أصبحت حياتنا اليوم أكثر سهولة ومرونة من ذي قبل؛ نتيجة انتشار وسائل التقنية الحديثة بشتى أنواعها، كما أنَّها أدَّت إلى زيادة التواصل بين العديد من أفراد المجتمع، وباتت تلك الوسائل الأداة التي يفعل بها الناس كل شيء.. فبها يتحدثون، ويُشاهدون، وبها يُفكِّرون، وبها يضحكون، وربما يحبون أو يكرهون، وغدت تلك الوسائل -بمرور الوقت- مجموعة سلوكيَّات تسكن جسد وفكر العديد من أفراد المجتمع. ورغم أهميتها الكبيرة، ومُساهمتها الواضحة في منحنا الرفاهيَّة والرقيّ الحضاريّ، إلاَّ أنَّ العديد من أفراد المجتمع أصبحوا اليوم وسائل إعلام مُتنقِّلة، فهناك من يلتقط الصور ومقاطع الفيديو لتوثيق بعض الأحداث اليوميَّة، أو تسجيل بعض المُمارسات السلبيَّة التي قد تصدر من الغير بشكل عفويّ، وبثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليراها الجميع، إلى جانب وجود من يكتب بعض المعلومات المُتعلِّقة ببعض أفراد المجتمع، ويجتهد في نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بل إنَّ في وسائل التواصل الاجتماعي من الشائعات والمعلومات المغلوطة ما الله به عليم، والمُشكلة الحقيقيَّة أنَّ ذلك يحدث من البعض دون أن يكون هناك قوانين وعقوبات رادعة لهؤلاء الذين يحاولون إثارة الخلافات والمشكلات. وأكَّد عدد من المختصين على أنَّ نظام الجرائم المعلوماتيَّة لم يُطبَّق بالشكل الذي يردع من يخترقون خصوصيَّات الغير، مُستعينين في ذلك بوسائل التقنية الحديثة، مُشدِّدين على ضرورة وجود تعاون بين الأسرة وكافَّة مؤسسات المجتمع على الأصعدة التعليمية والدينية والإعلامية فيما يتعلَّق بزيادة الوعي بكيفيَّة الاستخدام الأمثل لهذه الوسائل، ونشر ثقافة الحقوق، إلى جانب غرس مبدأ الرقابة الذاتية في نفوس النشء، مشيرين إلى أنَّ هناك حاجةً لوجود محاكم مُتخصِّصة في الجرائم المعلوماتيَّة؛ لكبح جماح من يتجاوزون على الآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من المواقع الأخرى. ثورة كبيرة وقال «د.زامل بن عباس أبو زنادة» -عضو مجلس الشورى السابق في لجنة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات- :»يتبنى العديد من أفراد المجتمع بعض الأفكار ويهتمون بها ويساهمون في الترويج لها إلى أن تنتشر بين معظم أفراد المجتمع لتصبح أشبه ما تكون بالظاهرة»، مُضيفاً أنَّ هناك من أفراد من المجتمع من يبقى على الحياد في ذلك، مُوضحاً أنَّهم عادةً ما يميلون إلى عدم التأثر بأيَّة فكرة مهما كانت جديدة، ومهما كان التأثير الإيجابي لها، مُبيِّناً أنَّ الجديد من وسائل التقنية الحديثة يعمل على تغييب القديم ومحو أثره، مُستشهداً في هذا الشأن بجهاز «الفيديو» الذي أحدث ثورةً كبيرةً عند ظهوره أوَّل مرَّة بين أوساط المجتمع، لافتاً إلى أنَّ ذلك يؤكِّد على أنَّ ما يُظهره البعض اليوم من حماسة عند تعاملهم مع هذه الأجهزة سيهدأ يوماً ما. يلتقطون صوراً تنتهك الخصوصية