تأثرها بعامل الزمن، بل على العكس زادها مرور الزمن لمعاناً وتألقاً كذهب لا يصدأ ولا تتغير قيمته. طلال مداح محمد عبده أبو بكر سالم سراج عمر