على الطريق إلى دمشق وقبلها قليلا، سأقول مع الشاعر الجاهلي: ما أطيب العيش لو أن الفتى حجر، وسأقول مع الشاعر الجاهلي الجديد: ليت الفتى حجر. وليت الفتى بحر يسن أمواجه موجة موجة بشفرة ريح، بحر يثور ويسكن لكنه يلتحف غيمة بيضاء كل ليلة وينام كطفل صغير. ربما رأى دماً يسيل من فضائية تلبس ربطة عنق أنيقة، فرأى دمه هو، يتفتح كشقائق النعمان في بادية الشام، وقال مكاني ليس هنا، مكاني هناك. ليت الفتى حجر. وليت الفتى قصيدة غزل ميمية في وصف غزالة مذعورة بين غديرين وفي وصف حنينه إلى معنى لا يعرفه تماما لكنه سيقطر من دمه يوما، وهو يعد حقائبه للرحيل. لو أن الفتى حجر لمر من شوك الحياة بموت أقل، ولما تجعد قلبه أكثر مما يجب. لم يعد في هذه الأرض متسع لحلمين أخضرين يفتحان نوافذ الحرية ليطل منها قلب الفتى في ساعة الاستراحة بين درس العلوم الحيوية، ودرس الجيولوجيا. فليت الفتى سفر على طريق بين مدينتين في جزيرة نائية في المحيط الهادي. سيقطع الطريق الضيق إلى آخره ثم يعود كما ذهب على دراجة أو على قدميه النحيلتين وهو ملموم. ستفتش أمه في قلبه عن ندبة، وستجدها حتما ثم تعاتبه على ما أخفاه من وجد ومن سهر. ليت الفتى نقش بمحراب عتيق، سيمره المؤذن بين العشاءين يوما ما ليمسح ما عليه من تعب: لعلك أيها الفتى تزور في الحلم بيوتاً لم تزرها قط، تغلقها قبل أن تصحو وتمشي على أطراف أصابعك وأنت تخفي مفاتيحها مخافة أن يسرقها لصُ واقعك المر. سأرسم منمنمات على هامش عمري وأختلف مع العابرين والمقيمين على الأزرق في حبري، والوردي في حرفي. كل عمر لي هو ليس لك، وكل عمر هو لك ليس لي، أقول ذلك لمن أراد أن تكون خريطة عمري أكثر دائرية وأقل ورداً ومدى. ليت الفتى قافية معلقة كوردة مهملة على سياج اللغة، هل سيقطفها شاعر شاب ويشبكها في جديلة فتاة صغيرة بانتظار حافلة المدرسة؟ ربما فاته عبور النهر لأنه آثر السير بمحاذاته، فلم ير أن الحقول في الضفة الأخرى بلا حدود حقيقية. ليت الفتى لم يعرف الأشياء كما هي: لا دم في الموت ما لم يكن في الأمر طائرة أو رصاصة طائشة، العربي يفرك قماش الحضارة الحديثة فيستخشنها، حدود جغرافيتنا السياسية غير مكتوبة بقلم الرصاص، وهي مطابقة لحدود آمالنا التاريخية، واقعنا المعاصر يفيض بالبالونات الملونة وعلب الحلوى، ولا مكان فيه لأسلحة الدمار الشامل والأسلحة الكيميائية، ليت الفتى لم يعرف الأشياء كلها، ليت الفتى حجر، وليتني حجر