لا يُعرف من كان على خطأ الحكومة الجزائرية أم جبهة الإنقاذ التي فازت في الانتخابات التشريعية بشكل كاسح عام 1991م، وهي حركة سلفية كان مشروعها لا يختلف في بعض طروحاته عن القاعدة، أو طالبان في وضع تشريعات صعبة ومعقدة، لبلد عاشت نخبته على ثقافة الاستعمار الفرنسي، وكان خطأ الحكومة أنها اعترفت بهذا التنظيم والذي شكّل أحزابه وجماعاته من العناصر المهمشة والتي رفضت «فرنسة» الجزائر، ولكن داخل طروحاتهم ما جذب العديد من الشباب لأن الفساد والظروف الاقتصادية الصعبة ثم تأتي أزمة الهوية الوطنية كانت أحد أهم مشكلات الصدام بين الجبهة والحكومة والتي كان مستوى سيطرتها على الحكم ضعيفاً للأسباب المذكورة، والدين مغرٍ كبير في حال وجود فراغ سياسي، وعدم وجود تعددية سياسية تفتح المجال لكل العناصر بحيث يتم فرز الهوية الوطنية هل هي «فرانكفونية» أم عربية إسلامية؟ ولأن الجيش هو القوة الأكبر فقد حسم إلى حد ما السيطرة على المقاومة الإسلامية ولكن بعد استنزاف الطرفين بعضهما بعضاً تم طرح مشروع المصالحة الوطنية بعد أن شهدت الجزائر ما يشبه الحرب الأهلية.. حركة الإخوان المسلمين في مصر والتي تجاوز عمرها الثمانين عاماً، هي الأب الروحي لمعظم التنظيمات العربية الإسلامية، بل وربما تأثر بها متشددو أفغانستانوباكستان، ميزها أنها حركة دولية ركزت على بناء منظومة عمل كونية، لكنها في مصر استطاعت استقطاب العديد من الشباب والوصول إلى المجتمعات الفقيرة بإنشاء جمعيات خيرية، ومستوصفات ومساعدة المحتاجين، وتعليم أبنائهم من خلال شبكة اقتصادية هائلة يأتيها الدعم من الموارد الذاتية، أو المساعدات الخارجية، ولأنها ظلت تبشر بالحاكمية الإسلامية ودولتها فقد استطاعت أن تكون الحزب الوحيد في الفراغ السياسي الذي أحدثته الأنظمة السابقة، ومع الثورة الأخيرة حاول مرسي تبديل جميع أنظمة الدولة التشريعية والتنفيذية، وأتاح له وجود فراغ سياسي أن يضع مشروع دولته ولكنها ذات بُعد واحد أي تسليم كل شيء لجماعة الإخوان وتهميش الآخرين، وأمام أزمة مالية وطروحات متفائلة من قبل الثوار بإنشاء دولة ديمقراطية تتسع للجميع، ثم البدء في نشر أهداف الإخوان ودعوتهم واتجاههم للخارج قبل الداخل، وجد الجيش أنه لابد من التدخل سريعاً قبل أن يتم حله أسوة بما جرى في العراق، وهنا انتهى السيناريو إلى نهاية حكم لم يعمر لأكثر من عام.. دور الجيوش العربية لم يكن نظيفاً زمن الانقلابات وسلسلتها الطويلة التي أنتجت في النهاية نظماً راديكالية إسلامية؛ لأنها في الأصل عاشت على أسماء أحزاب قومية واشتراكية أعطت الوعود البراقة، ولكنها فشلت عسكرياً في العديد من هزائمها، وفشلت أيضاً أن تبني أنظمة ديمقراطية تحت مظلتها، لكن مأساة حل الجيش العراقي نبه الأخرى ألا يعاد نفس التطبيق على مصر، وهنا جاءت المبادرة في إغلاق باب المؤامرة الكبرى التي أعدتها أمريكا ومعها قوى دولية وعربية.. لا ندري هل تجربة حماية الوطن في ظل الجيوش العربية استنساخ لما جرى في باكستان وتركيا، وأن مراحل الهيمنة على الدولة أفرزت نظماً ديمقراطية، بحيث نرى إطلالات جديدة تؤكد وطنية الجيش وتعاطيه مع المستجدات الجديدة بأن يكون البديل الموضوعي لانتقال آخر لتأسيس نظم تساعد على خلق دساتير وأحزاب وتشريعات تؤكد مرحلة الدولة الحديثة وفق حماية من الجيش ولكن بنظام مدني حر؟