لا أحد ينسى تلك الفترة التي كان فيها قرار: منع امتلاك جهاز جوال مزود بكاميرا!، ربما كان القرار حينها صائبا لحد ما نظراً لما واكب ظهور هذا المنتج الجديد وقائع جنائية دخيلة على المجتمع المحافظ.. تطورت الحال وارتفع الوعي المجتمعي وزال المنع وشاعت الممارسات الايجابية لذلك المنتج والذي استخدم لتوثيق اللحظات السعيدة من ضحكة وابتسامة واجتماع.. إلى صنع وجبة لذيذة والتفاخر بها.. حتى ظهرت لنا من فرط الاستخدام العالمي لذلك المنتج برامج عالمية عدة توثق اللحظات السعيدة مثل: انستقرام الذي امتلأ بصور الطعام - عفوا اقصد توثيق الاجتماعات العائلية وصور الأطفال.. وظهر مع البرنامج مقولة: خذوا أسرارهم من انستقرامهم. الجميل في هذه الكاميرا التي تصور أحداثا واقعية أنها في الغالب تصور الأجمل والأحلى والأفضل والأكمل وذلك لأن أصحابها يعرفون بوجودها ويرغبون بتوثيق كل ما هو جميل لتعكس صورة جمالية عنهم لمن سيراها الآن أو مستقبلاً. فتراهم مستعدين لإبراز لوحة جمالية في غاية الروعة والأناقة. ماذا لو قمنا بتركيب كاميرا واقعية تبث مباشرة ما يدور في حياتنا في الأماكن العامة؟! ويكون هناك إشهار عام بأن الأماكن العامة بها كاميرات توثق صيرورة الحياة الروتينية للمجتمع ونبدأ نحلل تلك السلوكيات التي تحدث على طبيعتها .. على سبيل المثال: في الطوابير والمتنزهات العامة والمستشفيات والمدارس وبيئات العمل وكل مكان به تجمع بشري عفوي. يا ترى ماذا ستظهر لنا نتيجة تحليل الصور والمقاطع هل سترجح الكفة للسلوكيات الإيجابية أم السلبية؟ هل سيثمر الإعلان عن وجود الكاميرات لضبط بعض السلوكيات من بعض الأشخاص أم أن الطبع سيغلب التطبع وستستمر طبائع بعض بني البشر في النمو والازدهار؟! أنا على قناعة تامة بأن المجتمع لا يحتاج لكاميرات لتهذب بعض سلوكيات بعض البشر وأن لدينا العديد من أدوات العيش بتحضر ولسنا في حاجة (لمراقب خارجي) لضبط السلوكيات والممارسات العفوية، ولكن أنا هنا أطلق مبادرة خيالية لتخيل كاميرا افتراضية ترافقك في الأماكن العامة وأنت المسؤول عنها في الحفظ والتخزين والمسح فتعيش حياتك داخل كاميرتك الافتراضية التي تضبط سلوكك ليتوافق مع النسق الحضاري لمجتمعك والذي فيه مساحة كبيرة لممارسة الحرية الشخصية داخل إطار المباح بدون الإضرار بأفراد أو ممتلكات عامة وخاصة أو خدش للذوق العام ، وبمرور الوقت سيتاح لك استخدام كاميرتك الافتراضية (المراقب الداخلي) تلقائيا وبشكل عفوي وسيتبرمج سلوكك الخارجي وممارساتك اليومية وتعيش بتحضر ورقي مستمر أنت ومن يعيش معك في مجتمعك. فقط اضغط زر تشغيل الكاميرا رجاءً في الأماكن العامة!!