وينشرون الشائعات ويبحثون عن «السبق الأصفر» لإثارة الرأي العام وأضاف إنَّ للتقنية وجهين أحدهما إيجابي والآخر سلبي، مُوضحاً أنَّ من الأمور الايجابية مساهمتها في زيادة التواصل الاجتماعي بين العديد من أفراد المجتمع، مُشيراً إلى أنَّ ذلك أدَّى إلى انتشار الأجهزة الحديثة بشكل لافت حتى أنَّها باتت في متناول أيدي الأطفال، لافتاً إلى أنَّ ذلك نتج عنه تطاول البعض على خصوصيَّات غيرهم، مُبيِّناً أنَّ ذلك يتطلَّب تعاوناً كبيراً بين الأسرة وكافَّة مؤسسات المجتمع على الأصعدة التعليمية والدينية والإعلامية فيما يتعلَّق بزيادة الوعي بكيفيَّة الاستخدام الأمثل لهذه الوسائل، ونشر ثقافة الحقوق، إلى جانب غرس مبدأ الرقابة الذاتية في نفوس النشء، مؤكَّداً على أنَّ هناك حاجَّة لوجود محاكم مُتخصِّصة في الجرائم المعلوماتيَّة؛ لكبح جماح من يتجاوزون على الآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي. عقوبات صارمة وبيَّن «د.سعود كاتب» -متخصِّص في مهارات الاتصال وتكنولوجيا الإعلام بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة- أنَّ نظام الجرائم المعلوماتيَّة موجود، ويشمل جميع الثغرات التي تمنع التجاوزات، بيد أنَّ المشكلة تكمن في عدم تطبيقه، مُضيفاً أنَّ أنظمة الجرائم المعلوماتيَّة، والنشر الإلكتروني حدّدت المخالفات التي يُعاقِب عليها القانون، مُوضحاً أنَّ هناك عقوبات صارمة كثيرة فيما يتعلَّق بالاعتداء على الحقوق، مُشيراً إلى أنَّ الأهم هنا هو نشر ثقافة الحقوق، إلى جانب عدم وجود من يحاول مضايقة الآخرين باستخدام وسائل التقنية الحديثة، أو يتعدَّى على خصوصيَّاتهم، أو ينال من سمعتهم وعائلاتهم، داعياً من يتعرَّض لأيَّ نوع من المُضايقات إلى أن يتقدم بشكوى إلى الجهات المعنيَّة للحصول على حقوقه كاملةً. وشدَّد على ضرورة أن يكون للجهات المعنيَّة دورٌ في التأكيد على الحقوق، إلى جانب مساعدة من يطالبون بحقوقهم في الحصول عليها، وذلك بتسهيل الإجراءات عليهم، مُضيفاً أنَّ العديد مِمَّن يتقدمون بشكاوى للحصول على حقوقهم ينتظرون فترة زمنية طويلة قد تصل إلى ستة أشهر حتَّى يحصلوا على الرد، مُوضحاً أنَّ تَجرُّؤ العديد من أفراد المجتمع على التقاط الصور ومقاطع الفيديو للحوادث المروريَّة وغيرها من المواقف اليوميَّة التي قد تحدث داخل بعض مؤسسات المجتمع، يعود إلى انتشار الوسيلة نفسها، إذ أصبحت الأجهزة الالكترونيَّة مُتاحة للجميع، داعياً الجهات التعليميَّة إلى نشر ثقافة مراعاة حقوق الغير، لافتاً إلى ضرورة أن تعمل الأُسر على توعية أبنائها بمفهوم الخطأ والصواب وتعميق ثقافة احترام خصوصيَّات الآخرين. خصوصيَّات الآخرين وأوضح «د.