عندما وقع في يدي كتاب الشعر عند البقوم لمؤلفته الأستاذة حصة بنت عبدالله بن مطر البقمي سعدت به كثيراً لأسباب منها أنه يضم بين دفتيه باقة من شعر البقوم ذلك الشعر الذي قد اقتربت منه في وقت مضى، ومنها أن من ألّفه بعد أن جمعه وأعده هو من البقميين أنفسهم، وليس ذلك فحسب بل واحدة من حفيدات غالية البقمية البطلة السلفية التي قاتلت دفاعا عن بلادها وعن مبادئ قومها حتى هزمت الغزاة الذين كان يقودهم طوسون باشا. جاء الكتاب كما توقعته حافلا بكل جميل من أشعار البقوم، وقد قسمته المؤلفة إلى أربعة أبواب سبقها اهداء لوالد المؤلفة اعترافا بفضله ومقدمة مقتضبة وضحت فيه دوافع قيامها بتأليف الكتاب، ثم تتابعت بعد ذلك أبواب الكتاب فكان أولها ما قيل عن أمكنة البقوم أو عن البقوم مما حفظته كتب الجغرافيا العربية والأدب العربي ومما تناقلته الرواة عبر الأزمنة. جاء بعد ذلك باب "شعر وشعراء" وأخاله مربط الفرس بالنسبة لبقية الأبواب وقد تمكنت المؤلفة من رصد باقة من النصوص توزعت على أربعة عشر شاعرا من شعراء البقوم الذين تداول الناس شعرهم وازدهر نشاطهم خلال القرن الهجري المنصرم. جاء الباب الثالث تحت عنوان: أبيات ومناسبات وقد اشتمل على قصائد ارتبطت عند الناس بمناسبات خاصة. أما الباب الرابع فقد خصصته المؤلفة لشوارد من أبيات تداولها الناس متناثرة لما تكتنزه من معان وعواطف وحكم يتمثل بها الناس دون الرجوع إلى القصيدة كاملة، ثم ختمت كتابها بخاتمة بينت فيه توزيعها لموضوعات الكتاب كما لخصت فيها رؤيتها الخاصة لمجمل الأشعار التي وثق لها كتابها ثم نشرت قائمة بأسماء المصادر والمراجع التي أفادت منها المؤلفة ومنها كتابا: أضواء النجوم من أشعار البقوم لحسين بن عايض الراجحي، وأمكنة باب الحجاز للنقيب رداد بن ناصر البقمي. نماذج من القصائد: أوردت المؤلفة أربع قصائد للشاعر بتال بن حزمي البقمي المتوفى عام 1361ه منها قصيدة على طرق المسحوب وهذا مطلعها: ياراكب من فوق مقطوعة الساس بنت الوضيحي حرة صيعرية ما فوقها الا كورها يضرس اضراس غير العقيلي والشغول الطريه وللشاعر عايض بن هديان البقمي الذي توفي عام 1401 نشرت المؤلفة نصا واحدا لكنه من النصوص الجميلة على طرق المسحوب يتضمن جملة من الوصايا لابن الشاعر، ومن أبياتها: ويا عضيب ماهمك ليال مراقيب حسابها شاف الزحل في النجومي والبل هوايا والغنم شلوة الذيب والضيف يبغى عادته والهقومي ويا عضيب وان جونا هل الفطر الشيب املطمين وجوههم بالهدومي تجعل لهم ميسورنا والتراحيب وقمنا ووالي العرش معنا يقومي اوجيهنا الهم فالمعاسر مجاليب الهم ولك يا عضيب وانت مخدومي وتوثق المؤلفة لثماني قصائد من قصائد الشاعر عبدالله بن مطر البقمي المولود في عام1358ه وأظنه والد المؤلفة إن لم يكن الحال مجرد تشابه في الأسماء، ومن تلك القصائد الثماني قصيدة على طرق المسحوب جاء في مطلعها: يا لله يا للي كل الامات ترجيه يسر امور اللي لنصرك رجاوي ماني بمن يكثر لغيره شكاويه ولا اشكي على اللي ما يفيد الشكاوي ولاني بمن يخطي مسالك دعاويه ولا امشي على درب مهو بمتساوي ملاحظات ختامية: * إن الميراث الأدبي والثقافي لأي مجتمع ليست ملكا لذلك المجتمع وحده بل هو ملك الانسانية جمعاء، ولذلك فعندما ينبري مثقف ينتمي الى مجتمع معين ليجمع ذلك الميراث وينشره فإن جهده ذاك يصب لصالح الانسانية ولا يعد عملا عنصريا بل هو أداء للأمانة تتلقفه الأوساط العلمية والأدبية بمزيد من الامتنان والتقدير. محمد بن ربيع الغامدي * هناك فوائد كثيرة تهم الباحثين من خلال اطلاعهم على مثل هذا الكتاب، ففيه إشارات تاريخية ولغوية عديدة تهم باحثي التاريخ ودارسي اللغات واللهجات وتطورها، لقد توفر عن طريق هذا الكتاب قاموس ضخم من المفردات التي تداولها إنسان تربة البقوم خلال فترة الدراسة، شرحت المؤلفة كثيرا منها شرحا موفقا فهي ابنة المكان والمجتمع.