صالح العقيل» -مُتخصِّص في علم الاجتماع- أنَّ وسائل التقنية الحديثة تُعدُّ من الأمور المُستجدة على المجتمع؛ لذا فإنَّه من الطبيعي أن تكون مُخرجاتها عند البعض الهوس والاندفاع خلفها دون مراعاة للآثار السلبية والإيجابيَّة الناتجة عنها، مُضيفاً أنَّ ذلك أدَّى إلى أن يتعامل معها العديد من أفراد المجتمع باعتبارها شيئاً جديداً، إلى جانب محاولتهم استكشاف ما فيها من جديد عبر تسجيل العديد من المواقف اليومية التي يمرون بها أو يمر بها غيرهم، مُشيراً إلى أنَّ هناك من يحمل تلك الأجهزة بشكل شخصي دون معرفة ما فيه من إمكانات تقنيَّة يمكن الإفادة منها، لافتاً إلى أنَّهم عندما يريدون اكتشاف وتعلُّم أشياء أخرى جديدة؛ فإنَّهم يعمدون إلى ذلك عبر تسجيل مواقف متنوَّعة من الحياة اليوميَّة، مُشيراً إلى أنَّ بعض أفراد المُجتمع لا يزالون يعيشون في دائرة اللاوعي، مُبيَّناً أنَّ الحاجة تدعو إلى وجود قدر أكبر من الوعي لدى كافة أفراد المجتمع؛ وذلك لمعرفة ما يترتب على استخدام هذه الوسائل التقنيَّة من نتائج. وأضاف أنَّ الهدف من وصول هذه الوسائل إلى كافة أفراد المجتمع هو الإفادة منها، وليس رصد خصوصيَّات الآخرين وإظهارها للرأي العام، مُوضحاً أنَّ هناك من يحاول تصيُّد أخطاء الآخرين وتضخيمها بشتى الوسائل، مُشيراً إلى ضرورة إيجاد قوانين وعقوبات رادعة لهؤلاء، وخاصةً في الجوانب المعلوماتيَّة والإنترنت، مُتمنياً أن يصل العديد من أفراد المجتمع إلى مرحلة مُتقدِّمة من الضبط، بحيث يتردَّد كل من أراد نشر أيَّة معلومة سلبيَّة أو مغلوطة قبل أن يهمَّ بكتابتها، مُبيِّناً أنَّ هناك حاجةً ماسِّة إلى وعي من يُنفِّذ ووعي من يُشرِّع ووعي من يُراقب تنفيذ هذه القوانين، وبالتالي وعي الفئة المُستهدفة، لافتاً إلى أنَّ جميع هذه المراحل تحتاج إلى وقت طويل قبل أن تتحقَّق على أرض الواقع، ذاكراً أنَّ الحاجة تدعو إلى وجود برامج لصناعة الوعي الذاتي، بحيث يكون الفرد رقيباً على نفسه. وأشار إلى أنَّ التطور التقني الكبير والمُتسارع في مجال الأجهزة الحديثة أغرى العديد من أفراد المجتمع لاستخدامها بشكلٍ غير مُقنَّن، ما أدَّى إلى تغييرهم المُستمر لأجهزتهم بشكل مُستمر، مُضيفاً أنَّ التقنية سلاح ذو حدين، مُوضحاً أنَّ وجود المسؤول الذي يستفيد مِمَّا يُنشر من مقاطع في اتَّخاذ قرارات إيجابية تخص دائرته يُعد من الأمور الايجابيَّة التي أفرزها وجود هذه التقنية، مُستدركاً أنَّ هناك جانبا سلبيّا آخر يتعلَّق باستخدام التقنية، ويتمثل في وجود أُناس لهم مصالح معيَّنة فيما يتعلَّق بزعزعة الأمن وبث الخلافات بين أفراد المجتمع، لافتاً إلى أنَّ هؤلاء هم من يحرص على وجود وانتشار الصور ومقاطع الفيديو التي تُوثِّق بعض مواضع الخلل غير المقصود في بعض الجهات الخدميَّة، مُشدِّداً على ضرورة تعاون وتكاتف كافَّة أفراد المجتمع مع بعضهم البعض، وعدم إتاحة الفرصة لهؤلاء للنجاح في تحقيق مآربهم. توثيق الحضور على مواقع «النت» يزيد من حرية التناول للقضايا المجتمعية تصوير الحوادث المرورية تجاوزٌ لخصوصيَّات الآخرين طفلة توثق الحدث وتستعد لنقل صوره على حسابها في «انستقرام» د.زامل أبو زنادة د.سعود كاتب